برد يرافق الفقر في أفغانستان

برد يرافق الفقر في أفغانستان

16 ديسمبر 2020
محاولة تدفئة بأبسط الوسائل في كابول (وكيل كوسار/ فرانس برس)
+ الخط -

الفقر في أفغانستان يمنع الأهالي، من ضمن ممنوعات كثيرة غذائية وصحية واجتماعية، من الحصول على وسائل التدفئة المناسبة، وهو ما يخلق أزمة حقيقية، خصوصاً في المناطق الجبلية المرتفعة والباردة

تخرج فاطمة (45 عاماً) في الصباح الباكر، فتمشي نحو منطقة ميكرويان لتنتقل من سيارة إلى أخرى حتى تصل، وتبدأ العمل في أحد المنازل. تبدأ عملها بالكنس، ثم تغسل الأطباق، وتعدّ من بعدها الغداء. ومرة أسبوعياً، تغسل الملابس، فيما تنظف الحمامات كلّ يومين. تسمع كثيراً من الإهانات من أصحاب البيت، لكنّها لا تصغي لها، بل تواصل العمل، إذ لا مفرّ منه في ظلّ حاجتها إلى راتب. تعمل فاطمة كلّ أيام الأسبوع، ما عدا الجمعة، وهو اليوم الذي خصصته لغسل الملابس في منزلها والقيام ببعض مهام أهلها. هي تعمل من الصباح حتى وقت متأخر من المساء قبل أن تتوجه إلى منزلها لتتقاضى شهريا ثمانية آلاف أفغانية (104 دولارات أميركية) من ضمنها بدل المواصلات. ترغب بشدة في ترك هذا العمل، لكن بعد أن تحصل على عمل أفضل وأقرب إلى منزلها. وفي الوقت الراهن حيث موسم البرد القارس قد بدأ لا يمكنها ترك العمل لأنّ جزءاً من راتبها تخصصه لتوفير وسائل التدفئة لأسرتها. تقول فاطمة لـ"العربي الجديد": "الحياة صعبة، فلديّ ثمانية أولاد، وزوجي يعمل مقابل أجرة يومية، لا تكفي  لما تحتاج إليه أسرتي، وبالتالي أواصل العمل في منازل الناس، مع أنّ وضعي الصحي لا يسمح، فأنا أعاني من ألم شديد في رجليّ وظهري. ماذا أفعل؟ لا مفر، فبفضل الراتب الذي أتقاضاه تعيش أسرتي، وهي بحاجة إلى الكثير، خصوصاً أنّنا في موسم البرد القارس".

المرأة
التحديثات الحية

أسرة فاطمة ليست الوحيدة التي تعاني في موسم البرد، بل هناك آلاف الأسر على هذه الشاكلة. في هذا الشأن، يقول رئيس مؤسسة "إحساس" الخيرية عبد الفتاح جواد، لـ"العربي الجديد" إنّ الوضع مأساوي للغاية، فأحياناً أزور بعض الأسر وهي لا تملك ما تفرشه في البيت، كما أنّ بيوتاً كثيرة لا نوافذ فيها، بالإضافة إلى عدم توفر وسائل التدفئة". ويلفت إلى أنّ الكثير من الأفغان يحرقون من أجل الحصول على الدفء، مواد تضر بالصحة كالأقمشة البالية والبلاستيك والورق المقوى، فأولياء الأسر الفقيرة يسعون فقط لتوفير الدفء لأبنائهم، متغاضين عن المسألة الصحية. يضيف جواد أنّ المؤسسة وزعت ملابس الشتاء، كما وسائل التدفئة، والبطانيات، لأكثر من 200 أسرة، وهي تعتزم مواصلة تقديم المساعدات لنحو أربعة آلاف أسرة هذا الموسم. وتتمكن المؤسسة من ذلك، بفضل دعم الأثرياء وبعض أهل الخير لها.
يذكر جواد قصة أحمد وهو مراهق في الرابعة عشرة، يعمل ويتقاضى يومياً ما بين 30 و50 أفغانية أي أقل من دولار واحد، وهو كلّ دخل أسرته. يتابع أنّ الأسرة التي توفي والدها نتيجة الإصابة بكورونا، تظهر الصورة الحقيقية لما يواجه فقراء أفغانستان، مشيراً إلى أنّ حجم المساعدات التي توزعها المؤسسات الخيرية ضئيل جداً مقارنة مع الوضع المأساوي الذي يواجه فقراء أفغانستان، لافتاً إلى أنّ المؤسسات الدولية والحكومة الأفغانية بوسعهما لعب دور فعال لكنهما لم تقوما به. ويشير إلى أنّ إدارة اللاجئين الأفغانية توزع بعض المساعدات على الفقراء في موسم البرد، لكنّ ذلك يجري عن طريق الزعامات القبلية، فتذهب معظم المساعدات إلى جيوب تلك الزعامات وليس إلى المستحقين من الفقراء.
عادة، يتدبر سكان المناطق الباردة في أفغانستان، خصوصاً في مناطق الثلوج، وسائل التدفئة وما يحتاجون إليه في الموسم، لكنّ الفقراء من بينهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك. يقول فضل الهادي، العامل في جامعة خاصة، ويتقاضى تسعة آلاف أفغانية (117 دولاراً) إنّهم جمعوا بعض الحطب قبل موسم البرد، وعندما بدأ يشتد أحرقوا كلّ ما لديهم من حطب. كان يتوقع أن يتقاضى الراتب ليشتري لأسرته الحطب لكنّه لم يتمكن من ذلك لأنّ الديون تلاحقه، فبات مع أسرته الآن بلا ما يحميهم من برد الشتاء. يذكر فضل الهادي لـ"العربي الجديد" أنّ الحياة صعبة جداً: "قبل دخول موسم البرد أصاب بالقلق كوني غير قادر على توفير ما تحتاج إليه أسرتي من وسائل تدفئة. أبي وأمي كبيران في السن، كما أنّ لديّ طفلاً يحتاج هو الآخر إلى عناية إضافية، بينما لا أتمكن من توفير ما هو أكثر من الغذاء، الذي أوفره بشق النفس حتى".
تعليقاً على الأزمة، يقول الأكاديمي محمد أدريس، لـ"العربي الجديد" إنّ معاناة الأفغان لها أبعاد كثيرة، وأساسها الحرب فهي تلقي بظلالها على كلّ المناحي، فالفقر ناتج عنها، كما تسببت في تفشي البطالة، بينما تنشغل الحكومة والمؤسسات المعنية بها. يعرب عن أمله بأن يكون موسم البرد هذا هو الموسم الأخير للحرب، فتتكلل جهود المصالحة بالنجاح كي ينشغل الجميع بمواجهة الفقر والبرد بدلاً من الإنشغال بالحرب وتبعاتها.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

تشير الإحصائية الأخيرة للحكومة الأفغانية إلى أنّ مستوى الفقر في البلاد قد انخفض في الأعوام الخمسة الماضية، بنسبة سبعة في المائة، إذ كان هناك 54 في المائة من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر، وفق إحصائية عام 2017 ، بينما تشير الإحصائية الأخيرة إلى أنّ 47 في المائة من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر. كذلك، تؤكد إدارة الإحصائيات والأرقام الأفغانية أنّ نسبة البطالة انخفضت بدورها.

المساهمون