احتفالاً بالدورة الـ10 لـ"مهرجان طرابلس للأفلام": تجربةٌ ممتعةٌ

احتفالاً بالدورة الـ10 لـ"مهرجان طرابلس للأفلام": تجربةٌ ممتعةٌ

29 سبتمبر 2023
خلاط: مؤسّس "مهرجان طرابلس للأفلام" ومديره (إسبر ملحم/الموقع الإلكتروني للمهرجان)
+ الخط -

 

أنْ يُرافق ناقدٌ سينمائيّ مهرجاناً سينمائياً، منذ إنشائه، أو ربما بعد أول دورة أو دورتين، ويواكب مساره، فكأنّ الناقد، بهذا، يُشارك في صُنعٍ وتطوير، محاولاً بالكتابة قولاً نقدياً مُفيداً. والمهرجان، إذْ يولد في مدينةٍ تُعتَبر عاصمةً ثانية للبلد، يريد إعادة السينما إليها، فتاريخها نابضٌ بصالاتٍ وعاملين/عاملات في فنون وثقافة وأكاديميات وفكر، وعلومٍ ونضال فكري ـ سياسي، وهذا أساسيّ، لأنّ احتكار بيروت للسينما غير صحيح، ومدن لبنانية عدّة، كصيدا وصور وزحلة والنبطية وبرمانا وغيرها، عامرةٌ سابقاً بصالاتٍ تعرض أفلاماً، وبعض الأفلام يُعرض فيها قبل عرضه في صالات بيروت. هذا كلّه حاصلٌ قبل اندلاع تلك الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990).

طرابلس ـ التي يُنشَأ فيها مهرجانٌ للسينما، يؤسّسه ابن المدينة الياس خلاط، ويُسمّيه "مهرجان طرابلس للأفلام" ـ مدينة شمالية لبنانية (85 كلم. عن بيروت)، مُحمّلة بتاريخٍ يصعب اختزاله، لما فيه من معطيات وتحوّلات (بعضها سلبيّ، للأسف)، وإنتاج حياتي ومعرفي وثقافي؛ وبثقافةٍ واشتغالات يصعب حصرها، لما فيها من تنوّع وسجالٍ وتحريض على إعمال فكرٍ وتأمّل؛ وبانزلاقاتٍ إلى عنفٍ وخرابٍ ونزاعاتٍ وأحقادٍ، وهذا هادفٌ إلى تدمير عمارة واجتماع وذاكرة وحياة، بعد قتل أناسٍ وإذلالهم، وهذا بشعٌ. لذا، يُريد المهرجان استعادة (أو محاولة استعادة، على الأقلّ) حالةٍ قديمة، من دون إسرافٍ في حنينٍ أو تنظير، بل بعمل دؤوب على تحويل الحيّز المكانيّ الصغير ("بيت الفنّ"، المينا) إلى مساحةٍ أوسع للقاء سينمائي مفتوح على تنوّع، كما على اختباراتٍ وسجالات.

التجربة مُمتعةٌ. مُرافقةُ مهرجان سينمائي تدعو إلى قراءة واقع ومسار، غير مرتبطَين بالمهرجان نفسه فقط، بل بمحيطٍ غير سَهْلةٍ مواجهته. فالمآزق، اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وحياتياً، قاسية، لكنّ الرغبة في إيجاد متنفّسٍ، عبر السينما، أقوى من أنْ يُحجّمها مأزق أو أكثر. لا مبالغة في كلامٍ كهذا، وعدم المبالغة غير حائلٍ دون قولٍ منبثق من واقع: لا يزال "مهرجان طرابلس للأفلام" عاجزاً عن "إغراء" أهل المدينة، فأزمات عيشهم/عيشهنّ كثيرةٌ، وتقاليد صارمة ربما تكون حاجزاً أمامهم/أمامهنّ، فيُفضّلون الابتعاد عنه، أو تأجيل حضوره والمشاركة في دوراته السنوية، وأحوال بيئاتهم/بيئاتهنّ غير مُسهِّلةٍ لعيشٍ أهدأ وأفضل، وهذا لن يكون دائماً، فلا شيء يحول دون تبدّل إلى الأفضل والأجمل.

يُصرّ الياس خلاط على تنظيم دورات سنوية، خاصةً في مرحلة الانهيار الاقتصادي ـ الاجتماعي، عشية "انتفاضة 17 أكتوبر" (2019) أو تزامناً معها؛ وتفشّي كورونا (إعلان أوّل إصابة في لبنان بهذا الوباء حاصلٌ في 21 فبراير/شباط 2020)؛ والتفجير المزدوج لمرفأ بيروت (4 آب 2020). هذه صدمات تصنع "تروما"، لكنها أعجز من أنْ تحول دون الاستمرار في تنظيم تلك الدورات السنوية، ربما لأنّ الاستمرار حاجة ومطلب، أو تحدّ ورغبة في عيش واكتشاف واختبار، أو ـ سأبالغ قليلاً، لكنْ بحبّ ـ علاجٍ ما من أوبئةٍ، تجهد في إحداثِ أعطابٍ ومصائب بالبلد وناسه، وباجتماعِ البلد وعلاقات ناسه، وبالمدينة أساساً، أي طرابلس.

لي 3 أنواع حضور في "مهرجان طرابلس للأفلام"، ولكل حضور اختبارٌ ومتعة:

نقديّ، لكوني ناقداً وصحافياً سينمائياً في مؤسّسة "العربي الجديد" (الدوحة)؛ مشارَكة في لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، في الدورة الـ3 (20 ـ 27 نيسان/إبريل 2016)؛ ومُدرِّب في ورشة عمل عن النقد السينمائي في الدورة الـ9 (22 ـ 29 أيلول/سبتمبر 2022).

المهنة (نقد وصحافة سينمائيان) تبغي متابعة أيام كلّ دورة، في المشاهدة واللقاءات والكتابة. التعرّف إلى عاملين وعاملات في صناعة السينما، العربية والأجنبية، مهمّ. تواصلٌ عاديّ، في الأيام القليلة لكلّ دورة، لكنّه أساسيّ، وإنْ يكن غير دائم.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

المشاركة في لجنة تحكيم تختلف عن متابعةٍ نقدية ـ صحافية سينمائية. فيها مسؤولية مختلفة، لتتطلّبها مشاهدة ونقاشاً وتبادل أفكار وتحليلاً، ثم توافقاً على نتيجة نهائية لمنح الجوائز. المشاركة متعةٌ أيضاً، خاصة مع أفرادٍ لي معرفة سابقة بهم/بهنّ، أو تُتيح المشاركةُ معرفةً جديدة: اللبنانيان ميشيل تيّان ومحمود قرق، والمصري أمير رمسيس. هذه معرفة سابقة، مع أنّ المشاركة في اللجنة تُتيح لي لقاءً مباشراً، لأول مرة، مع قرق. هناك أيضاً الفرنسي فيليب جلادو، الذي حضرت "مهرجان نانت للقارات الثلاث" (فرنسا) بإدارته وشقيقه آلان قبل أعوامٍ (أعجز عن تذكّر رقم الدورة وتاريخها)، رغم أنّي لم ألتقِه حينها؛ واللبنانية الفرنسية ياسمين خلاط، المعروفة اسماً وحضوراً، وإنْ يكن قليلاً للغاية، في سينما لبنانية/عربية قديمة، وفي رواياتٍ أيضاً.

الورشة؟ متعة وإضافةٌ. لقاءان، في يومين متتاليين، مع طلبة سينما وفنون سمعية بصرية وتواصل إعلامي في معاهد/جامعات خاصة في طرابلس، يريدون السينما شغفاً ومشاهدة وتحليلاً وصناعة، واليومان يمنحان فرصة تبيان موقع الفن السابع في نفوس شبّانٍ وشابات، وعقولهم/عقولهنّ وتفكيرهم/تفكيرهنّ، في زمن الانهيارات القاتلة. نقاشٌ يوجّهونه بما يمتلكون من معرفة وثقافة وشغف، وهذا كلّه يتلاءم وأعمارهم/أعمارهنّ، فيكون النقاش مُثمراً لي، فالسينما باقيةٌ في مدينةٍ وشبابٍ، رغم كلّ شيء.

كتابةٌ كهذه متأتيةٌ من احتفال المهرجان بدورته الـ10، المُقامة بين 21 و29 أيلول 2023. مناسبة يُفترض بها أنْ تكون لحظة احتفال بتجربةٍ تستحق المتابعة والنقاش، وأنْ تكون أيضاً منطلقاً جديداً/تجديدياً لاختبار سينمائي، يرغب كثيرون وكثيرات في استمراره.

 

(*) نصٌّ خاص بالاحتفال بالدورة الـ10 (21 ـ 29 سبتمبر/أيلول 2023) لـ"مهرجان طرابلس للأفلام"، منشور في كتيِّب صادر عن إدارته في هذه المناسبة.

المساهمون