بعد قرض "صندوق النقد" للأردن.. مخاوف من الضرائب والتقشف

بعد قرض "صندوق النقد" للأردن.. مخاوف من الضرائب والتقشف

02 فبراير 2020
مخاوف من الضغط على القدرة الشرائية (Getty)
+ الخط -
تبدأ الحكومة الأردنية اعتباراً من مارس/ آذار المقبل ماراثون الإصلاحات الاقتصادية الجديدة التي تندرج ضمن البرنامج الذي اتفقت عليه مع صندوق النقد الدولي، وأعلنت تفاصيله الخميس الماضي. وبحسب التحليلات، فقد جاء البرنامج الجديد الذي يمتد أربع سنوات استنساخاً لبرامج الإصلاح الاقتصادي السابقة التي طبقها الأردن بالتعاون مع الصندوق منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، إبان الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها المملكة نهاية الثمانينيات، وأدت الى تراجع سعر صرف الدينار، وتفاقم المديونية وانخفاض معدل النمو.

ويرى خبراء أنه رغم دفاع الحكومة عن البرنامج والتهيئة له منذ عدة أشهر، على اعتبار أنه لن يرتب كلفاً سلبية على الاقتصاد والمواطنين، إلا أن تصريحات وزير المالية محمد العسس خالفت كل ما صدر عن المسؤولين، ذلك أن الأردن سيقترض بموجب البرنامج الجديد 1.3 مليار دولار، إضافة إلى الاتجاه نحو فرض المزيد من الضرائب واستكمال خطط التقشف.

ويرى الخبراء أن هذا القرض سيؤدي الى ارتفاع حجم المديونية، كما له مدلولات سلبية على مواصلة الحكومة نهج الاستدانة خلال السنوات المقبلة، وبالتالي تخطي الدين العام الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة الضغوطات على الموازنة العامة من خلال ارتفاع أقساط وفوائد الدين العام التي تتجاوز حاليا الملياري دولار سنوياً.

ويشرح الخبير الاقتصادي مازن مرجي لـ "العربي الجديد" أن محاولات الحكومة تجميل برنامج الإصلاح الاقتصادي الجديد لن تمر على أحد، لأن كافة البرامج السابقة التي طبقت مع صندوق النقد الدولي لم تخل من الاقتراض، ورفع الأسعار والضرائب، وإلغاء الدعم عن السلع والخدمات الأساسية.

ويضيف أن صندوق النقد الدولي يركز دائماً على الملاءة المالية للدولة، بمعنى التأكد من قدرتها على الالتزام بأقساط الدين وفوائده، وبالتالي فإن زيادة الإيرادات المحلية هي أحد اشتراطات الصندوق التي يضغط بها على الحكومة مقابل الحصول على قروض جديدة. ويبين مرجي أن الحكومة تعهدت بعدم رفع الأسعار، وفرض مزيد من الضرائب "لكن لا أعتقد أنها تستطيع مجاراة ضغوطات صندوق النقد خلال السنوات المقبلة، إضافة إلى أنها تستطيع زيادة شرائح المواطنين الخاضعين لضريبة الدخل وفق القانون".

ويتخوف الشارع الأردني من إقدام الحكومة على مزيد من الإجراءات التقشفية وزيادة التضخم، ما يؤدي إلى موجات جديدة من الغلاء، وتراجع القدرات الشرائية للمواطنين. وكانت الحكومة قد اتخذت قرارات صعبة العام الماضي، حيث رفعت نسبة الضريبة على عدد كبير من السلع، وأوصلتها إلى الحد الأعلى البالغ 16%، بعد أن كانت لا تتجاوز 8%.

كما أجرت تعديلاً على قانون ضريبة الدخل، بدأ تنفيذه بحلول العام الحالي، ليؤدي إلى زيادة الضرائب على الأفراد، وتوسيع قاعدة الخاضعين لضريبة الدخل، ورفع الضريبة أيضاً على عدد من القطاعات الاقتصادية.

ويقول الخبير الاقتصادي حسام عايش لـ "العربي الجديد" إن علاقة الأردن مع صندوق النقد الدولي، والتي بدأت منذ بداية تسعينيات القرن الماضي نتج عنها قرارات اقتصادية أضرت بالوضع الاقتصادي والمواطنين، من خلال اتباع سياسات رفع الضرائب والتقشف، وإلغاء الدعم الذي كانت تقدمه الحكومة لعدد من السلع والخدمات الأساسية مثل الخبز والمحروقات.

ويضيف أن الصندوق معني برفع الإيرادات من دون مراعاة للآثار الاقتصادية والاجتماعية على المواطنين، ما أدى سابقاً إلى تراجع معدلات النمو، وتباطؤ الاستثمارات، وضعف القدرات الشرائية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. ولا يستبعد أن تضطر الحكومة لاتخاذ قرارات تحت ضغط الصندوق، ومنها رفع أسعار الكهرباء والمياه، وفرض مزيد من الضرائب، خاصة ضريبة الدخل.

وتجاوزت مديونية الأردن حوالي 43 مليار دولار مع نهاية العام الماضي، مشكلة حوالي 95% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويلفت وزير المالية الأردني محمد العسعس خلال مؤتمر صحافي، إلى أنه بعد أشهر من المباحثات بين الحكومة الأردنية وصندوق النقد الدولي، "توصلنا إلى برنامج جديد تم تطويره بسواعد أردنية، وبني على أساس علاقة استشارية تشاركية مع صندوق النقد الدولي".

ويضيف: "يعالج هذا البرنامج متطلبات الاقتصاد الوطني، وكيف يمكن أن تنعكس عملية الإصلاح على منهجية الحكومة الرامية إلى تحفيز النمو، ويشمل استخدام مخصصات إجمالية بلغت 1.3 مليار دولار من الصندوق خلال عمر البرنامج الذي يمتد على مدار أربع سنوات".

ويلفت إلى "أننا أمام مرحلة جديدة ببرنامج جديد يركز على الإصلاحات الهيكلية، والهدف دفع عجلة النمو المؤدي لخلق الوظائف مع الحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي. وكذا رفع مستوى الشفافية وتعزيز دعم شبكة الأمان الاجتماعي، والذهاب نحو إجراءات تهدف إلى تخفيض كلف القطاعات الإنتاجية".

وكانت الحكومة، واستجابة لضغوطات صندوق النقد الدولي، قد رفعت ضريبة المبيعات إلى 16% وفرضت ضريبة خاصة على بعض السلع والخدمات تجاوزت 65% بخاصة على السيارات والمحروقات، كما ألغت دعم الخبز بعد أن كان يعتبر من المحرمات التي لا يجوز الاقتراب منها. وشهدت البلاد عدة احتجاجات على سياسات رفع الأسعار والضرائب، والتي جاءت بإملاءت من صندوق النقد، وانتهى بعضها بإقالة حكومات.

ويرتكز البرنامج الإصلاحي الجديد على منهجية جديدة تنأى عن فرض ضرائب جديدة أو زيادة على نسب الضرائب الحالية، وفق تصريحات وزير المالية، بحيث لا يتحمل المواطن أعباء سياسات الإصلاح المالي. ومقابل ذلك يشمل هذا البرنامج منهجية تعتمد على تعزيز أدوات محاربة التهرب الضريبي والجمركي.

كما يركز البرنامج على تفعيل الأدوات اللازمة لتعزيز الإدارة الضريبية، بما يضمن توزيع العبء الضريبي بشكل أكثر عدالة، وضبط العجز وتخفيضه من خلال ضبط وترشيد النفقات وتعزيز كفاءتها. وأيضاً، تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي وضمان إيصال الدعم لمستحقيه، وتحسين بيئة الأعمال من خلال تقليل كلفها التشغيلية، وتعزيز الشفافية بين الحكومة والمواطنين من خلال تحسين إجراءات الإفصاح والمساءلة ورقمنة وتسهيل الإجراءات.

إلا أن رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب السابق يوسف القرنة يؤكد لـ "العربي الجديد" أن الحكومة لم تستطع حتى الآن الاستغناء عن صندوق النقد الدولي وسياساته التي لم تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي، بل أدت إلى ارتفاع كبير في المديونية وتراجع النمو الاقتصادي، وتباطؤ الاستثمارات وزيادة الفقر والبطالة، وتراجع مستويات المعيشة.

ويضيف أن الارتكاز على صندوق النقد الدولي والاستمرار باتباع سياساته، يؤكد التمسك بالنهج التقليدي لتطوير الوضع الاقتصادي. ويشدد القرنة على أهمية إعادة النظر بالعلاقة مع صندوق النقد الدولي، والاستثمار في الموارد المحلية البشرية لإنقاذ الوضع الاقتصادي، وإيجاد حلول ناجعة للمشكلات الاقتصادية وزيادة معدل النمو من خلال استقطاب الاستثمارات ودعم القطاعات الاقتصادية.

وينبه إلى أن المديونية ستشهد قفزة كبيرة خلال العام الحالي والأعوام اللاحقة، ومن المرجح أنها ستتجاوز 50 مليار دولار خلال العامين المقبلين.

وتبلغ موازنة الدولة للعام المقبل 13.83 مليار دولار، بعجز مقدر بحوالي 1.76 مليار دولار، بعد احتساب المنح والمساعدات الخارجية، بينما يصل العجز إلى 2.9 مليار دولار قبل احتساب المنح، مشكلا ما نسبته 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويعتبر مقرر لجنة الطاقة في مجلس النواب الأردني النائب موسى هنطش في حديث مع "العربي الجديد " أن البرامج التي تطبقها الحكومة مع صندوق النقد الدولي في ظاهرها إصلاحية هيكلية، وفي باطنها استهداف زيادة الإيرادات المحلية من خلال رفع الضرائب والرسوم.

ويحذر من رفع أسعار الكهرباء والمياه، كما كان يطالب الصندوق دائماً، "لأن ذلك يؤدي إلى تعميق الأزمة الاقتصادية وتدهور الأحوال المعيشية مرة أخرى، الأمر الذي له انعكاسات سلبية على الوضع الاقتصادي بشكل عام".

ويلفت إلى أن ضبط التهرب الضريبي وزيادة كفاءات التحصيل الضريبي خيارات لا بد منها لزيادة الإيرادات، ولكن يجب ألا تكون محاولات التفافية لزيادة الأعباء على المواطن والقطاعات الاقتصادية الصغيرة.

ويشرح رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للأردن، كريس جارفيس، في مؤتمر صحافي عقد الجمعة، أن البرنامج سيقدم على تسع دفعات، كل دفعة ستكون بقيمة تراوح ما بين 140و150 مليون دولار، موضحاً أن الدفعة الأولى ستدفع مع نهاية مارس/ آذار المقبل.

ويشير إلى أن الحكومة الأردنية جادة في عملية الإصلاح الاقتصادي، والبرنامج الجديد سيدعم توجهها في عملية الإصلاح، ويدعم مستويات النمو والتخفيض من حجم الدين العام. ويفصّل أن البرنامج الجديد سيعمل على تخفيض كلفة الكهرباء لمنشآت الأعمال التي تؤثر في عملية النمو، والتي تشكل عبئاً أساسياً على المشاريع والشركات ويضر بالتنافسية. وحول رفع أسعار المياه يقول جارفيس إنه لا مخططات لزيادة التعرفة في هذا البرنامج، وأن على الحكومة اتخاذ إجراءات لتقليل الفاقد ووضع سياسة خاصة بالمياه.

وحول توقعات الصندوق للاقتصاد الكلي المحلي يلفت جارفيس إلى أن نسب النمو المتوقعة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي للعام الحالي ستكون 2.1%، في حين سترتفع هذه النسبة تدريجيا إلى 3.3% على المدى المتوسط. أما فيما يخص مستويات التضخم، يتوقع جارفيس أن تكون دون 1% للعام الحالي، في حين سترتفع في السنوات القليلة المقبلة إلى ما يقارب 2.5%.