مقايضة قريبة بين إيران وروسيا ... النفط مقابل السلع

القلق من العقوبات يُسرع مقايضة النفط بالسلع بين إيران وروسيا

15 نوفمبر 2017
طهران تسعى للحصول على تجهيرات روسية في النفط (Getty)
+ الخط -
مرت أكثر من ثلاث سنوات على إعلان إيران وروسيا عن اتفاقهما على مقايضة النفط الإيراني بسلع روسية، من دون أن يدخل حيز التنفيذ حتى الآن، لكن مسؤولين في موسكو وطهران عادوا خلال الشهرين الماضيين ليؤكدوا أن الاتفاق قيد التطبيق قريباً.
ويقضي الاتفاق بمقايضة 500 ألف برميل نفط إيراني يوميا، مقابل الحصول على 50% من العائدات بالنقد، والنصف الآخر ستعطيه روسيا لإيران على شكل سلع ومعدات. وربما أعاد القلق من عودة العقوبات الغربية، لاسيما الأميركية على إيران، إحياء الحديث عن اتفاق المقايضة بين إيران وروسيا.

وطُرح المقترح للمرة الأولى، حين التقى الرئيس الإيراني حسن روحاني بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في بيشكك عاصمة قيرغيزستان، على هامش قمة دول منظمة شانغهاي للتعاون والتي عقدت عام 2013.
وكان روحاني حينها قد تولى منصبه حديثا، وفتح الباب أمام تطوير العلاقات الإيرانية الروسية على كافة المستويات، فاستفاد الطرفان من الظروف الإقليمية وحتى الدولية لتحقيق هذه المعادلة، وخرج الاتفاق للعلن من دون الإعلان عن بنود واضحة في 2014، بتأكيدات صدرت عن وزارة النفط الإيرانية والطاقة الروسية.

وتعددت الأنباء المتعلقة بالاتفاق بين حين وآخر منذ ذاك التاريخ، لكن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك قال نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، إن موسكو ستشرع قريبا في استيراد النفط الإيراني عن طريق شركة "بروم سريو إيمبورت" وفقا لترتيبات مقايضة النفط بالسلع، مشيرا في تصريحات نقلتها وكالة إيتارتاس الروسية إلى أنه تم الاتفاق علي تفاصيل الصفقة.
وعاد مسؤول في وزارة النفط الإيرانية ليؤكد في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إيرانية نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قرب تطبيق الاتفاق.
وقال الصحافي المتخصص بالشؤون الاقتصادية مهدي الياسي، لـ "العربي الجديد"، إن اتفاق المقايضة كان جديا للغاية في الفترة التي كانت طهران تعاني كثيرا في تبادلاتها المالية، وهو ما جعلها تتشجع لتقديم نفطها بهذه الطريقة ما سيسهل عليها التعاملات.

وأعرب الياسي عن اعتقاده بأن وزارة النفط والمسؤولين الاقتصاديين في إيران تركوا الموضوع جانبا، لا لرغبتهم بإلغائه، بل إن المماطلة قد تكون مفيدة في الوقت الراهن، لمعرفة إلى أين ستؤول الأوضاع مع أميركا وحتى مع الاتحاد الأوروبي، فإذا ما زاد الضغط على إيران ستبدأ بتطبيق اتفاق المقايضة وهو ما قد يوسع سوقها بطريقة غير مباشرة، لكنه غير مفيد لها حاليا كون البلاد تراهن على جلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية لحصد مكتسبات الاتفاق النووي.
ويضيف أن لإيران احتياجات تقنية تكنولوجية تريد الحصول عليها من روسيا، فضلا عن إمكانية الحصول على بعض الصناعات الغذائية، مضيفا أنه لا ضير من اتفاق من هذا النوع، طالما أنه يلبي الاحتياجات الإيرانية، لكن يجب التدقيق في نوعية البضائع التي سترسلها روسيا لطهران، داعيا لانتقاء ما تحتاجه البلاد في الحقيقة.

ورأى أن العلاقات الاقتصادية تخلق تعاونا سياسيا استراتيجيا، معتبرا أن إيران تسعى لتطبيق هذه المعادلة مع عدد من الأطراف بما يرفع من مستوى أمنها الاقتصادي بالنتيجة.
وأشار إلى أهمية التركيز على فوائد اتفاق المقايضة وتطبيق اتفاقيات مماثلة مع دول ثانية للحصول على ما تحتاجه إيران، التي من الممكن أن تقايض الغاز الطبيعي مثلا مع دول قريبة كأرمينيا وجورجيا مقابل الحصول على الماء.
بالنسبة لبعض الخبراء فالفرص التي قد يخلقها اتفاق مقايضة النفط مع موسكو قد تكون بتنويع زبائن إيران في قطاع الطاقة، وتوزيعهم على أكثر من جبهة، فمن الممكن أن تشكل بعض الضغوط الاقتصادية على غرار العقوبات الماضية على علاقات إيران مع مستوردي النفط، وهو ما حصل بالفعل قبيل الاتفاق النووي بسنوات معدودة.

بذات الوقت قد تشكل مقايضة النفط بما تحتاجه البلاد كالخدمات، ثروة بالنسبة لطهران، التي من الممكن أن تحصل على التقنيات والخدمات الروسية في حقولها النفطية، وهو ما يعني أن المنفعة الإيرانية قد تتحول لاستراتجية هامة.
لكن الخبير في العلاقات الإيرانية الروسية حسن بهشتي بور، قال إن مقترح اتفاق المقايضة جاء أساسا حين كانت إيران مازالت ترزح تحت عقوبات الغرب النووية، فحاولت طهران تصدير نفطها لروسيا، مقابل الحصول على بضائع تحتاج إليها، وحتى للنقد، في وقت كانت تصعب عليها التعاملات المالية مع الآخرين.

وأوضح بهشتي بور لـ "العربي الجديد" أن الإشكال بين وزارة النفط الإيرانية والمعنيين في روسيا، تجدد عدة مرات بسبب مسألة الأسعار، فكيف يمكن تحديد صفقة دقيقة طالما أن الأسعار النفطية متغيرة، فضلا عن تباحثهما مرارا عن كيفية تحديد كمية البضائع مقابل كميات النفط التي ستضخ لروسيا.
وحسب بور فإن العرض يشمل تقديم أسعار مغرية للنفط الإيراني، ومن غير الواضح حتى الآن مدة العقد الزمنية، وما إن كانت ستكون طويلة المدى أو أنها ستكون لمدة خمس سنوات وحسب، كما أعربت بعض المصادر.

وبوجود هذه المعطيات، تساءل العديد من المعنيين في الشأن الاقتصادي الإيراني، فضلا عن بعض المواقع الإلكترونية التي تركز على الساحة الاقتصادية، عن سبب تطبيق اتفاق من هذا النوع في المرحلة الحالية، وعن فوائده التي قد تجنيها إيران بالدرجة الأولى، ولاسيما أن روسيا بلد نفطي كبير، فاستغرب البعض سبب موافقتها.
وكتب موقع "إنرجي أمروز" الإيراني أن روسيا تنتج ما يقارب 11 مليون برميل نفط خام يوميا، وهو ما يجعلها من أكبر المنتجين في العالم، وكانت وزارة النفط الإيرانية قد أعلنت عن هذه الصفقة بقيمة 20 مليار دولار تقريبا، لتبيع إيران النفط إلى روسيا ومنها لدول ثانية.

ومن المرجح أن تكون الفوائد الروسية في السوق الهندية على الأرجح، بحسب هذا الموقع، وكانت شركة روس نفط، قد اشترت شركة أسار أويل للنفط والبرتوكيماويات في الهند بقيمة 13 مليار دولار في وقت سابق.
والجدير بالذكر أن نقل النفط الروسي للهند صعب للغاية، فإما أن تستخدم البحر الأسود كون العبور من البوسفور وقناة السويس مكلفا ويتطلب ناقلات خاصة، أو أن تنقله لها عبر شمال أوروبا وهو طريق طويل للغاية، بالتالي سيكون نقل النفط من إيران للهند مباشرة أسهل بكثير.

ورغم كل الصعوبات، لا يمكن لروسيا أن تستغني عن السوق الهندية أو أن تعطيها لمنتجي نفط آخرين وسيكون نقل النفط الذي ستبيعه إيران لها، عبر هذا البلد إلى الهند مباشرة أسهل وأسرع وأقل تكلفة.
بالمقابل فالاتفاق الذي تتحدث عنه وزارة النفط الإيرانية مازال يرتكز على سعر برميل نفط يتراوح حول الخمسين دولارا، وهو ما سيجعل المردود النقدي لإيران يتراوح بين 900 مليون إلى مليار دولار، في العام الواحد، وهو رقم غير مغر حسب البعض.

وكانت دائرة التسويق والشؤون الدولية في وزارة النفط الإيرانية قد أعلنت في وقت سابق أن الـ 50% التي ستدفعها روسيا نقدا ستكون باليورو، أما النصف الآخر فسيحتسب البضائع بالروبل، وأكدت أن إيران تحتاج لتجهيزات لمؤسساتها الحكومية وهو ما قد توفره لها روسيا وفق اتفاق المقايضة هذا.
ويبدو أن طرفي الاتفاق يريدون بنودا واضحة المعالم في ظل المتغيرات الحاصلة في سوق النفط، قبل خوض غمار تنفيذ الاتفاق.

وواصلت إيران زيادة إنتاجها النفطي منذ رفع العقوبات عنها مطلع العام الماضي 2016. وقال مدير الشركة الوطنية الإيرانية للنفط، علي كاردر، في تصريح لوكالة تسنيم الإيرانية في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إن بلاده تعتزم زيادة صادرات النفط بشكل متواز مع زيادة القدرة الإنتاجية داخل البلاد، مشيرا إلى أن إنتاج النفط الخام يبلغ أكثر من 3.8 ملايين برميل يوميا، متوقعا وصوله إلى 4 ملايين برميل يوميا خلال الأشهر الستة المقبلة.
واستبعد وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه، تأثر إنتاج النفط بموقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لوح في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بأنه قد يعمد إلى إلغاء الاتفاق النووي الموقع في 2015.



المساهمون