مازن السيد: تأليف موسيقي في غرف نومنا

مازن السيد: تأليف موسيقي في غرف نومنا

21 ابريل 2019
(سيزول مبّرر وجود الفن إذا انحصر في الترفيه)
+ الخط -
عندما كان في الحادية عشرة من عمره، بدأ الراس، أو مازن السيد، ابن مدينة طرابلس اللبنانية، بكتابة الشعر. لاحقاً، ذهب إلى كتابة أغانٍ باللهجة المحكية، وتقديمها مع إيقاعات، من ثمّ باشر بالراب. قبل ستة أعوام، صدر ألبومه الأول، "كشف المحجوب". حالياً، يعمل على أغنية عن ذلك اليوم، اليوم الأول له مع الراب، وعلاقة ذلك اليوم به الآن. يقول: "في السابق كنت أتصور أنه من المستحيل بعد سن الأربعين أن أستمر في غناء الراب. أما الآن، لا يوجد هذا التفكير أبداً، بل أستطيع الغناء طالما أتنفس. هي ليست عادة مارستها في الصغر وانتهت". هنا، حوار لـ "العربي الجديد" معه.


- الفن، بطريقة ما، هو فعل مقاومة. ما الذي يقاومه الراس في فنه؟

* فكرة الفن كفعل مقاومة، تجعل الأخيرة بالدرجة الأساسية لها معنى يحيل إلى الجدلية والتفاعل مع شيء ما؛ بمعنى الحتمية الوحيدة للربط بين فكرة الفن والمقاومة، تكمن هنا. هناك دائماً صراع، يكون مصدر الفعل الفني، لأننا إذا فكرنا فيها خارج هذا السياق، ستزول، نوعا ماً، مسوغات وجود الفعل الفني.

مثلاً، إذا حصرنا الفعل الفني كفكرة تحت عنوان الترفيه، مع عدم إيماني بوجود فن ترفيهي بحت، ولكن لو افترضنا ذلك الحصر، إلى جانب آليات السوق المبني عليها، عندها سيزول مبرّر وجوده، فيصبح الأمر مجرد دائرة مغلقة، عبر إعطاء الناس معايير الاستهلاك، ومن ثم فرض المنتج الذي يتوجب عليهم استهلاكه. هذا يحيلنا إلى آلية أخرى لا تتعلق بالفن، إنما تتأتى في سياق العمل الفني، وهي "ما علاقتك بالسوق؟"، ولا يمكنها أن تشكّل قاعدة الفعل الفني. لذلك دائماً ما يعيش الفعل الفني صراعات باحثاً عن الحالة التي تبرّر وجوده. الصراعات متعددة، وكل الفنون لا تخوض الصراعات ذاتها كما هو حال الراب العربي.

في الوقت ذاته، على المستوى الشخصي، لا أعتقد بوجود صراع واحد يوجّه كل فعلي الفني. في حالتي، في مكان ما، أرى أن كل حياتي هي صراعات، فالراب والفعل الفني بالنسبة إليّ، هما أداة لتحسين التعامل مع هذه الصراعات، ومن أجل مشاركة التجربة الفردية ضمن سياقات التجربة الجماعية، والسبب الرئيس الذي يربط كل ذلك، هو محاولة لفهمٍ أعمق للصراعات التي نعيشها، فهْم على المستوى البيولوجي والعاطفي، والمستويات الأخرى. عندما تحيط نفسك بمجموعة معينة من الأدوات، وتخوض بها صراعاتك، ستتحول علاقتك مع هذه الأدوات إلى بوصلة. لذا، من هذا المنطلق، لا أستطيع النظر إلى نفسي كفرد فقط، وهذا ليس ناتجاً من ادّعاء حب الغير والخوف على مصلحته، إنما بُنية الأنا خاصتي لا يمكنها أن تنفصل عن الـ نحن الموجودة في داخلي، وعلاقة بعضهما ببعض مصيرية لناحية وضوح رؤيتي في الحياة، وفي الإنتاج.



- النص المقدم في أغانيك يكتنيه الرمز ومفاتيح معرفية تقود إلى أسئلة ماهوية، سواء أكانت عن دلالة هذه المعرفة أو دلالة ما تطرحه، كأن تقرأ كتاباً ما، وما تلزمه تلك القراءة من عتاد معرفي لفهم ما تقرأ. كيف تقيم هذا التوصيف لما تقدمه، ولنأخذ مثالاً ألبوم "إدارة التوحش"؟

* الجواب هنا على مستويين؛ الأول، له علاقة بأنني لا أنظر إلى أعمالي على أنها منفصلة عن بعضها. مثلا، تجد أشخاصاً في الراب تكون خياراتهم الإستيطيقية هي التي تُعَرِّف من هم، رُغم تجاربهم المتعددة. أما أنا، فلا أؤمن بوحدة الإستاطيقا، لذا أظن أن هناك حاجة إلى التدرج في معرفة أعمالي لفهم إلى أين وصلت وما هي المفاهيم التي أستخدمها. لا أظن أن الحاجة إلى المعرفة لفهم ما أقول هي دائماً لازمة لذلك الفهم. دعني أقول إني أؤمن، ولو كان المفهوم ميتافيزيقياً، بالعقل الجمعي ووجود خزينة مشتركة للمعارف والتجارب. وبالمقارنة بأعمال أشخاص آخرين، وتحت حجة العمومية والبعد عن التعقيد، يقولون المُقال ويعيدون ما قيل ألف مرة، خصوصاً في مجال الراب، تحت ذريعة أنه مجال بعيد عن الهاجس المعرفي والإنساني المتكامل. لكني أعترض على هذا الشيء، وأعتقد أنني بالعودة إلى نصوصي، نادراً ما أستخدم لغة صعبة أو مفردات صعبة.

ممكن أن تجد تعقيداً في تركيبة الأفكار، وهنا الفرق؛ المفردة الصعبة تحتاج إلى اطلاع معجمي لمعرفتها، أما الفكرة المعقدة، تكفيها الإرادة لفهمها والتفاعل معها، وهذا ما يعنيني، فأنا لا أُقدم عملي كنتائج وحقائق، إنما أقدم تجاربي بصيغة معينة، على أمل مشاركتها والتفاعل معها بعيداً عن التلقي فقط. وفي كثير من الأحيان، العقل الآخر يأخذ المسائل إلى أماكن أخرى، تختلف تماماً عن تصورك، بيد أنها قد تكون مفيدة وتضيف لك أشياء غير متوقعة.

أما في ما يخص ألبوم "إدارة التوحش"، فالسؤال الذي كان يتبادر إلى ذهني، هو: هل أنا معني بإحالة المستمع إلى الكتاب الأصلي؟ لا، لم تكن تلك أولويتي. حقيقةً، عندما قرأت كتاب "إدارة التوحش"، شعرت بأن السؤال الذي يطرحه سؤال سليم، ولكن الجواب الذي يقترحه كان خاطئاً، بمعنى تشخيص حالة ديناميكية الإمبراطورية وعلاقتها مع الأطراف وتهاوي تلك الإمبراطورية في الدورة الخلدونية، وفكرة تسريع عوامل الفناء الحضاري، بجرها إلى معارك هامشية، فيسقط النظام الإمبراطوري وتسقط الأطراف ويفرط العقد الاجتماعي، مخلفة حالة التوحش التي تحتاج إلى إدارة، وتصبح المسألة بالنسبة إليهم: كيف ندير هذا التوحش؟ أما السؤال بالنسبة إلي: كيف ندير هذا التوحش لغايات مختلفة؟ لذا، كان الألبوم متنوعاً، وكل تْراك تناول مسألة ما، كالسلطة وإشكالية الحياة وسؤال الانتحار.


- بالنسبة إلى "صلاة الليل"، أغنيتك الأخيرة؛ أولاً، هل الاسم له صلة بمناجاة "صلاة الليل" للمنشد حسين الأكرف؟ و"السقوط الآمن" كذلك؟ ثانياً، ألا ترى أنها تكرار لما طرحته سابقاً بتكثيف أكثر هذه المرة؟
* بداية، نعم الاسم له صلة بالمناجاة، والربط بالسقوط الآمن صحيح، الذي يعني بالنسبة إلي وجود مساحات مظلمة/قيد الظلام، وهذه إشكالية بالنسبة إلي، أن تبقى مُحاطاً بالظلام، ما يتطلب مني الدخول فيه. ولكن قبل ذلك، لا بد لي من إدراك أنني مُحصَّن من التورّط في هذا الظلام، من خلال حبل يربطني ويمنعني من هذا التورّط، لأستطيع أن أجلب من يوجد في الظلام إلى الضوء. ومناجاة "صلاة الليل" هي شعيرة، لذا من الطبيعي التكرار، فمثلاً لاحظ في أغنية "معركتي"، يوجد دائماً خط، لا يوجد بُنية معينة، كالمقدمة والمقطع واللازمة والخاتمة، إنما خط ينزل ويُعتِم ضمن منحى معين، دخولًا في الظلام، لجلب الأشياء إلى الضوء، وهذا ما حصل في "معركتي" كآلية. ولا أنكر أنه نمط تكراري من حيث الآلية والديناميكية، بسبب تشابه كل منهما في فعل كتابتهما.

لكني أختلف مع فكرة أن المحتوى ذاته بالنسبة إلى أغنية "صلاة الليل"، أو أغان أخرى. كل مرة أحاول فيها الولوج في الظلام، تكون مختلفة عن سابقاتها، وكل ظلمة تمثل خوفاً يضغط بشكل كبير باتجاه أن تواجهه وتخرجه إلى الضوء.

وفي أغنية "صلاة الليل"، واجهت حالة ضغط رهيبة، ولكن تبين أن بداية كل أزمتي النفسية والوجودية تلك، كانت في لحظات ما قبل النوم في سريري البُنّي في طرابلس، وعدم قدرتي حينها على النوم عندما كنت طفلاً، فبدأت الأغنية بـ "هل تعلمين؟". أدركت حينها العتمة التي أوجد فيها، وبانت لي من خلال ذكريات الطفولة، التي خَلقت تلك الأزمة، وحملتها في مساحتي المظلمة، وكل ما ذكرته في الأغنية، كـ "تحرش ختيار"، وغيرها، قضايا شهدتها، لم أكن أملك القدرة وقتها على التحدث عنها ومواجهتها، حتى بيني وبين نفسي.


- لماذا نلاحظ انهماماً واضحاً في الشأن السياسي في أغنية الراب العربية، خصوصاً في سياق الثورات العربية؟
* بسبب التقاليد والصور المؤسسة لفكرة الراب أصلاً، التي ترى فيه فناً انقلابياً، وليس فناً تآلفياً أو معزولاً عن القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ فمنذ تشكيله كانت إحدى واجهاته الكبرى هي السياسة بالمعنى العام وليس بمعنى الانتماء لتيار ما. الراب الأميركي، مثلاً، فيه تقسيم، بين إيست كوست والويست كوست، ورغم اختلافاتهما، إلا أن السياسة تتخلل أكثر ما يطرحانه.

يمكن القول إنه حتى الآن توجد مثالية في هذا الفن، حتى في أميركا، وهي أن الراب فن أرضي/مؤرض، ويحمل ويعبر عن سرديات وإشكاليات جماعات بشرية، وما يميزه عن البوب وموسيقى السوق البحتة، أنه نتيجة تحرّره من تكرار اللغة والخطابية التقليدية، يمكنه أن يعبّر عن الأشياء المسكوت عنها.


- على أي نمط وآلية للإنتاج والتسويق يقوم عملك؟ وما هو تأثير ذلك النمط على مدى انتشار أغانيك؟

* بصراحة، عندي نوع من الاستحياء في ما يخص التسويق والدعاية وتضخيم المُنتج على الفيسبوك وغيره من وسائل التواصل، وهذا له صلة في علاقتي بعملي وتقديمه بطريقة فجة واستهلاكية، ما يبعدني عنه. لكني أُقِّر بوجود ثغرة في هذا الجانب من عملي، ولا بد من التعاطي معه بمنحى مهني. في البداية، كانت نيتي الإمساك بكل الحبال، ولكن أدركت لاحقاً أن جانباً من المسائل التي لا علاقة لها بالعمل الفني ذاته، عليّ أن أوكله لأحدهم، وأحول تركيزي على عملي الفني. سابقاً، لم تكن لدي رفاهية تسمح لي بأن أعطي شخصاً ما 10% ليقوم بتلك الإجراءات والتفاصيل المهنية. حالياً، أفكر أكثر في الموضوع، وفي توكيل من يسهل تلك الأمور.

أما آلية الإنتاج، فنسعى إلى أن تكون لدينا آلية خاصة مستقلّة، رغم أن أكثر ما ننتجه من تأليف موسيقي يكون في غرف نومنا، إلا أننا وصلنا إلى جودة لا بأس بها. الأمر ذاته بالنسبة إلى الهندسة والماسترينغ، أصبح لدينا حلول ضمن شبكة علاقاتنا التي شكلناها في عدة دول في أوروبا وغيرها من البلدان. والآن، ندفع باتجاه إنتاج الصورة، التي نعاني من نقص في إنتاجها، عن طريق الفيديوهات على اليوتيوب بتواتر عالٍ، لنستطيع تكوين هوية بصرية تجمع تجاربنا وأعمالنا، بعيداً عن التجارب المتشرذمة.


- في أغنية "أنا مش أنا"، تقول: "أنا حافظ رأس المال والإنجيل والتوراة..". من أي منظور تقرأ هذه النصوص التأسيسية؟

* الإشارة إلى النصوص التأسيسية، إشارة مهمة؛ لأن علاقتي بها فعلاً تأسيسية. فالنص التأسيسي، عند مساءلته لخلق سياقه التأويلي، يكون السؤال الأول عن ظروف وجود هذا النص، وما هي الحضارة التي خُلق فيها؟ وما هو السياق المجتمعي والمرحلة التاريخية اللذان خاطبهما؟ وما هو الدور الذي لعبه لتغير مسارات التاريخ؟ وفي آخر الأمر، إذا كنتُ قادراً على فهم تلك اللحظات المفاهيمية الكبرى في تاريخ التجربة البشرية، فهذا يساعدني على تقرير وجهتي المفاهيمية.

في تلك المرحلة بالتحديد، لم أنظر أو أقرأ تلك النصوص من منظور محدد، كالماركسية مثلاً، إنما كانت الفكرة هي المهمة بالدرجة الأولى، وتُرجمت تماماً في ألبوم "آدم والبطريق". كانت إشكالية العلم والدين، ليس فقط بمعنى الحقائق، إنما في الممارسة الاجتماعية، وكل إرهاصات تلك الفكرة، من إشكالية التشدد الديني أو إشكالية العلمانية التسطيحية، وبوصلتي في هذا المكان كانت تجربتي الشخصية، فقد شعرت بأني وصلت إلى مرحلة تجاوزت فيها التناقض بين تلك المكونات والأفكار، وفي هذا السياق، كان تركيزي على هذه النصوص ومقابلتها ببعضها على هذه الشاكلة. حتى صارت عندي النصوص التأويلية لاحقاً أكثر من النصوص المذكورة بكثير.


- "ليش هيك أعلى من الأرض إجريك يا راس".. ما هي مصادر الراس المعرفية والموسيقية التي ينهل منها وتبقيه حاملاً للأسفار؟
* صراحة، كان موضوع المصادر المعرفية بالنسبة إلي، وهويتي المعرفية الأقدم، الميتولوجيا وتاريخ الأديان، وكيف يمكنني فهم الأديان، وترابطاتها ببعضها، فأنا لدي إحساس عال بالهوية العربية الوسطية، إن صحت التسمية.

أقرأ التصوف، وأخيراً قرأت للصابئة. أما في سياق الفلسفة الأوروبية، فقرأت مؤلفات هنري برغسون، لما له من علاقة بينه وبين التصوف. في علم النفس، من يحوز على اهتمامي هو يونغ، وأفكر حالياً في كتابة نص عنه، فعندما تَحدث عن الاستشراق، أصبح بالإمكان أن تفهم أبعاد الآلية الاستشراقية بشكل مثير. وبالمناسبة، شعرت إزاء الصراع بين يونغ وفرويد، أنه انعكاس لصراعي مع العالم، وجعلني أرى كم أن فرويد هو تأسيسي للعالم الذي نعيش فيه، بينما الطريق الذي يُعبِّر عن وجهة يونغ، كان يمكن أن يكون امتداداً مختلفاً تماماً لفهم الإنسان. أيضاً، مهتم بجورج باتاي وخاصة مؤلفه O Erotismo.

موسيقياً، اللائحة تطول، إنما يمكنني القول إن خمسين بالمائة من وقت الاستماع عندي، هو الاستماع للقرآن والأناشيد بنسبة أقل، والمسألة هنا لها علاقة بالموسيقى والصوت. انظر إلى مصر مثلا، والمقرئ هناك، كل واحد منهم يتعامل مع مفهوم المقامات والتصوير بطريقة مختلفة عن الآخر. ودائماً تكتشف أشياء جديدة. وأحب الراب طبعاً والموسيقى الإلكترونية. كما أحب الموسيقى الأرضية؛ موسيقى البحارة الكويتية، والموسيقى الدينية تغريني بشكل دائم.


- الهيب هوب، وجد طريقه إلى العالم العربي عبر عدد من الفنانين الشباب الذين مارسوا هذا الفن، كوسيلة تنفيس ورفض للواقع السائد، هل يخولنا ذلك القول إنه يوجد راب عربي له قواعده ومعاييره؟ أو دعنا ألا نطلق تسمية ونسلب هذا التدفق اللغوي حريته ومساحته بتحديده؟

* أعتقد أن هذا يحصل من خلال أثر رجعي، فما تحقق للراب العربي أنه تحرر من فكرة التعريب، ولكن هل وصل إلى مرحلة فرز معاييره وقواعده؟ لا أعتقد ذلك، لحاجته إلى خبرات وتراكم أكثر، وبنية تحتية، بما يشبه المأسسة، ولكن ليس بالمعنى الحرفي، إنما بمعنى أن توجد مجموعة منتجي محتوى في مجالات مختلفة، يشكلون جزءاً من هذه الثقافة والفن من دون أن يقدّموا راب بشكل مباشر. مثلاً، أشخاص ينتجون صورة وغيرهم يكتبون نقداً، ومن يهتم بإدارة المسارح في حفلات الراب، ومن ينظمها. هكذا، عندما يتوافر ما يكفي من تلك الوظائف خارج فعل الراب المباشر، نبدأ بالحديث عن راب عربي. أما الآن، فهو في مرحلة المراهقة ولم ينضج بعد، والاحتمالات لا تزال واسعة أمامه.


- أكثر من ست سنوات على إطلاق ألبومك الأول، "كشف المحجوب"، بالتعاون مع مونما، هل وصلت الرسالة؟

حالياً، أكتب تْراك عن فكرة اليوم الأول، فأنا لا أستطيع نسيان اليوم الأول. اكتشفت أنه يمكن للإنسان ومن دون مساومات، أن يخلق بالطريقة التي يحبها مساحات تواصل وتفاعل مشتركة مع الآخرين، وأكون في قمة الجحود، إذا قلت إن الرسالة لم تصل، فالتفاعل لم يتوقف، وإنما في ازدياد.

في المقابل، قناعتي بأن رسالتي قد وصلت، بمعنى أني قلت ما أريد، فهي لم تصل بعد، دائماً لدي شعور بأني لم أعبّر عن كل ما أريده، هي بمثابة الرحلة، وما زلت أستكشف المزيد. هذا يحيلنا إلى فكرة العمر. في السابق، كنت أتصور أنه من المستحيل بعد سن الأربعين أن أستمر في غناء الراب. أما الآن، فلا وجود لهذا التفكير أبداً، بل أستطيع الغناء طالما أتنفس، وتمكنت من إقناع نفسي بأن هذا الشيء ليس عزوفاً عن عادة ما، مارستُها في الصغر والطيش وانتهت.

 لذا، أحاول نقل هذه القناعة وما خبرته في هذا المجال، إلى من أقابله وأتعامل معه من الجيل الجديد في الراب، فعلاقته مع الراب نشأت في ظروف تختلف عن ظروفنا التي نشأتُ فيها، فلم ننشأ على حالة وجود راب عربي منتشر ومعروف، وأن هناك آلاف المستمعين بكثير من الحفلات. السبب الآخر الذي جعلني أتشارك مع الجيل الجديد في العديد من الأعمال، مرتبط بهاجس كبير بالنسبة إلي، وهو أن المسألة إذا كانت مرتبطة بفرد واحد، ستنتهي بموته، من أجل ذلك لا بد من هذا التعاون، وهو تعاون مثمر لما فيه من طاقة وحيوية.

دلالات

المساهمون