المُشاهد "ضحية" تكرار سينمائيّ مملّ

المُشاهد "ضحية" تكرار سينمائيّ مملّ

17 سبتمبر 2021
ماريا إيريش: جمالٌ يقتل ببرودة (إيزا فولْتين/ وايرإيماج)
+ الخط -

لا جديد يُقدّمه "ضحية" (2021، نتفليكس)، للألماني توماس سيبَنْ (إخراجاً وكتابة). الحبكة والشخصيات والبداية والمسار والتراكمات والمطاردة، متشابهةٌ كلّها مع أفلامٍ هوليوودية وغربية عدّة، وبعضها أفضل سينمائياً، وإنْ قليلاً. سبب المُطاردة أيضاً، ثم انكشاف مخبّأ بين شقيقين وأصدقاء. التفاصيل مُشاهَدةٌ سابقاً، تماماً كالنواة الدرامية لنصٍّ باهتٍ، والأهمية الوحيدة في ترجمته إلى فيلمٍ كامنةٌ في أنّ مدّته 87 دقيقة فقط.

المنطلق مُصوّر في طبيعة رائعة. تلال وغابة ذات أشجار كثيرة، والإضاءة الطبيعية جميلة (مدير التصوير أندرياس بِرْغر). 5 أصدقاء يجذّفون في نهرٍ، ويلعبون على ضفّته قليلاً، قبل أنْ يسمعوا إطلاق رصاصة، يظنّون أنّها عائدة إلى صيّاد، رغم شكوك أحدهم لاحقاً، مع تكرار إطلاق الرصاص، في أنّ الموسم الحالي مخصّص للصيد. بين الأصدقاء هؤلاء، هناك شقيقان، أحدهما، رومان (ديفيد كروس)، مُقبلٌ على الزواج من ليزا (ليفيا ماتِسْ)، والرحلة هذه "حفلة وداعٍ لعزوبيّته"، تنتهي قرب سيارتهم، مع إطلاق الرصاص باتّجاههم، وإصابة فنسنت (يانغ نْغو) بإحداها في يده.

تبدأ المطاردة، والمُطارِد مجهولٌ، والسبب أيضاً. الرحلة تطول قليلاً، لكنّها غير متجاوزةٍ يوماً كاملاً. الرحلة تبدأ بشكلٍ عاديّ للغاية، مع ما تحمله الصداقة والأخوّة من مقوّماتٍ وعلاقاتٍ. لكنّ المُطارَدة تعرّيهم شيئاً فشيئاً، فتنكشف نزاعات خفية، وأنانيات مبطّنة، وأسرارٌ يُدركها رومان متأخّراً. هذا يعني أنّ النصّ يوحي برغبةٍ في فضح مكنونات نفسٍ وروح بشريتين، وفي تعرية أناسٍ، بعضهم محتال ودنيء. لكنّ السياق والمعالجة ومسارات الأمور تبتعد عن هذا الإيحاء وتلك الرغبة، إذْ يسود العاديّ والمُسطّح، ويتسلّط مللٌ تُرافقه توقّعات مسبقة لبعض ما سيحدث.

 

 

هذا كلّه مشغول بحِرفية مهنيّة، من دون أي جديد في اشتغال أفلام تشويق ومطاردة، معظمها يتضمّن، عادةً، "رسائل" عن قضايا وعلاقات وارتباطات، أو عن مفاهيم عيشٍ وقدر وسلطة، رغم أنّ تلك الأفلام غير خارجةٍ على المنطق التجاريّ الهوليوودي الاستهلاكي البحت. أما المنطق، فتحضر مفردته مرّتين: يقول بيتر (روبرت فِنْستر)، بعد انفضاض المُطارِدة إيفا (ماريا إيريش) عن قتلهم في إحدى لحظات المواجهة، إنّ "الأمر برمّته غير منطقي"، فيتساءل رومان عمن يَقُل "إنّ المنطق ضرورة". هذا قول صائب، لشدّة تمكّنه من اختزال "ضحية"، فلعلّ أفلاماً كهذه غير محتاجة إلى منطق، وغير معنيّة بمنطق، وغير مهمومة بمنطق.

أما المُطارِدة القاتلة، فتبدأ قتل الناس في تلك الغابة، بعد مقتل ابنتها آنّا الصغيرة، غير المقصود طبعاً، ببندقية سكّير. هذا يكتشفه رومان في منزل إيفا، التي تقتل أصدقاءه، فينجو هو وألبرت منها، إذْ يتغلّب عليها بنزع البندقية منها، فترمي جسدها في وادٍ، لفقدانها أداة الثأر. ومع رمي الجسد، تسقط الروح في الهاوية، وهذا تفسيرٌ لا علاقة للنصّ السينمائيّ به، لشدّة بهتانه (النصّ).

المساهمون