اغتيال صحافيي أفغانستان: وعود المحاسبة حبر على ورق

اغتيال صحافيي أفغانستان: وعود المحاسبة حبر على ورق

18 ديسمبر 2020
خلال جنازة الصحافية ملاله ميوند (والي صباوون/الأناضول)
+ الخط -

خلال فترة وجيزة، لقي 5 صحافيين في أفغانستان حتفهم، حيث قتل 3 منهم في عمليات اغتيال وتفجير سيارات، بينما قتل اثنان هما محمد صديق وفردين أمينى في ظروف غامضة، في ظلّ وعود حكومية بالتحقيق في قضيتيهما. تلك الأحداث أثارت ذعراً وقلقاً بالغين في صفوف الإعلاميين والصحافيين. وبينما توعدت السلطات الرسمية بالانتقام من الجناة، ترى النقابات الصحافية أن وعود الحكومة ليست إلا مجرد حبر على ورق وأن عمليات الإغتيال محاولة لإسكات أصوات الإعلاميين الذين يعملون في أقسى وأشد أحوال الحرب.

وشكل قتل الصحافية ملاله ميوند، الخميس الماضي، ومن بعده قتل فريدون أميني يوم الجمعة صدمة كبيرة للكثير من الإعلاميين. فقد قتلت الصحافية إثر تعرض سيارتها لكمين مسلحين في منطقة كولاي عربان في قلب مدينة جلال أباد إلى الشرق، ما أدى إلى مقتل سائقها أيضاً، في جريمة تبناها تنظيم "داعش". وفي صلاة جنازتها، وعد حاكم الإقليم ضياء الحق أمر خيل باعتقال الضالعين في الجريمة، مؤكداً أنه أمر السلطات الأمنية بالتحرك السريع والوصول إلى الجناة الذين قاموا باغتيال الصحافية ملاله ميوند التي تنحدر أصولها إلى قبائل خوجياني القاطنة في منطقة تورابورا على سفح الجبل الأبيض.

وخلال أقل من 24 ساعة، أعلن الحاكم نفسه اعتقال قتلة ميوند وأنهم اعترفوا بالجريمة، مشدداً على أنه سيتابع قضاياهم في المحكمة حتى معاقبتهم. لكن الإعلاميين ينظرون إلى هذا الإعلان بنظرة شك ويطلبون محاكمة الجناة علناً إذا كان فعلاً تم القبض عليهم واعترفوا بارتكاب الجريمة. وفي هذا الصدد، قال الصحافي رحمت الله زيارمل في مؤتمر صحافي عقد الجمعة الماضية إنّ قضية اعتقال قتلة ميوند إذا كانت حقيقة وليست مسرحية فعلى السلطات أن تحاكمهم علناً، والحكم بالإعدام هو الطريق الوحيد لتوفير الحماية لباقي الإعلاميين.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

بينما قال رئيس قناة "إنعكاس" التي كانت ميوند تعمل فيها، زلمي لطيفي، إن قضية الاغتيالات لا تقف عند هذا الحد بل حياة الكثير من الإعلاميين معرضة للخطر، وإن عدداً منهم تلقوا تهديدات بالقتل بالفعل. فيما قال رئيس إدارة الإعلام والثقافة المحلية في ننجرهار روح الله خوجياني في المؤتمر ذاته إن الجماعات المسلحة تقوم باغتيال الصحافيين وإن لدى الاستخبارات قائمة فيها العديد من أسماء الصحافيين الذين قد تجعلهم الجماعات المسلحة هدفاً.

وأثارت قضية اغتيال ميوند ردود أفعال في الأوساط المختلفة الداخلية والدولية. فقد قال الرئيس الأفغاني أشرف غني، في بيان، إنّ الصحافيين في أفغانستان يقومون بأداء واجبهم في ظروف صعبة وقاسية والاغتيالات في صفوفهم جريمة نكراء، معتبرا تلك جناية في حق الحرية. كما دان رئيس المجلس الأعلى الوطني عبد الله عبدالله القضية، مطالباً السلطات الأمنية بسرعة التحرك لمعاقبة مرتكبي الجريمة.

ودانت نقابات الإعلاميين المختلفة قضية اغتيال ميوند والاغتيالات في صفوف الإعلاميين بشكل عام، متهمةً الحكومة الأفغانية بالفشل في توفير الحماية اللازمة لهم، والوصول إلى قضاياهم. كما دانت السفارة الأميركية لدى كابول والبعثة الأممية في أفغانستان يوناما والاتحاد الأوروبي قضية اغتيال ملاله ميوند.

وبعد يوم واحد من الجريمة، وجد الإعلامي فريدون أميني في ضواحي العاصمة كابول في وضع حرج بعد أن قطعت رقبته بآلة حادة، وبعد نقله إلى المستشفى لقي حتفه. الداخلية الأفغانية قررت أن ذلك انتحار قد أقدم عليه الإعلامي نتيجة "ضغوطات نفسية"، لكن نقابات الصحافيين عدت القضية قضية اغتيال غامضة ودعت إلى إجراء تحقيق فيها. ويقول الإعلامي عبد الحميد لـ"العربي الجديد" إن هناك الكثير من التساؤلات حيال قضية مقتل أميني ولا بد من إجراء تحقيق فيها قبل البت فيها بأنها إنتحار أم لا، مؤكداً أن عمليات قتل الصحافيين الأخيرة أمر مقلق ولا بد من اتخاذ إجراءات لازمة وصارمة حيال ذلك.

وقبل مقتل ميوند وأميني، قتل الصحافي إلياس داعي في إقليم هلمند، وهو المشهور بجرأته والعمل في مكان الحرب في الجنوب الأفغاني. وتوقى داعي في الـ12 من شهر نوفبمر/تشرين الثاني الماضي نتيجة انفجار قنبلة مغناطيسية ألصقت بسيارته في مدينة لشكر كاه مركز الإقليم. وادعت الداخلية الأفغانية في الـ11 من الشهر الجاري أي بعد شهر من حادث قتله أن مرتكبي الجناية قد ألقي القبض عليهم.

وقبل هذه الجريمة، أي في السابع من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قتل الصحافي يما سياووش في حادث مماثل لحادث داعي مع اثنين من رفاقه في قلب العاصمة الأفغانية كابول. حينها أيضاً كررت الحكومة وعودها بإجراء التحقيق ومعاقبة الضالعين.

ووفق لجنة الحماية عن حقوق الإعلاميين، فإنه خلال العام الجاري قتل 10 صحافيين في أفغانستان حتى الآن، بينما مجموع عدد الصحافيين الذين قتلوا خلال 19 عاماً يصل إلى 133، كما أصيب أكثر من هذا العدد بجراح. ويقول مسؤول إدارة الحماية عن حقوق الصحافيين، صديق الله توحيدي، إن الاستهدافات الأخيرة في حق الصحافيين والاغتيالات الغامضة لها تأثيرات كبيرة، لا سيما على العمل الإعلامي فنحن نعمل في خط النار الأول ونرفع صوت الحرية، ويبدو أن هناك جهات لا يرضيها عملنا وبالتالي هي تستهدف هذا الصوت، وهذا له آثار نفسية كبيرة على الإعلاميين في بلادنا.

ويضيف توحيدي بأن "هناك جهات تسعى من أجل أن يتبع الإعلاميون سياساتها وأن لا يقولوا الحقائق لذا تستهدف كل صوت له وزن مثل يما سياوش وإلياس داعي وملاله ميوند، وهو في حقيقة الأمر قمع ما يتطلع إليه الشعب الأفغاني، لأنه يرغب في معرفة ما يدور من خيوط اللعبة، والإعلاميون يقومون بهذا العمل".

أما عن مطلب الإدارة من جهات الحرب فيقول توحيدي "إننا ندعو طالبان كأكبر قوة مناهضة للحكومة أن توضح موقفها، إما تتبنى المسؤولية إذا كانت هي فعلا وراء إغتيالات الصحافيين كي نعرف القضية ونناقش الأمر معها، وإما تنفي ضلوعها حتى نعرف عدونا". وحيال موقف الحكومة، يقول إنها والمجتمع الدولي "يكتفيان فقط بالإدانات والشجب وهذا لا يكفي، بل لا بد من كشف الجهة التي تقف وراء هذه الاغتيالات ولماذا تنفذها؟". ولا يستبعد كل من توحيدي والإعلامي عبد الحميد أن تكون سلسلة الاغتيالات الأخيرة في حق الصحافيين قد أتت ضمن موجة الاغتيالات التي طاولت التجار والأكاديميين والساسة وغيرهم من أجل إرباك الوضع، وهو في الحقيقة استهداف جهود المصالحة التي أحرزت تقدما نسبيا في الأيام الأخيرة.

المساهمون