الغزيون يلجأون إلى إنترنت الشوارع وسط العدوان

الغزيون يلجأون إلى إنترنت الشوارع وسط العدوان

28 ديسمبر 2023
تستهدف قوات الاحتلال البنى التحتية للاتصالات (لؤي أيوب/ Getty)
+ الخط -

قطعت الفلسطينية سوسن ديب مسافة طويلة، برفقة نجلها محمد، للوصول إلى أحد مقاسم الإنترنت، المفصولة عن مناطق واسعة من قطاع غزة، حتى تطمئن على عائلتها التي افترقت عنها مُنذ بداية العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع، والذي انطلقت شرارته في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عقب عملية طوفان الأقصى.

اندفعت السيدة الفلسطينية، وإلى جانبها العديد من النازحين، للاستفادة من الإنترنت المُتاحة بمقابل مادي لدقائق محدودة، في ظل انقطاعها نتيجة القصف الإسرائيلي الذي طاول شبكات الاتصالات، وخطوط النَفاذ، وأسلاك الإنترنت، إلى جانب إغلاق المعابر، وقطع أسلاك التيار الكهربائي، ومنع دخول الوقود اللازم لتوفير الطاقة البديلة اللازمة لتشغيل مقاسم توزيع الإنترنت.

وبدأت أزمة الإنترنت في غزة منذ اللحظة الأولى لإعلان الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على القطاع، والذي ترافق مع حزمة من العقوبات الجَماعية، ومنها إغلاق المعابر بشكل تام، ومنع دخول المُساعدات والأدوية والمواد الغذائية، وقطع الماء والكهرباء والاتصالات، بهدف عزل غزة عن العالم، وعرقلة إيصال الصوت والصورة وملامح استهداف المدنيين للعالم الخارجي.

وفي هذا السياق، أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية "بالتل"، الثلاثاء، انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت بالكامل في قطاع غزة، مع استمرار القصف الإسرائيلي. جاء ذلك في بيان صادر عن الشركة التي تقدم خدمات الاتصالات الثابتة والمتنقلة والإنترنت في السوق الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة). وذكرت الشركة في بيانها: "انقطاع كامل لخدمات الاتصالات الثابتة والإنترنت مع قطاع غزة، بسبب استمرار العدوان... طواقمنا الفنية تعمل على استعادة الخدمات رغم خطورة الظروف الميدانية".

وهذه هي المرة الثامنة منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي، التي تتعرض فيها خدمات اتصالات الشركة للقطع، كان آخرها في 20 ديسمبر/ كانون الأول الحالي. وشركة الاتصالات الفلسطينية هي أكبر مزود لخدمات الاتصالات الخلوية والإنترنت في قطاع غزة، والمقدم الحصري لخدمات الاتصالات الثابتة هناك. ومطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ناشد وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطيني إسحاق سدر، مصر تفعيل خدمة التجوال، وتشغيل محطات الاتصالات القريبة من حدود غزة.

وتفيد سوسن ديب، في حديثها لـ"العربي الجديد"، بأنها لم تجتمع بأهلها مُنذ افتراقها عنهم لحظة تركهم منطقة أبراج الكرامة شمال غرب مدينة غزة، حيث توجهت هي إلى مدينة دير البلح وسط القطاع، فيما توجهت عائلتها إلى حي تل السُلطان، غربي مدينة رفح، جنوب القطاع، موضحة أن الاتصال هو الوسيلة الوحيدة للاطمئنان عليهم وطمأنتهم في ظل عدم القُدرة على التنقل، بسبب خطورة الطُرق، والقصف الإسرائيلي المتواصل لكافة المناطق.

وتُبين ديب أنه ومع اشتداد ضراوة الحرب الشرسة على غزة، تفاقمت أزمات عديدة، وفي مقدمِها أزمة اتصالات الشبكات المحلية التي تدرجت في السوء، وصولاً إلى الانقطاع الكامل، ما دفعها إلى الاعتماد على الاتصال عبر الإنترنت، والتي تنقطع كذلك لأيام طويلة، فيما لا تضمن غالباً توفرها في الوقت نفسه عند عائلتها. وتضيف: "حتى في حال عودة الإنترنت، فإن تقطع الأسلاك، والانقطاع التام للكهرباء يحولان بيننا وبين الاستفادة منها، ما يضطرنا لقطع مسافات طويلة نحو إنترنت المقاسم والشوارع"، مُعتبرة أن تلك الرحلة القسرية في حد ذاتها مُجازفة مزدوجة، حيث تسير في ظل الخطر، فيما لا تضمن أن تجد خدمة الإنترنت متوفرة.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

أما الشاب محمد عبد العال، من منطقة التوام شمال قطاع غزة، والذي نزح برفقة زوجته وطفلته، وباقي أفراد عائلته إلى إحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيقول إنه يتجه لإنترنت الشوارع للتواصل مع والدته التي سافرت قبل العدوان لزيارة شقيقتها في المملكة العربية السعودية، والتخفيف من قلقها.

ويُبين عبد العال، لـ"العربي الجديد"، أن والدته مُصابة بالانهيار الكامل لخوفها على أسرتها، خاصة بعد النزوح بفعل اشتداد القصف، ما يدفعه لطمأنتها برسائله الصوتية، أو الاتصال في حال أتاحت له جودة الإنترنت ذلك. ويضيف: "ليس من السهل التحرك في ظل الاستهداف الإسرائيلي المسعور للمواطنين، والأعيان المدنية، إلا أننا مضطرون لكي نطمئن ذوينا، ونطمئن إلى أصدقائنا في ظل الانقطاع الكامل للاتصال الهاتفي".

ويوضح عبد العال أنه يقوم بشراء ورقة تتضمن اسم المستخدم ورقم المرور، تُتيح استخدام الإنترنت لبعض الوقت، لافتاً إلى أن الإنترنت المُتاحة غالباً لا تكون بالجودة المطلوبة، كما لا تساعده على إجراء مكالمة مرئية، أو تشغيل فيديوهات، أو حتى فتح مواقع إخبارية مُعينة نظراً لثِقل حجمها، خاصة في ظل الضغط الكبير لعدد الزوار على الشبكة الواحدة، إلا أنها الطريقة الوحيدة أمامه للاتصال والتواصل. وكغيرها من الأزمات التي سُلطت على الفلسطينيين في قطاع غزة، فقد تفاقمت أزمة الاتصالات والإنترنت تدريجيا نحو الأسوأ، وصولاً إلى الانقطاع شبه الكامل، ما دفع أصحاب بعض المقاسم لإتاحة خدمة الإنترنت لمدة محدودة من الدقائق بمقابل مادي، باستخدام ألواح الطاقة الشمسية، أو البدائل المُكلفة، والتي تُمكنهم من تشغيل تلك المقاسم لساعات قليلة خلال اليوم.

ويقول الفلسطيني خالد بشير الذي وضع طاولة لاستقبال هواتف الزبائن المحمولة وتفعيل الإنترنت عليها، إنه قام بتحويل عدد من ألواح الطاقة الشمسية الخاصة بمنزله لتشغيل مقسمه، إلى جانب تشغيل المولد الكهربائي في بعض الأحيان بهدف التخفيف من معاناة جيرانه وغيرهم من النازحين، وتمكينهم من استخدام الإنترنت لمُدة نصف ساعة، بمُقابل مادي محدود.

ويلفت بشير، لـ"العربي الجديد"، إلى أن المقسم يعتمد في الوقت الطبيعي على الكهرباء حِفظاً للأجهزة التي يُمكن أن تتضرر من جراء الطاقة غير المُنتظمة، إلا أن الأزمة الحادة في الإنترنت، بفعل قصف العديد من نقاط التوزيع أو تقطيع الأسلاك نتيجة القصف الإسرائيلي لأهداف مدنية مُجاورة، اضطرته لتفعيل مقسمه باستخدام البدائل المُتاحة.

ويوضح أنه يقوم بإدخال اسم المُستخدم، ورقم المرور الخاص بكل جهاز، لتمكينه من استخدام الإنترنت، فيما ينقطع الاتصال تلقائياً بعد الوقت المُحدد للاستفادة، لافتاً إلى أنه يبدأ العمل خلال ساعات النهار المُشمس للاستفادة من الطاقة الشمسية، فيما يستخدم المولد الكهربائي في ظروف محدودة.

وخلفت حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي غزة، حتى الثلاثاء، 20 ألفاً و915 شهيداً و54 ألفاً و918 جريحاً، معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.

المساهمون