أسئلة "الراس": فردية راديكالية... والراب للجميع

أسئلة "الراس": فردية راديكالية... والراب للجميع

04 يونيو 2015
أهمية الحفاظ على استقلالية الأفكار (فيسبوك)
+ الخط -
ينطلق "الراس"، في حديثه عن فنّ الراب العربي، من كونه "فناً يُعنى بالشأن العام"، تُقاس مصداقيته بمدى قربه من الناس، وتفاعله مع قضاياهم وشؤونهم، مؤكّداً أنّه كلما كان التصاق هذا الفنّ بالناس، وطرح الأسئلة الإشكالية المتعلّقة بوجودهم وحياتهم، كلما كان هذا الفن معبّراً.
يتخلّل الحديث مع الفنان اللبناني، مازن السيد، الملقب بـ"الراس"، عتبٌ شديد على تصنيف وسائل الإعلام مغني الراب، أفراداً ومجموعات، ضمن أُطر سياسية ضيّقة، شارحاً: "انطلقنا في غناء الراب لكسر هذه الصورة الإعلامية بشكل راديكالي والخروج منها للأبد، فهي لم تعد محتملة في هذا الزمن".


إقرأ أيضاً: محمد السوسي.. قضايا غزة بأغاني الراب

يُشعل "الراس" سيجارة الشخص الجالس على طاولة مجاورة، في أحد مقاهي بيروت، قبل تشريح الراب العربي: "الذي انطلق في أقطار عربية عدة بشخصيات وأفكار متشابهة، تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في إبقاء خطوطنا مفتوحة للتعارف وتبادل الخبرات والأفكار والتساؤلات، من مدينة مكّة في السعودية، إلى مختلف دول الخليج ومصر وفلسطين والمغرب العربي".
وفي لبنان، تتلاقى مجموعات عدّة ومغنّو راب من جنسيات عربية متعدّدة، "جمعتنا الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتشابهة، وساهمت الثورات العربية في تقريبنا من بعضنا بعضاً بشكل أكبر. وتشكّل هذه المجموعة، غير المنتظمة في إطار مؤسسة عمل، رأسَ المال الأهمّ لنا، وما يميزنا في تنوّع الأفكار والتساؤلات".
تنامت المجموعة خلال الأعوام الماضية. فقدت بعض أعضائها وضمّت آخرين، مثل ناصر الدين الطفار من بعلبك على حدود لبنان الشرقية مع سورية، إلى جانب المغنّين السوريين "يزن الأصلي" و"السيد درويش" و"وتر"، وعدد من الفنانين الفلسطينيين النازحين من مخيم اليرموك في دمشق، مثل رائد غنيم و"محراك تف".
يتحدث الراس عن علاقة صداقة وعمل بين شباب المجموعة: "نعمل معاً ومنفردين ونتبادل الخبرات والعلاقات، ونساعد بعضنا بعضاً في تكامل أشكال الفنون المختلفة التي نقدّمها من الرسم والخطّ العربي والتصوير".

الراب فردي وراديكالي
التقى بعض هؤلاء في ساحة الشهداء في بيروت، قبل شهرين، لتقديم أعمالهم، خلال احتفالٍ بالذكرى السنوية للثورة السورية. قدّم "الراس" أغانيه وسط جمهور متنوّع من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، الذين تفاعلوا مع الكلمات بقدر تفاعلهم مع الإيقاع السريع للغناء، وعن خلفيات تلك المشاركة يقول "الراس": "شاركنا للتعبير عن رؤيتنا للثورة، وليس للانضواء تحت أي سقف من السقوف السياسية التي تنتمي إلى الثورة".
أعادت تلك المشاركة طرح عدد من المشاكل التي يواجهها مغنّو الراب العرب، والتي يتحدّث عنها الراب بجدّية: "نحن نصنّف، دوماً، في خانة "مع" أو خانة "ضدّ"، يحملوننا مواقف أيديولوجية لا نتبناها، وتُلصق بنا تسميات سياسية نرفضها، برغم إيماننا ببعض المعاني التي تنقلها، ونعاني من رُهاب التمويل الذي نخشى أن يحوّلنا من مغنّي راب حقيقيين إلى مشاريع تجارية تفرغ فنّنا من محتواه".
يشدّد "الراس" هنا على خصائص يعتبرها أساسية في الراب: "هو فنّ فيه الكثير من الفردية، كما أنه راديكالي، يعمد إلى طرح التساؤلات على الجمهور في الدين والسياسة والعلاقات الاجتماعية"، وطرح الأسئلة لا يعتبر أمراً محموداً من أصحاب رؤوس الأموال، المهتمين بتضليل الناس بإجابات سطحية. لا يدّعي "الراس" امتلاك الإجابات النهائية والمحتومة، او الحقيقة الكاملة أو المنطق الخالي من العيوب: "نعترف بعيوبنا ونقصنا، وهنا تكمن فردية فننا في التعبير عن التساؤلات وترتيبها". كلّ هذا يقود إلى نتيجة واحدة: شركات الإنتاج لن تحبّ التورّط في فلسفة مغنّي الراب هؤلاء، لا فكرياً ولا مادياً.
يستفيد مغنّو الراب، من أمثال "الراس" ومجموعته، من مواقع التواصل الاجتماعي في تسويق فنهم، "في ظلّ مشكلة التمويل تحلّ مواقع التواصل الاجتماعي محلّ أدوات التسويق التقليدية للفرق الغنائية".
لم يمنع نقص التمويل واعتماد "الراس" على إنتاج الألبومين الموقّعين باسمه "كشف المحجوب" و"آدم.. داروين والبطريق"، بشكل فردي وبالتعاون مع المؤلف الموسيقي اللبناني "مونما"، ومما جناه من مشاركاته في حفلات عربية ودولية عديدة شملت الأردن، مصر، تونس، باريس، السويد والنرويج، إلا أنّ هذا الدخل ليس كافياً، ونقص التمويل منع تصوير عدد من الأعمال، بسبب الحاجة لميزانيات ليس بمقدور فنان مستقل أن يموّلها، "وقد اقتصر التصوير على بعض الأغاني كالأخ من وين، والإنسان الكلب بجهد فردي من خلال استئجار الكاميرات، أو تبرّعِ طلاب كليات الإعلام بوقتهم ومجهودهم لتصوير الأعمال".

لبنان نموذجاً
رغم فقدان مغنّي الراب المستقلين للعديد من الميزات الإنتاجية في التصوير والإنتاج، لكن الحفاظ على استقلالية الأفكار التي يقدّمها هؤلاء تبقى الأهم في نظرهم. وقد أثار تقديم مغني راب لوصلة غناء في أحد الاحتفالات السياسية الكبرى في لبنان، استياء عدد من المغنين ومنهم "الراس"، وعن هذا الأمر يقول: "لم أغضب لأني حسدتهم أو ما شابه، بل لأنهم شوّهوا صورة الراب، وحوّلوها من فنّ الشارع إلى أداة سياسية مموّلة تحت ذريعة دعم الفنّ الشبابي من قبل السياسيين".

إقرأ أيضاً: مغني الراب "بوبا" ينتقد "شارلي إيبدو"... فيحاكم


ويعمل عدد من الفنانين المستقلين على إطلاق ورش عمل في المناطق اللبنانية المختلفة، لـ"تعريف هواة فن الشارع على طبيعة هذا الفن بعيداً عن تأثير المال السياسي على نشاطاتهم، لا سيما في المناطق الخاضعة لنفوذ عدد من الشخصيات السياسية كمدينتي طرابلس وبعلبك" كما يؤكد "الراس" ابن طرابلس.
تتشابه المعارك التي يخضوها أصحاب المواهب الفنية المستقلة في لبنان مع أصحاب رؤوس الأموال، كما تتشابه حاجتهم لتمويل غير مشروط، وهو أمر شبه مستحيل. ولكن هذا المستحيل هو جوهر إيمان هؤلاء الفنانين، فالأفكار التي يعبرون عنها من خلال فنّهم تشكّل ضمانة استمرار المعركة التي يخوضها "الراس" مع إيقاع!

دلالات

المساهمون