"باشا بوش"... التحايل على ذكورية المجتمع

"باشا بوش"... التحايل على ذكورية المجتمع

20 يوليو 2016
Getty
+ الخط -
"باشا بوش" عبارة فارسية تعني: فتاة ترتدي ملابس الشباب. وفيها إشارة إلى تقليد ثقافي في بعض المناطق الأفغانية والباكستانية، حيث تقوم بعض العائلات التي ليس لديها أبناء ذكور؛ بانتقاء إحدى البنات كي تحيا وتتصرف كالأولاد. هذا السلوك يعطي الفتاة حريات لا يُسمح بها للفتيات عادة، فهي تذهب للمدرسة، وتصطحب أخواتها للأماكن العامة، وأيضا تعمل وتكسب رزقها كأي غلام. ويقال إنّ هذا الأمر يُجنب الأسرة بعض المشاكل الاجتماعية التي تنشأ بسبب غياب الذكور.

كانت "جيني نوردبرج" قد سلطت الضوء على "الباشا بوش" في كتابها "فتيات كابول السريات"، مما كشف الكثير من المعلومات عن هذه الظاهرة. حيث يعود هذا التقليد إلى أكثر من قرن، وما زال موجوداً، وهناك رأي يقول إنه بدأ أول الأمر في طوائف النساء اللاتي كن يخفين هويتهن كي يتمكن من الاشتراك في القتال كالرجال، أو ليتمكنّ من حماية أنفسهن في أزمان الحرب التي خاضتها تلك البلاد. واكتسبن خبرة في ذلك، وأصبحن أكثر قوة في طريقة التعاطي مع المحيط والمجتمع، فيما قالت المؤرخة "نانسي دوبري" إنها تتذكر صورة تعود إلى أوائل القرن العشرين في عهد "حبيب الله خان" لنساء كن يرتدين ملابس كالرجال ويقمن بحراسة حريم الملك، وكان ذلك يعود إلى سياسة الفصل بين الجنسين، وهو ما كان يدعو للإبداع في اتخاذ الوسائل الداعمة للفصل بين الرجال والنساء، وتكشف نانسي أن هؤلاء القوم كانت لديهم القدرة على التأقلم المدهش، مع الدور الذي يجسدنه في إطار من التحدي من الوضوح وإثبات الذات والمسؤولية التي يجب أن يتمتعن بها.

في باكستان وأفغانستان يوجد ضغط مجتمعي على الأسر كي يكون لها ابن ذكر يحمل اسم العائلة، ويحصل على ميراث الأب. وفي غياب الولد قد تلجأ العائلة لإلباس أحد بناتها ملابس الذكور؛ كتقليد قديم، وكان هناك اعتقاد بأن هذا التصرف قد يساعد الأم في أن تلد طفلاً ذكراً فيما بعد.
تلبس الفتاة ملابس الأولاد وتحلق شعرها مثلهم، وتغير اسمها لاسم صبي، وليس الهدف من هذا التقليد خداع الناس؛ لأن المدرسين وأصدقاء العائلة وغيرهم كانوا يعلمون أنهم يتعاملون مع فتاة. في حين كانت الفتاة تمارس حياة بين الجنسين؛ فلا هي تعيش حية كاملة كأنثى، ولا يعاملها الجميع مثل ولد كامل. ولكنها في الوقت ذاته تُعفى من أعمال الفتيات كالتنظيف والطهي، ويسمح لها باللعب والعدو والذهاب للمدرسة والتحرك بحرية وسط الناس؛ بل يسمح لها بأن تجد عملا مناسباً تتكسب المال من ورائه. وتنتهي حالة الفتاة الباشا بوش عادة عندما تصل لمرحلة البلوغ، ولكن المرأة التي تكبر في مثل هذه الحالة الاستثنائية يكون من الصعب عليها أن تتأقلم مع الانتقال من حياة الذكور لحياة الإناث والعيش مع القيود المفروضة على النساء بعد أن ذاقت طعم الحياة كذكر في مجتمع ذكوري. وكثير من الفتيات اللاتي مررن بتلك التجربة يرفضن الزواج لأنهن يشعرن بأنهن إذا تزوجن فسوف يتم قمعهن وإيذاؤهن، وهن قد عشن كالرجال ويعلمن تماما كيف يعامل الرجالُ النساء في هذه المجتمعات البدائية، التي تخضع لسلطة الرجل.


صحيح أن "باشا بوش" أصبح تقليداً شائعاً، ولكن نظراً لغياب الإحصاءات والسجلات الرسمية الدقيقة فإنه لا يعرف على وجه الدقة أعداد الفتيات المتنكرات في زي الذكور، وقد عالجت بعض الأعمال الفنية هذه الظاهرة، مثل فيلم "أسامة" الذي أُنتج في أفغانستان عام 2003 كتبه وأخرجه "صديق بارماك"، يروي الفيلم قصة فتاة تعيش تحت حكم طالبان، وقد تنكرت في زي ولد، وأطلقت على نفسها اسم "أسامة"، وكان الهدف من وراء ذلك أن تعول أسرتها، بعد أن قُتل والدها وعمها في معارك أثناء الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، ولم تكن هي ووالدتها تستطيعان التنقل وحدهما بدون ذكر (محرم يرافقهما).


المساهمون