أنطونيو غاودي... معماري عبقري خلّدت أعماله برشلونة

أنطونيو غاودي... معماري عبقري خلّدت أعماله برشلونة

26 يوليو 2017
كنيسة العائلة المقدسة غير المكتملة من أعمال غاودي الفريدة(Getty)
+ الخط -
في برشلونة يهبط الجبل إلى البحر، كأنه يستحم ويغسل أقدامه وروحه بالماء. في برشلونة تشهق كنيسة العائلة المقدسة (ساغرادا فاميليا) غير المكتملة لتقول إنه لا حدود لفن الإنسان، ولا لجمال ما يمتلك في تلك المخيلة التي وحدها سيدة الإبداع والعبقرية، وفي برشلونة تحتفي الشوارع والبيوت القادمة من خيال أطفال كثيرين لم يفارقوا مصممها، شوارع ستدخلها وتحس نفسك كانك تدخل حلما لا ينام.

إنها مدينة البحر والأشجار والفن الحياة، مدينة الملامح الساحرة التي لا تخلو من الحضارة العربية في أغلب زواياها، وهي أيضا مدينة الاحتفاء الدائم بمبدعها المهندس المعماري الأشهر أنطونيو غاودي، الذي رحل منذ ما يزيد عن مئة وعشر سنوات، وذلك بفتح أغلب الأبنية التي تشبه أبنية "والت ديزني" للسياح القادمين من كل جهات الأرض.

هذا العام احتفت المدينة بفعالية خاصة جدًا تخص المهندس المعماري المعروف أنطونيو غاودي، إذ تم افتتاح مبنى "كاسا فيثينس" بعد مرور مئة وثلاثين سنة على بنائه، ويعد مبنى "كاسا فيثينس" أول مبنى صممه المعماري الإسباني أنطونيو غاودي (1852–1926)، والذي يشكل تحفة فنية حسية نادرة من الداخل والخارج، ويوثق لأولى مراحل تتطور غاودي ولباكورة خياله الفني الذي لا ينضب.

صمم هذا المبنى (كاسا فيثينس) بين عامَي 1883 و1885، وذلك بناء لطلب من مانويل فيثينس إي مونتانير، صاحب معمل رخام ورجل أعمال إسباني، حيث أراد بناء منزل صيفي مميز خاص له في برشلونة.


في تلك الفترة كان أنطونيو غاودي يبلغ واحداً وثلاثين عاماً، ولم يكن يحظ بالشهرة التي ازدادت بعد حوالي عشر سنوات من هذا التاريخ، ولكن ما يميز كل أعمال غاودي هو قدرته النادرة على بناء هوية فنية معمارية لا يخطئها أحد، الهوية التي تشكلت في السنوات اللاحقة، وقد دل هذا البناء بقوة على هذه الهوية، فهو هنا يعتني بكل تفصيل في أعماله، وكان قادراً على الاستفادة الدائمة من كل التقنيات التي امتلكها من طبيعة أعماله التي اشتغل بها في حياته والحرف التي كان يتقنها. ولعل أبرزها كانت مهنة صناعة الخزف (السيراميك) ظاهرة في شكل الزخرف الذي امتلأت به تصاميمه، ومهنة صناعة الزجاج الملون جعلته يتقن إدخال الزجاج ذي الألوان المتفردة، كما أثرت مهنتا صهر الحديد المطاوع والنجارة على مرونة ورشاقة الأعمال وخاصة على بناء الكنيسة المقدسة، كما أنه قدم تقنيات جديدة في معالجة المواد الداخلة في تركيبة البناء نفسها، مثل معالجة بعض أنواع الفسيفساء المكونة من بقايا القطع الخزفية، ومعالجة الزجاج وخلطه مع مواد ثانية.

طريقة بناء مبنى "كاسا فيثينس" تعود إلى نمط "النيو - موديخار" الذي يرتكز في معظمه على استخدام قطع السيراميك بأشكال هندسية متجاورة والأعمال المعدنية وزخرفة الطين، بالإضافة إلى التيار الفيكتوري الذي تأثر كثيراً به خلال سنوات دراسته في "بروفنسال سكول أوف أركيتكتشر" في برشلونة، لذا فكل من يرى البناء سيعرف أنه من تصميم هذا المبدع ومن إبداع تلك المخيلة وتلك الأصابع التي كانت تعزف سيمفونيتها بالحجر والسيرامك واللون.

لقد عاش في هذا البيت مونتانير لسنوات قليلة ثم تم تحوِيله إلى ثلاث شقق وذلك في عام 1920، واستخدم كمنزل عائلي لاحقاً، حتى عام 2014، إذ اشترى كامل العقار مصرف عقاري يسمى بـ"مورا بانك"، وهو مصرف خاص تديره عائلة ثرية جدا في أندورا، وقد بدأ بأعمال الترميم بهدف افتتاحه متحفاً للجمهور، وقد تبين ذلك حين قال خوسيه دي كابابيرو "لأن مهمة كاسا فيثينس كمتحف هي إبراز الأعمال الأولى لغاودي والإضاءة على أسلوبه الفريد والمبتكر الذي ساهم في تطوير الفن الجديد في الهندسة في برشلونة والعالم".

شكل غاودي ظاهرة فنية مذهلة في عالم التصميم المعماري، وكانت أبنيته تجعلك تحس بأنك في عالم خيالي منفصل عن المقاييس الواقعية التي كنا نعرفها، وقد بررت هذه المخيلة المجنونة التي امتلكها غاودي بسبب مرضه الذي جعله مقعدا في طفولته لمدة تزيد عن العشر سنوات كان عليه خلالها الذهاب دائما إلى الغابة والبقاء فيها لساعات طويلة، وهذا جعله أقرب إلى الطبيعة وإلى شكل انحناء الأشجار ونموها، وجعل مخيلته تنمو بدون أية أطر تحد منها، وجعلته يحافظ على فطرية وبراءة روحه وعلى إحساسه بالدهشة والشغف تجاه كل ما يمكن أن يعيد للبناء إحساس الطبيعة نفسها.

تعد كنيسة العائلة المقدسة غير المكتملة من أهم أعماله ومن أهم مصادر الدخل السياحي الذي تحققه إسبانيا بعد مرور مئة عام على وفاته، كما تعد حديقة "بارك غويل" التي أضافتها منظمة يونيسكو إلى لائحتها للتراث العالمي، من أهم الأماكن في العالم.




دلالات

المساهمون