السوشيال ميديا ونجوم الدراما: دعاية أم إغلاق المنافذ أمام الجمهور؟

السوشيال ميديا ونجوم الدراما: دعاية أم إغلاق المنافذ أمام الجمهور؟

02 ابريل 2024
تعرضت داليا شوقي لسخرية واسعة من الجمهور بسبب دورها في "سفاح الجيزة" (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تحولت طرق الدعاية للمسلسلات من الوسائل التقليدية إلى استخدام السوشيال ميديا ومنصات البث الرقمي، مما جعل الدعاية أكثر سهولة وتفاعلية وسمح بالوصول المباشر للجمهور.
- استخدام السوشيال ميديا في الدعاية أدى إلى ظهور نجوم جدد وشهرة لأعمال فنية، لكنه أيضًا تسبب في تفسد بيئة العرض الفني بالتأثير المباشر على ردود الفعل والانطباعات.
- الدعاية الرقمية قد تشكل خطرًا على العملية الإبداعية، مما يستدعي الحاجة إلى توازن بين استخدامها والحفاظ على صدقية العمل الفني، خاصة مع تطور الجمهور لقدرات دفاعية ضد الحملات المدفوعة.

قبل سنوات قليلة كانت المسلسلات التلفزيونية تعتمد على شركات الإنتاج والقنوات الفضائية لتسويقها وتسويق نجومها من خلال الوسائل التقليدية التي تقوم بأبسط قواعد الدعاية بتعريف الجمهور بالمنتج وتفاصيله وموعد عرضه والقناة التي ستعرضه، سواء بإعلانات الصحف أو لوحات الشوارع وغيرها، وينتهي دور الدعاية فور وصول المنتج للجمهور، وكانت هذه الطريقة تستخدم وقتها في تبرير فشل بعض الأعمال بأنها لم تحصل على حقها في الدعاية ولم يسمع بها الجمهور، ولكن هذه الحجة لم تعد مقنعة الآن في عصر السوشيال ميديا ومنصات البث الرقمي.

انتهت الطريقة التقليدية في الدعاية مع بداية عصر السوشيال ميديا، حين بدأ الجمهور والنقاد في استخدامها لإعطاء انطباعاتهم وآرائهم على الأعمال الفنية، بجانب الوسائل التقليدية الأخرى، مثل المقالات والصحف ورأي الشارع. في البداية لم يكن صناع المسلسلات يعرفون طريقة استخدام السوشيال ميديا في الترويج لأعمالهم، ونظر بعضهم إلى الآراء المنتشرة عليها بتعال، متحججين بأنّها لا تمثل الجمهور الحقيقي الموجود بالشارع وفي المنازل أمام أجهزة التلفاز.

انتهاء أسطورة "جمهور الشارع"

لاحقاً، اختفت هذه النبرة، وصار الرأي الأول والأخير للسوشيال ميديا، لأن جمهور الشارع والمنازل أصبح على السوشيال ميديا، وقد تبدو هذه النتيجة مفيدة بالنسبة إلى صناع الأعمال لأنها تتيح لهم الدعاية بسهولة لأعمالهم وإيصالها بشكل سريع إلى الجمهور المستهدف، بل والحصول على ردود الفعل المختلفة والتقييمات والآراء والانطباعات على الفور، إلا أنها سرعان ما تعرضت للإفساد أيضاً بعد تخطي حملات الدعاية دورها إلى التحكم في آراء الجمهور وانطباعاتهم.

مع انتشار الصفحات الفنية على مواقع التواصل ومجموعات تبادل ترشيحات الأفلام والمسلسلات، والتي تطورت إلى مجموعات ساخرة وناقدة وغيرها من الصفحات والحسابات، والتي باتت تحظى بمتابعات مليونية، ظهر مفهوم جديد في الدعاية لدى النجوم وشركات الإنتاج باستخدام هذه النوافذ لتقديم المراجعات الإيجابية عن أعمالهم، لتبدو كأنها آراء طبيعية من جمهور عادي، وذلك بعدما أصبحت فكرة الحسابات المزيفة واللجان الإلكترونية غير مجدية وسهلة الاكتشاف. تتعامل هذه الصفحات مع الأعمال الفنية كالمنتجات المادية المعلن عنها للجمهور، وكانت سبباً في شهرة العديد من الأعمال بالفعل وظهور العديد من النجوم الجدد الذين استخدموا هذه الطريقة الحديثة بكثافة.

لكن تكمن خطورة هذه الطريقة على العملية الفنية في أنها تفسد بيئة العرض بالتدخل المباشر في رد الفعل على الأعمال الفنية وعلى أداء الممثلين، وتحرم الفنانين من الحصول على الآراء والانطباعات الحقيقية بشأن أعمالهم، وتشوّش على إحساسهم بمستواهم الفني وتأثيرهم ودرجة تطورهم وموقعهم الحقيقي وغيرها من الأدوات. وبسبب استخدام هذه الطريقة الدعائية بكثافة، يصبح من الصعب التمييز بين الرأي الحقيقي والمدفوع، ويفقد الرأي الإيجابي أو السلبي أهميته لدى الفنان، لأنه يقاس بمدى انتشاره وليس بمدى اختلافه وصدقه.

يحرم صناع الأعمال أنفسهم أيضاً من التأويلات واختلاف درجات التلقي بين الجمهور، التي تفقدهم بالتدريج متعة عملهم الجماهيري، والشعور بالمفاجأة والإثارة من طريقة تعاطي الجمهور المختلفة مع العمل المقدم، لأنه في النهاية المتحكم في الرواية التي يحب أن يرددها عنه الجمهور، وأصبح الفنان هو صاحب العمل والناقد والمتحكم في الصورة الذهنية عنه لدى المشاهدين. مع كثافة هذا المحتوى الدعائي الجديد تتوه الآراء الحقيقية والمختلفة، حتى أنها قد تفقد العمل النقدي نفسه بريقه وأهميته في العملية الإبداعية في حال شعور جميع الأطراف في المعادلة بعدم الثقة في أهمية مهنتهم وطبيعة عملها.

الدعاية الرقمية للمسلسلات والأهداف العكسية

من المتوقع أن تفرز هذه الطريقة الجديدة في الدعاية العديد من الظواهر السلبية في المستقبل القريب على العملية الإبداعية، عبر تعزيز شعور النجاح الوهمي لدى الفنانين وانغلاقهم الزائد على أنفسهم والتوهم بالقدرة على التحكم في الرأي الجماعي للجمهور، وإنهاء حالة التنافس الفني وانتقالها إلى التنافس على السوشيال ميديا في الترويج للانطباعات وعبارات المدح فقط. كما قد تؤثر أيضاً على المنتجين أنفسهم، الذين قد يتأثرون بهذه الحملات الدعائية في تقييم النجوم في تعاقداتهم، فهل سيكون الاختيار مثلاً بين النجوم القادرين على جذب الجمهور بأدوارهم وتاريخهم الفني أم الناجحين تسويقياً على مواقع التواصل؟

الخطورة الأخرى تتمثل في عدم وجود أعراف وتقاليد تحكم الدعاية الإلكترونية للأعمال الفنية، على عكس وسائل النشر التقليدية، فجميع التعاملات في الطريقة الحديثة تدور بشكل عشوائي بين الأفراد من جميع المواقع، سواء فنانين أو منتجين أو أصحاب صفحات مليونية ومؤثرين، وهو ما قد يتسبب بحالة فوضى وإحراز أهداف عكسية على الفنانين أنفسهم، مثل تضارب المصالح بين صناع العمل الواحد، فقد يستخدم فنان طريقة ترويج لنفسه لا تتناسب مع العمل المشارك به أو مع زملائه، أو قد يستخدمها ضدهم من الأساس.

 بالإضافة إلى أن الجمهور يطور قدراته الدفاعية باستمرار تجاه الحملات المدفوعة، وقد يُكوّن مشاعر سلبية تجاه الأعمال أو الأفراد المعلن عنهم بكثافة، وتتحول الحملات الدعائية في ذروتها إلى حملات عكسية بالقوة نفسها، وقد حدث ذلك بالفعل مع عدد من الفنانين في الفترة الأخيرة، مثل حملة السخرية الشرسة التي تعرضت لها الممثلة داليا شوقي في مسلسل "سفاح الجيزة" بسبب تداول مشهد يكشف ضعف أدائها التمثيلي به، بعد الدعاية بكثافة لدورها نفسه في العمل.

وحدث الأمر نفسه مع الممثلة رحمة أحمد في مسلسل "الكبير" بعد الترويج الضخم للعمل مع عودته بأجزاء جديدة، ما جعلها في مواجهة الجمهور لمقارنتها مع دنيا سمير غانم في الدور نفسه، فكلما صعد العمل إلى السطح بقوة دفع الحملات الدعائية كلما كانت فرصة سماع دوي سقوطه أعلى، على العكس من ردود الفعل التلقائية من الجمهور، التي إن كانت سلبية فهي في العادة لا تكون بهذه القسوة والانتقامية في الحالة الطبيعية.

المساهمون