متحف الطعام المُقرف: اشمئزازٌ يكشف الطبيعة البشريّة

متحف الطعام المُقرف: اشمئزازٌ يكشف الطبيعة البشريّة

23 يناير 2020
متحف الطعام في مدينة مالمو بالسويد (Getty)
+ الخط -
يقدّم متحف الطعام المقرف أو المثير للاشمئزاز Disgusting Food Museum في مدينة مالمو في السويد، مأكولات رائعة من جميع مطابخ العالم. وبينما يُعتبر كل قسم من المعرض شهياً بالنسبة للبعض، فإنّه يثير تعليقات وردود فعل مختلفة لدى آخرين، ممن لم يجرّبوا هذه الأطعمة. وقد يفاجأ الزوار أو يتقيّأون أمام تجربة أطعمة أو مشروبات غريبة بالنسبة إليهم، منها، مثلاً، تناول رشفة من سائل يحوي فئراناً ميتة.

وكتب موقع "إيكونوميست" عن هذا المتحف، وسلَّط الضوء على لحم قرش غرينلاند الذي يعرضه، والذي يعدّ في مطبخ بلاد الشمال (بلاد شمال أوروبا وشمال المحيط الأطلسي)، والذي يعرف أيضاً باسم المطبخ النوردي. ولفتت الصحيفة إلى أن تناوله قد يصيب المرء بالدوار، إذا لم نتركه ليتحلل أولاً، ومن ثم تعليقه حتى يجف. وقد وصفه الطاهي العالمي الراحل، أنتوني بوردان، بأنه الطعام الأسوأ والأكثر إثارة للاشمئزاز والذوق الرفيع الذي أكله على الإطلاق. وشبّهه آخرون بقولهم: كأنّك تمضغ فراشاً مبللاً بالبول.

عند المدخل، يستطيع الزوار قراءة سبورة كتب عليها تاريخ القيء الأخير، وإجمالي عدد حوادث التقيؤ التي حدثت منذ افتتاح المتحف في عام 2018. وفي الجزء السفلي من السبورة، يُذْكَر اسم الصحافي البلجيكي الذي كان الزائر الأكثر حساسية، إذْ تقيّأ عشر مرات. كذلك يعطى الزوار أكياساً للتقيؤ قبل بدء جولتهم في المتحف.

وهناك رسالة يسعى المتحف إلى إيصالها، وهي تفسير أسباب شعورنا بالاشمئزاز. ويشير إلى أنّ هذا الإحساس هام جداً، وهو السبب في عدم تناول أسلافنا للطعام الفاسد وتجنّبهم الموت. ولا يقتصر شعورنا بالاشمئزاز على حماية صحتنا، بل هو يرتبط بثقافتنا وعاداتنا أكثر من أي شعور آخر. جميعنا نشعر بالقرف من أمور معينة، لكن ما يثير الاشمئزاز يعتمد إلى حد كبير على ما اعتدنا عليه، وما يعتبره الناس من حولك مروّعاً.

وفي السياق، يقول أندرياس أهرنز، مدير المتحف، إنّ العديد من الآسيويين الشرقيين على سبيل المثال، يشمئزون من طعم الجبن القوي. ويسترجع ذكرى أحد السياح الصينيين، الذي بعد تذوقه نوعاً من الجبن الدنماركي، لم يستطع أن ينطق بكلمة لعدة دقائق. وفي بعض الأحيان تكون فكرة الطبق أكثر تأثيراً على شهيتنا من طعم الطعام في الواقع. هناك العديد من الأجانب الذين يرفضون تذوّق طبق "البالوط"، وهي وجبة خفيفة من الفيليبين، تتكون من بيضة بط بدأ الجنين بالتكون فيها جزئيًا. المسألة هي أنهم لا يكرهون طعم الطعام، بل يكرهون الفكرة التي ترتبط به. والأمر ذاته ينطبق على طبق "سان ناكجي" الكوري، وهو عبارة عن أخطبوط حي مفروم يؤكل بينما لا يزال يتحرك، مع زيت السمسم وصلصة الفلفل الحار. بيد أنّ الغربيين لم يعتادوا على أكل طعام يتلوى.

ويلفت أهرنز إلى أنّ الزوار عادة ما يشعرون بالارتياح إلى معرض واحد على الأقل في المتحف، وذلك بسبب نموهم في بيئة اعتادت عليه حتى بات أمراً طبيعياً، مهما بدا غريباً بالنسبة لآخرين. منها على سبيل المثال، ارتياح وعدم ظهور أي ردّة فعل عند سائح من الماساي (وهي مجموعة عرقية نيلية تعيش في شمال ووسط وجنوب كينيا وشمال تنزانيا)، لمشهد شخص من هذه المجموعة وهو يثقب رقبة بقرة ويخلط الدم الحار بالحليب الخام ويشربه. اللافت أنّ السائح لم يشعر بالاشمئزاز وراح يردد أن هذا الشراب ليس مقرفاً على الإطلاق. ويضيف أهرنز: "هدفنا هو فتح عقول الناس"، أي أنّه عندما يدرك الناس أن الاشمئزاز يعتمد جزئيًا على التربية، حينها يمكنهم تعلم كيفية التغلب عليه مع مرور بعض الوقت. ويمكنهم الانفتاح على تجارب جديدة. وربما يتعلَّمون أن يكونوا أكثر تسامحًا مع أناس من ثقافات غير مألوفة.



وقد يتأثر الاشمئزاز بالجينات، وتعتبر النساء أكثر عرضة له من الرجال، خاصة عند الحمل. على الرغم من ذلك، من الخطأ الافتراض أن الاشمئزاز مبرمج وراثيًا، وبالتالي غير قابل للتغيير. إنه أكثر تعقيدًا من ذلك. يقول فال كورتيس، مؤلف كتاب "لا تنظر، لا تلمس، لا تأكل: العلم الكامن وراء الاشمئزاز"، إنه جزء من "نظام المناعة السلوكي"، إذْ يتعلم الناس من العائلة والأصدقاء عدم تناول أشياء معينة. يتعلم الأطفال من تعابير وجوه أمهاتهم ما إذا كانت الوجبة الخفيفة سيئة أو لطيفة. وهكذا تنتقل المحرمات من جيل إلى جيل.

ويمكن أن تتحول هذه العادات إلى طقوس، ثم إلى أوامر أخلاقية، وهو ما قد يؤدي إلى اعتبار الغرباء الذين لا يتقيدون بالعادات المحلية قذرين، وأحياناً يتحولون إلى مشتبه بهم من الناحية الأخلاقية. والعديد من الثقافات وَصَمَت الغرباء لفترة طويلة بنعوت مجحفة، مثل: "نجسين" و"قذرين".

دلالات

المساهمون