شاطئ باريس: بحر مَن لا يستطيع السفر ومتعة للسائحين

شاطئ باريس: بحر من لا يستطيع السفر ومتعة للسائحين على نهر السين

23 يوليو 2017
اصطياف على ضفتي السين (باسكال لو سيغريتيان/Getty)
+ الخط -
يقول الفرنسيون، في نوع من التحدي والفخر: "إذا كنّا بعيدين عن البحر فعليه أن يأتي إلينا"، ويضيفون: "المستحيل ليس فرنسيا". وربما هذا ما جعلهم يُحضرون البحر إلى عاصمتهم التي يخترقها نهر السين، ويقيمون من حوله شاطئا، يثير غبطة الكثيرين من الفرنسيين والمقيمين في باريس، من الذين لا يستطيعون السفر ولا السياحة، وأيضا سعادة الملايين من السياح الذين يمنحون لأنفسهم حرية المشي على الشاطئ من دون إزعاج للسيارات، وحرية التقاط صُوَرٍ للذكرى، ثم الجلوس تحت مظلات اتّقاءً للشمس الملوثة، في هجير الظهيرة، أو تعريض أجسامهم، رغم قمصانهم، لرشاشات الماء علّها تخلصهم من العرق المتصبب. 

والطريف أن "باري-بلاج" في الأصل تعود إلى اسم اقترحه، سنة 1882، هيبوليت دي فيلميسانت، مدير صحيفة لوفيغارو، لتسمية منتجع ساحلي في منطقة "با-دي- كاليه" بشمال فرنسا، وأصبح هذا المنتجع "لو توكي-باري- بْلاج"، رسميا، بلدية، سنة 1912.

وفي سنة 2006، أي بعد أربع سنوات من إطلاق عملية "باري-بْلاج"، سجّلت بلدية باريس، قانونيا، تسمية "باري-بلاج"، ورفعت دعوى ضد بلدية "توكي-باري-بْلاج"، لإساءتها إلى "شهرة العلامة وإلى حدث باري-بلاج الذي تنظمه المدينة". وانتهى النزاع سنة 2008، بعد مفاوضات، وتقرّر أن تسمي باريس العملية بـ"باري-بلاج"، مع إضافة سين الجمع إلى بلاج (plages)، في ما يشبه خسارة للعاصمة باريس أمام بلدة صغيرة. حتى العواصم تخسر أمام الأرياف!

هذه العملية التي تشرف عليها بلدية باريس، منذ سنة 2002، وتحت إشراف عمدة المدينة برتران ديلانوي (الذي ولد في تونس، ولا زال مرتبطا بها)، تمتد، عادة، وكل سنة، ما بين يوليو/ تموز ومنتصف أغسطس/ آب، على طول 3 كيلومترات ونصف. وتمنح الانطباع للباريسيين، وأيضا لمن شاء من السياح، أنهم في شاطئ بحري حقيقي، ويستطيعون أن يمارسوا بعض الهوايات أو الألعاب، ويعرّضوا أجسادهم لأشعة الشمس الحارقة، أحيانا. ولو أن الأمطار عادة ما تتدخل فترغمهم على الهرب والاحتماء بمقاهي باريس المُرحِّبَة والودودة.

في سنة 1988 وعد المرشح جاك شيراك في حملته الانتخابية سكان باريس بقرب السباحة في نهر السين، فقال: "إن أنواع الأسماك في نهر السين في ازدياد، وفي آخر إحصاء تبيّن وجود أكثر من 25 نوعا منها تجد شروط حياة مناسبة لها في السين. لهذا أؤكد أن باستطاعتنا جعل النهر نظيفا، وكما أعلنتُ، من قبل، فإنني في ثلاث سنوات سأسبح في نهر السين، حتى أبرهن على أنه أصبح نهرا نظيفا". وطبعا كان الأمر مجرد كذبة سياسية، لا غير.

وعلى الرغم من أن السباحة غير ممكنة الآن، إلا أن الفرنسيين ظلّوا يسبحون فيه حتى عشية الحرب الكونية الأولى، قبل أن تُحظَر السباحة فيه سنة 1923، ولو أن السباحة استمرت بطريقة غير قانونية إلى خمسينيات القرن الماضي.

وتتميز عملية "باري-بلاج"، بإحضار 5000 طن من الرمال، تشرف عليها شركة لافارج، والتي تقوم بشحنه من منطقة النورماندي. أي أنه رمل حقيقي، ويأتي تحديدا من منطقة "لور"، ويتم استخراجه من مقالع الرمال في "بيرنيي-سور-سين".

ويصف مسؤول كبير في شركة لافارج نوعية الرمال: "إنها دقيقة جدا، وفي غاية النظافة، مع ميل نحو البياض. وهو رمل يستخدم، حاليا، في البناء في العاصمة، ويتم نقله عبر طرق نهرية". وحرصاً على صحة الباريسيين وسلامتهم، يتم فحص هذا الرمل في مختبرات نظافة بلدية باريس، ويتم تعهده كل أسبوع، ليلا، متضمنا ثلاث مراحل، الصيانة، حيث يتم قلبه لسحب النفايات الكبيرة، التنظيف، حيث يعالج الرمل، مرتين، ببخار الماء لقتل الجراثيم، وأخيراً، يتم تحليل الرمل في مختبرات الصحة التابعة لبلدية باريس.

وبعد الانتهاء من عملية "باريس- بلاج"، تقوم مصالح البلدية باستعمال هذه الرمال إما في حدائقها أو في ملاعب الفروسية والغولف، والحرس الجمهوري وأيضا السيرك، أو يتم استخدامه، كما كان عليه الحال بالماضي، من قبل مصالح الطرق.

وإذا كان الرمل جزءا أساسيا في شواطئ البحر، فإن "باري-بلاج"، هذه السنة، وربما في المستقبل، أيضا، بلا رمال. والسبب هو تنظيم داعش الإرهابي، بشكل غير مباشر.

فقد قرر مجلس باريس، بعد اللجوء إلى تصويت، وقف تعاونه مع شركة لافارج، وبالتالي وقف شراكتهما التاريخية. والسبب؟ اتهامها بتمويل مجموعات مسلحة، من بينها تنظيم داعش في سورية، حتى تحتفظ بمصنع الإسمنت في جلابيا، شمال شرقي حلب، ما بين 2013 و2014. وجاء قرار البلدية بعد سؤال من منتخبة من اليسار، ثم بعد معارَضة الإيكولوجيين في مجلس البلدية لمواصلة التعاون مع مجموعة لافارج، التي لم يُخفِ رئيسها، إيريك أولسن، رغبته في بيع الإسمنت لإدارة ترامب من أجل استخدامه في بناء حائط العار مع المكسيك، معللا موقفه بأن مجموعته "ليست منظمة سياسية"، ولم يتراجع عن موقفه إلا بعد تحذير شديد من قبل الرئيس السابق فرانسوا هولاند.

"باري- بلاج" مرتبطة، عضويا، بطقس باريس، الذي قد يكون حارّا خانقا، وقد يعرف تساقطات مطريّة استثنائية، كما حدث قبل عشرة أيام، حيث سقط في ساعة واحدة ما يعادل تساقطات 3 أسابيع.



المساهمون