فالنتينو وفيكتور ورولف... الأثواب كتعليق سياسي

فالنتينو وفيكتور ورولف... الأثواب كتعليق سياسي

31 يناير 2019
من عروض "فيكتور ورولف" (فرانسوا غيو/فرانس برس)
+ الخط -
تتحدث الأزياء الراقيّة عوضاً عن مرتديها في الكثير من الأحيان، الـ haute couture المحميّة كعملّ فني، متفرد، لا يتكرر، تختزن داخلها رؤية المصمم للعالم، وتعكس طبقة وتاريخ وعرق مرتديها. نقصد هنا الفساتين الفخمة، المصنوعة يدوياً التي تختزل تاريخاً من الاختلاف، بين أولئك القادرين على ارتدائها وبين المتشابهين أو الأقل أناقة. هي تعكس الحرفيّة والرغبة بالتميز. حواف مضبوطة ودقيقة، تُصمم لمرتديها فقط.

هذا العام في باريس، في افتتاح عروض مجموعة ربيع صيف 2019، أعاد مصممان من أشهر بيوت الأزياء في باريس النظر في هذه "الأثواب"، لتتحول إلى ما يشبه رسالة سياسيّة ودعوة إلى إعادة تفكير بنظام الأزياء نفسه، وطبيعة العلامات التي يختزنها. وإن كانت أثواب هذا الموسم مميزة، فالسبب ثقافيّ أكثر منه جماليّ واستعراضي.

يصف بيير باولو بيتشولي، المدير الإبداعي لـ "فالنتينو"، مجموعة هذا العام بأنها تعليق على الأزياء والأثواب الراقيّة التي كانت حكراً على النساء البيضاوات، إذ نرى بدايّة 45 عارضة ملونة من أصل 65، والسبب برأيه أن الأزياء الراقيّة تهدف للتفرد والحلم والفانتازم، بالتالي التنوع؛ كما لو أنها وسيلة للنظر إلى العالم لا احتكاره من قبل فئة ما، وهذا ما نراه في التصاميم التي يخاطب بعضها الأزياء التاريخيّة من القرن التاسع عشر، إلى جانب تلك التي تنتمي إلى شروط الآن؛ فعوضاً عن تنانير منفوخة من الورك إلى الأسفل، نرى أنفسنا أمام العكس، الانتفاخ من أعلى، لتكون العارضة أشبه بوردة تتفتح.



(باسكال لو سيغريتاين/Getty)

كذلك نرى تعليقاً على الشكل "الحداثي" مضبوط الحواف ودقيق الأبعاد، كما يستعين بيتشولي بـ"الأرض" وألوانها وخصائصها في بعض الأثواب، وكأنها امتداد عضوي لنا كبشر بعيداً عن اللون والعرق. يمكن القول إن بيكيلو يسعى إلى أن تكون مجموعته احتفاءً بالثقافة الملوّنة بأشكالها، إلى جانب كونها امتداداً للعذراء السوداء Black Madonna التي شكلت مصدر إلهام له.



(باسكال لو سيغريتاين/Getty)

المجموعة الأكثر إثارة للجدل كانت تلك التي قدمتها دار "فيكتور ورولف" التي تمثل تعليقاً سياسياً وثقافياً على الفضاء العام وسياسات الاستعراض، إذ نرى أثواباً تحوي كلمات وعبارات واضحة، مثل "لا تلتقط الصور"، أو "اذهب إلى الجحيم"، ليبدو كلّ ثوب في المجموعة أشبه برد فعل على حدث ما، أو بتعليق على صفحة تواصل اجتماعي، أو كلمة سريعة نقولها لشخص مُزعج نراه في الطريق، كذلك تبدو امتداداً للفضاء الرقميّ، وما يحدث فيه من مشاحنات، خصوصاً أن العارضات يبدون كسكاكر ملفوفة، لكنها ذات رأي، في انتقاد لفكرة أن المرأة عليها فقط أن تبدو جميلة، لا أن تقول رأيها وتعلق على الحدث العام. كأن فيكتور ورولف يعيدان تعريف الأزياء بوصفها تعبيراً سياسياً واضحاً، مهما كانت نوعيتها أو طبقة من يرتديها.



(فيكتور بويكو/Getty) 

تبدو المجموعة كأنها تنصاع لإيقاع وسائل التواصل الاجتماعيّ، أي أنها تحاكي طبيعة الردود والتفاعل معها، بل إن كثيرين يرون في "صور العارضات"، لا أثوابهن أنفسها، وسيلة للتعليق والانتقاد والسخرية من الآخرين، لتكون المجموعة أقرب إلى سلسلة من الـ"memes"، وكأن في ذلك انتقاداً للأزياء الراقية نفسها، وتحولها إلى مجموعة من الصور على الشاشات التي لا تحوي موقفاً واضحاً، لكنها تعكس أقصى الرغبة بالظهور والتميّز، التي يكتفي المشاهد عادة بالإطراء عليها أو شتمها سراً كونه من الصعب جداً شرائها.



(فيكتور بويكو/Getty) 

كلا المجموعتين تعيدان النظر في الثقافة الشعبيّة، تاريخ الصورة النمطية المرتبطة بالراقي من جهة، والمبتذل والمتداول من جهة أخرى. ففي مجموعة فالنتينو هناك محاولة لإعادة النظر بالدور الاجتماعيّ الذي تمثله الأزياء، وارتباطه بلون البشرّة، لتكون المجموعة جزءاً من سياسات إعادة النظر في التاريخ الاستعماري وتاريخ العبوديّة، والصور التي تظهر فيها المرأة السوداء كأيقونة جنسيّة ما زالت توظف في الموسيقى الشعبيّة حتى اليوم، كأنه في سعي لاكتشاف جماليات جديدة، تنفي الصورة النمطيّة وتاريخها المشين.

في حين أن المجموعة الثانيّة أشبه بتعليق على الصورة وأساليب تداولها، في سعي إلى جعلها تتجاوز وظيفتها كتعبير جمالي ومنتج اصطناعي، لتصبح شكلاً من أشكال الاحتجاج، أو تعبيراً عن المزاج الشخصيّ، لتكون الأثواب أشبه بالصوت الذي يجعل الصورة تتكلم، بوضوح، من دون الحاجة إلى تأويل أو شرح.

المساهمون