رعونة أب... ورعونة دول

رعونة أب... ورعونة دول

20 يوليو 2017
أسر تفشل في إدارة مواردها المالية المحدودة (العربي الجديد)
+ الخط -


تعالوا معاً نتخيل هذه النماذج الموجودة في حياتنا لنعرف كيف تُضيِّعُ دولاً وأسراً وتغرقها في الديون الداخلية والخارجية دون أن تدري، وربما تدري هذه النماذج ما تفعله جيداً.

أب مسؤول عن أسرة مكونة من ستة أفراد، خمسة أبناء وأمهم، دخله الشهري لا يتجاوز 2000 جنيه مصري (ما يعادل 111 دولارا)، مصروفاته الشهرية تتوزع كالتالي:
- 1200 جنيه كلفة إيجار الشقة التي يقطن بها وفاتورة المياه والكهرباء والغاز.
- 1500 جنيه نفقات تناول الطعام والعزومات والشراب وخلافه.
- 200 جنيه نفقات العلاج والأدوية.
- 300 جنيه فاتورة التليفون الأرضي والتليفون المحمول وكروت شحن والواي فاي.
- 100 جنيه مصروفات التدخين وكلفة مشروبات المقهى الذي يجلس فيه مساء كل يوم هربا من زحمة البيت وصداع الأبناء وأسئلتهم التي لا تنتهي.
- 200 جنيه كلفة النقل، حيث يستقل وأولاده المواصلات العامة ترشيدا للنفقات.
- 500 جنيه مصروفات أخرى، مثل التعليم والدروس الخصوصية وغيرها.
يعني مجموع المصروفات المطلوبة 4000 جنيه شهريا، وبحسبة بسيطة، فإن ذلك يعني وجود عجز لدى رب الأسرة قيمته 2000 جنيه.

هنا على الأب أن يسلك ثلاثة طرق، الأول هو التقشف الشديد وترشيد النفقات حتى يمر الشهر بدون أي مشاكل وتعثرات مالية أو استدانة، والثاني هو الاقتراض من الجيران وزملاء العمل، أو الدخول في "جمعية" وغيرها من وسائل الادخار الشعبية المعروفة، والثالث هو أن يعيش هذا الأب "على قد حاله"، يعني بلاها لحوم ودواجن وتدخين ونت وغيره، مع الحصول على صدقات ومساعدات من أولاد الحلال والجمعيات الأهلية.

لكن الأب لا فعل هذا ولا ذاك، فقد لجأ لحل عبقري آخر، ذات يوم دخل على أسرته والبسمة العريضة تعلو وجهه ليعلن بصوت عالٍ: "هيا يا أولاد.. الليلة سنخرج في فسحة جميلة لم تحلموا بها من قبل، كل واحد سيحصل على كل ما يتمنى، لا قيود في المصروفات، لا ادخار".

لم يصدق الأولاد الخبر، وبسرعة ارتدوا أقرب ما طاولته أيديهم من على حبل الغسيل واستقلوا تاكسي وليس أتوبيس نقل عام أو مترو إنفاق كالعادة، وتوجهوا لمطعم يقدم الكباب والمشاوي والأكلات الدسمة في منطقة راقية هي حي المهندسين، بعد أن عزم الأب والدته وأخويه الصغيرين غير المتزوجين ليرتفع العدد إلى 9 أشخاص.

الجميع أكل وشبع وتناول الحلوى من كنافة وقطايف وشربوا العصائر، وبعدها، و"بربطة معلم"، توجهوا لإحدى دور السينما الراقية لمشاهدة أحدث الأفلام العربية.

في نهاية السهرة وبينما يضع الأب يده في جيبه لدفع أجرة التاكسي وجد أن ما تبقى من الـ2000 جنيه لا يكاد يكفي الأجرة المطلوبة، فكل الفلوس طارت في الليلة الجميلة.

"تفتكروا"، هل هذا الأب يصنف على أنه رشيد بحيث يمكن لأولاده أن يثقوا في تصرفاته وقراراته المالية بعد ذلك، أو أن تتباهى زوجته بعد ذلك بزوجها وأنه سندها في الكون.

* رجل آخر لديه العدد نفسه من الأولاد، لكنه يمتلك مبلغا أكبر من المال حصل عليه مكافأة نهاية الخدمة عن عمل دام نحو 40 عاماً، وبدلاً من أن يسدد الرجل الالتزامات المالية المستحقة عليه من ديون وغيرها ويجهز ابنتيه للزواج "راح يشتري" قطعة سلاح يتجاوز ثمنها العشرة آلاف جنيه، وعندما قالت له زوجته: نحن لسنا في حاجة للسلاح، فلا يوجد لك أعداء حتى تخشى على حياتك، حتى هذا الذي ناصبته العداء لسنوات بسبب احتلال بيتك وقتل أخيك أصبحت أنت وهو أصدقاء "سمن على عسل" تتبادلان الزيارت الأسرية والنكات على القهاوي، وكان رد الزوج على الزوجة: أنا أشتري السلاح حتى أواجه الإرهاب المحتمل الذي قد يأتي بعد سنوات، كما أن أبناء العمدة وشيخ الخفر لديهم نفس نوع السلاح الذي أشتريته.

* رجل ثالث يعشق "الفشخرة" والفخر والتباهي ولفت الأنظار، ولأنه كذلك فقد باع الشقة التي يقطنها حتى يقيم عرساً لابنته في أحد الفنادق الفخمة ويتعاقد مع أغلى راقصة وأشهر مطرب ليُحييا الحفل الذي دعا إليه علية القوم.

* ورجل رابع أصر على إلحاق ابنه للتعلم بمدرسة لغات تحصل على مصروفاتها بالدولار لأن ابن جاره الثري يتعلم في هذه المدرسة.

 هذه نماذج من الناس لا تعرف الرشادة المالية، ولا تعرف كيف تدير أمورها المالية، والنتيجة ضياع أسرها وإغراقها في الديون.

ليس هذا الأمر قاصرا على الدول، وأظن أن ما يتكرر مع هذه النماذج يتكرر أيضاً في إدارة دول.

دلالات

المساهمون