"على بُعد 5 أقدام"... البهجة قبل أن تنقضي الحياة

"على بُعد 5 أقدام"... البهجة قبل أن تنقضي الحياة

26 يونيو 2019
تحدّي الموت بحسب جاستن بالدوني (فيسبوك)
+ الخط -
لم يكن أحد من النقاد والمخرجين والمشتغلين بالسينما يتوقّع أن يحتلّ الفيلم الرومانسي الجديد "على بُعد 5 أقدام" (2019)، للأميركي جاستن بالدوني، المرتبة الثالثة في شبّاك التذاكر، في الأشهر القليلة الفائتة، إذْ بلغت إيراداته الدولية، منذ بدء عروضه التجارية في العالم في 15 مارس/آذار 2019، 80 مليونًا و478 ألفًا و316 دولارا أميركيا (مقابل 7 ملايين دولار أميركي ميزانية إنتاج، بحسب "فارايتي"، 13 مارس/آذار 2019). 

وهذا رغم انتقادات موجّهة ضدّه، لأنه موضوعه الرومانسي والحالم بين مُراهقين قلّل من خطورة مرض عضال هو "التليّف الكيسي"، الذي يُصيب شريحة كبيرة من الأميركيين، بسبب اضطرابات موروثة، تُلحق ضررًا بالرئتين والجهاز الهضمي، ما يؤثّر على الخلايا التي تفرز العرق والمخاط، وغيرهما من العصارات. لذا، يحتاج المصابون به رعاية يومية، وعزيمة كبيرة على مقاومته لمواصلة العيش. الفيلم يُعاين هذا بقوّة، فغالبية أحداثه تدور في المستشفى، لقناعة جاستن بالدوني بخطورة المرض، وبما يتطلّبه من معاينة دائمة.

تمضي ستِلاّ غرانت (هالاي لو ريتشاردسن)، البالغة 17 عامًا، والمُصابة بمرض التليف الكيسي، أوقاتها كلّها في المستشفى، مع ما يتطلّبه الأمر من حركات ضبط النفس، وعناية روتينية قاهرة، وتناول الدواء. ثم تلتقي شابًا وسيمًا يُدعى ويل نيومان (كول سبْروس)، مُصاب بالمرض نفسه، وهو في حالة خطرة. برنامجها اليومي يضعها في حالة اختبار، فتحاول مع نيومان الانقلاب على نظام المستشفى، الذي يحتّم عليهما أنْ يبقى أحدهما على بُعد 5 أقدام من الثاني، كي لا تنتقل العدوى بينهما، وبين المرضى الآخرين في المستشفى. يستمرّ هذا طويلاً، إلى أن تُغرَم ستلاّ بويل، فيطفو الحبّ، وتتزايد العواطف والأشواق، ويرغب الطرفان في التحام أحدهما بالآخر، فتصبح الـ"5 أقدام" حينها أشبه بحدود فاصلة بين الحياة والموت.

نجح بالدوني في التوعية بمرض التليّف الكيسي، من خلال سردٍ رتيب، وأحادية فضاء تدور فيه الأحداث، وعدم تنوّع الشخصيات، ما جعل الصورة قوية، فتخلو من قصور المعرفة والتحسّس بالمرض، رغم أنّ إشراك الأطراف الأخرى في المجتمع (مدرّسون، جمعيات المجتمع المدني، إعلام) في الفيلم، ربما أعطى للمرض طابعًا مجتمعيًا، بغية تقديم اهتمام أكبر به وبمرضاه في المستشفيات الأميركية، بدل أن يبقى الأمر فرديًا، ومجرّد حديث عادي بين شخصين في مستشفى. مع هذا، حرص السيناريو على التماهي بالشخصيات والأشياء والفضاء، عبر معجم خاص، ما جعل الصورة أحيانًا تتطابق مع الواقع الأميركي، وتتجذّر به، لكنها تنفصل عنه في آنٍ واحد، محاولة تكسير هذا الواقع وقواعده وأفكاره اليقينية المتوارثة عن المرض والموت والحياة.

لم يخلُ "على بُعد 5 أقدام" من إشارات قوية في مواجهة المرض، تتناول قيمة الأصدقاء والعائلة والتشبّث بالحياة. ميزة الفيلم ـ المختلف عن أفلام شبابية أخرى تطفو اليوم في المشهد السينمائي الأميركي بطريقة ترفيهية هجينة وبوتيرة سريعة، تجعل منها قصصًا متشابهة ـ في أنّه لا ينصاع إلى الاستهلاك والترفيه، اللذين يجعلان الأفلام تُشاهَد قبل النوم. ذلك أن جاستن بالدوني يقدّم رسائل إلى الرأي العام وجمعيات المجتمع المدني والأطباء، ولو بشكل شحيح، للتفكير في طرق جديدة للتعامل مع المُصابين بهذا المرض؛ ويهدف إلى الجهر بخطورته، محاولاً نزع الخوف من المرضى عبر قالب رومانسي جميل، يجعل الحبّ والصداقة، وقيمًا إنسانية أخرى، الحلّ الوحيد للتخفيف من حدّة المرض أمام العلاج بالإبر والأقراص الكثيرة المُهلكة.

يقول جاستن بالدوني، على لسان ويل نيومان موجّهًا كلامه إلى ستِلاّ: "عليكِ أن تبتهجي. إنها حياة فقط ستنتهي قبل أن تعرفي".

المساهمون