بدائل الكهرباء تستنزف جيوب الغزيين

بدائل الكهرباء تستنزف جيوب الغزيين

23 ديسمبر 2016
المحال التجارية تلجأ للمولدات(عبد الحكيم أبو رياش/ العربي الجديد)
+ الخط -
يواظب الفلسطيني هاني أحمد، مالك أحد المقاهي الشعبية في مدينة غزة، على توفير مبلغ يقارب 2500 شيكل شهرياً (650 دولاراً أميركياً) من أجل دفعها لتوفير التيار الكهربائي خلال ساعات العمل اليومية في مقهاه، عبر شراء الكهرباء من أحد مولدات الطاقة الموجودة بمنطقته. 
ويتحمل أحمد والمئات من مالكي المنشآت والمحال التجارية في قطاع غزة، نفقات إضافية لتوفير الكهرباء إلى جانب أجور العاملين والضرائب وغيرها من المصروفات، عدا عن آلاف المواطنين الذين يتسابقون لتوفير أية حلول بسيطة توفر لهم الإنارة والاحتياجات الأساسية فضلا عن البقاء متصلين عبر شبكات الإنترنت.
ويقول أحمد، في مقابلة مع لـ "العربي الجديد"، إن أزمة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة خلال اليوم، تتجاوز 12 ساعة في كثير من الأحيان، دفعته كما الكثيرين للبحث عن حلول أخرى لتوفيرها في ظل عجز السلطات الموجودة عن إنهاء الأزمة.
ويوضح أن النفقات التي يتحملها بشكل شهري تؤثر عليه مالياً بشكل ملموس في ظل حالة الركود الاقتصادي والأوضاع المعيشية الصعبة، التي يعيشها أكثر من مليوني مواطن في القطاع المحاصر إسرائيلياً منذ نحو 10 سنوات.
ويشير إلى أن استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي، على مدار السنوات العشر الماضية دون إيجاد أي حلول لها، استنزف أصحاب المشاريع بصفة خاصة بفعل التكاليف المرتفعة التي يدفعوها، وأثرت على أصحاب بعض المشاريع الذين اضطروا لإغلاق منشآتهم.
ويحتاج القطاع إلى نحو 500 ميغاواط، لكن لا يتوفر منها سوى قرابة 222 ميغاواط في أحسن الأحوال، وتأتي من ثلاثة مصادر، وهي: محطة غزة بنحو 80 ميغاواط، وخطوط كهرباء قادمة من الاحتلال بمقدار 120 ميغاواط، وأخرى مصرية بـ 22 ميغاوات.
ويقول ماهر الطباع، مدير العلاقات العامة في غرفة غزة التجارية، إنّ الغزيين تحملوا على مدار عقد من الزمن نحو 1.5 مليار دولار، أنفقت على مشاريع وحلول جزئية من أجل الحصول على التيار الكهربائي في ظل اشتداد أزمة انقطاعه لساعات طويلة.
ويشير الطباع في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن تكلفة إنشاء محطة طاقة جديدة لن تتجاوز 300 مليون دولار، ما يعني أن الغزيين أنفقوا على الحلول الجزئية ما يعادل خمسة أضعاف تكاليف بناء وإنشاء محطة جديدة تنهي أزمة انقطاع التيار الكهربائي.
ويستشهد بتجربته وسكان بنايته في شراء المولد وتوفير السولار اللازم لتشغيله، والتي تجاوزت مبلغ ربع مليون دولار خلال السنوات العشر الماضية، التي شهدت اشتداد أزمة انقطاع التيار الكهربائي.
ويوضح أن الكم الأكبر من الأموال، التي تم إنفاقها على هذه الحلول كانت لصالح شراء المولدات بأحجامها المختلفة وشراء السولار والبنزين لها، بالإضافة للبدائل الأخرى مثل البطاريات وأجهزة "يو بي أس" و"الليدات".
و"يو بي أس" عبارة عن جهاز له بطارية داخلية، وبإمكانه تأمين الكهرباء في فترة قصيرة جداً عند انقطاع التيار الكهربائي، ويكثر استعماله غالبا في المكاتب لاسيما مع الأجهزة الإلكترونية والحاسبات.
أما "الليد" ففكرته مستوحاة من فلاش كاميرا الهاتف المحمول، وهو عبارة عن شريط يضم أكثر من صف من الفلاشات، كالتي توجد في الكشاف الكهربائي المتداول في الأسواق، ويتم تشغيله بواسطة بطارية صغيرة تشحن بين الفينة والأخرى.
ويلفت مدير العلاقات العامة في غرفة غزة التجارية، إلى أن الآونة الأخيرة شهدت توجه البعض لشراء مولدات متوسطة وكبيرة الحجم، والعمل على بيع التيار الكهربائي بنظام مخصص في توجه استثماري لهذه المشاريع، في ظل تفاقم الأزمة وعدم وجود حلول لها، وبالرغم من خطورتها على حياة المواطنين.
وتتراوح تكلفة توفير سولار لمولد كهربائي بحجم 150 كيلو واط نحو 550 شيكل (140 دولارا) بشكل يومي، في حين يبلغ إجمالي ثمن شراء (يو بي أس) محلي الصنع نحو 2000 شيكل (510 دولارات)، أما تكلفة إنشاء شبكة "ليدات" عبر بطاريات صغيرة الحجم فتصل إلى 100 دولار.
ويؤكد نهاد نشوان، الخبير الاقتصادي، أن الحلول المؤقتة التي اتخذها الغزيون وسيلة للتغلب على أزمة انقطاع التيار الكهربائي كانت مكلفة جداً، في الوقت الذي لا تصل تكاليف إنشاء أي محطة جديدة لحجم الأموال المنفقة على هذه الحلول.
وتشتد أزمة التيار الكهربائي في القطاع بشكل كبير خلال فصلي الشتاء والصيف، إذ تتجاوز معدلات انقطاع التيار الكهربائي خلال ساعات اليوم الواحد 14 ساعة يومياً، بينما تقتصر ساعات وصولها على أربع ساعات إلى خمس في أفضل الأحوال.
ويقول نشوان لـ"العربي الجديد"، إن التكاليف البديلة للتيار الكهربائي لها مدة صلاحية ولا تستمر لفترات طويلة، لا سيما البطاريات التي تحتاج إلى تغيير شبه سنوي، نظراً لانتهاء العمر الافتراضي لها وعملها لساعات طويلة بفعل أزمة انقطاع الكهرباء.
ويلفت إلى أن أزمة الكهرباء التي يعاني منها القطاع منذ عشر سنوات أدت لانهيار قطاعات اقتصادية خصوصاً، التي تعتمد في عملها على الكهرباء، حيث بلغت نسبة المنشآت التجارية التي أغلقت نحو 30%.
ويضيف أن الوحدات الاقتصادية العاملة في القطاع تستهلك يومياً ما لا يقل عن 100 إلى 200 شيكل من أجل شراء السولار وتوفيره لمولداتهم الصغيرة في الوقت الذي تتكبد فيه المصانع الكبيرة مبالغ مالية كبيرة للغاية.

ويشير نشوان إلى أن سلطة الطاقة تدفع شهرياً نحو 30 مليون شيكل (7.6 ملايين دولار) من أجل شراء السولار لصالح محطة توليد الكهرباء بمجموع سنوي يصل إلى 360 مليون شيكل (92 مليون دولار)، تشمل ضريبة "البلو" وضرائب أخرى تفرضها وزارة المالية في رام الله.
و"البلو" ضريبة مفروضة على المحروقات في الأراضي الفلسطينية، ويبلغ متوسط قيمتها قرابة 3 شواكل (0.77 دولار) على كل لتر من الوقود، ويجري تحصيلها من قبل وزارة المالية والهيئة العامة للبترول في مؤسسات السلطة الفلسطينية.
وكان القطاع يستهلك قبل عام 2007 ما بين 35 و40 مليون لتر من الوقود شهرياً، إلا أن حجم الكميات التي تصل غزة تراجع بشكل تدريجي، إثر إغلاق الاحتلال للمعابر الحدودية، وتوقف الحركة التجارية، بالإضافة إلى توقف مئات المصانع والمنشآت الاقتصادية بسبب تداعيات الحصار المشدد.
ويرى نشوان أن "استمرار أزمة التيار الكهربائي في ظل المرحلة الحالية، والنفقات الكبيرة التي تدفع على البدائل المؤقتة وحتى السولار، الذي يجري شراؤه من قبل وزارة المالية برام الله، يؤكد أن بعض الأطراف مستفيدة ومعنية باستمرار الأزمة".
وتأسست محطة كهرباء غزة في العام 1999 برأس مال لم يتجاوز في حينه 60 مليون دولار، وطيلة هذه المدة لم يجر إلزام الشركة المالكة لها بالعمل على تطويرها وتوسعتها بما يتناسب مع أعداد السكان المتزايدة في القطاع.
ويؤكد أحمد أبو العمرين، مدير مركز المعلومات في سلطة الطاقة، أن الإشكالية الحقيقة التي تعترضهم هي وجود موانع سياسية تحول دون حل وإنهاء أزمة التيار الكهربائي المتفاقمة طيلة السنوات الماضية.
ويقول أبو العمرين لـ "العربي الجديد" إن هناك تمويلا موجودا لتوسيع محطة الطاقة الكهربائية بغزة وتمويلا لإنشاء خط غاز، بالإضافة إلى تمويل لربط غزة مع شبكة الربط العربية، فضلاً عن خط للكهرباء قادم من داخل الأراضي المحتلة عام 1948، إلا أن رفض الاحتلال وبعض الجهات الحكومية والدولية يعيق تنفيذ هذه الحلول.
ويشير أبو العمرين إلى أنّ الضرائب التي تفرضها وزارة المالية والهيئة العامة للبترول على السولار الخاص بمحطة توليد الطاقة يعيق تشغيلها بكامل طاقتها التي تبلغ 4 مولدات ويقتصر تشغيلها على مولدين فقط.
ويوضح أن سلطة الطاقة في حال دفعت 100 مليون شيكل (25.2 مليون دولار) لشراء الوقود فإن نحو نصف هذا المبلغ يذهب لخزينة وزارة المالية في رام الله، وهي بعد إعفاء جزئي من ضريبة البلو بالإضافة للضرائب الأخرى التي تفرض على الوقود.
ويشدد مدير مركز المعلومات في سلطة الطاقة، على أن إعفاء الوقود القادم لمحطة توليد الكهرباء بشكل كلي من الضرائب المفروضة عليه سيدفع باتجاه شراء كميات أكبر من الوقود ستؤدي لتشغيل المحطة بكامل قدرتها التشغيلية.
ويقول أبو العمرين إن إجمالي الإعفاء المتعلق بالسولار يبلغ 80% فقط من ضريبة البلو، في حين هناك 20% يجري دفعها، بالإضافة إلى ضريبة القيمة المضافة ومجموعة من الضرائب التي تتحصل عليها خزانة وزارة المالية التابعة للسلطة الفلسطينية.
وبالإضافة إلى الضرائب المفروضة على الوقود، فإن عدم التزام الكثير من الغزيين أيضا في دفع فاتورة الكهرباء أسهم في عجز سلطة الطاقة عن توفير الأموال اللازم من أجل شراء كميات أكبر من الوقود لتشغيل محطة التوليد بكامل قدرتها التشغيلية التي تصل إلى 100 ميغاواط.
ويقول طارق لبد، مدير العلاقات العامة والإعلام في شركة توزيع الكهرباء، إن إجمالي ما يجري تحصيله من المواطنين لا يتجاوز نحو 25 مليون شيكل (6.3 ملايين دولار) شهرياً، ما يوازي ثلث فاتورة الكهرباء فقط، ما يؤدي لعجز الشركة عن شراء كميات أكبر من السولار.
وشهدت معدلات الفقر ارتفاعاً كبيراً في صفوف الفلسطينيين، لتصل إلى 45% في نهاية العام الماضي 2015 وفقاً لتقرير البنك الدولي، مقابل 33.2% عام 2006.
ويضيف لبد في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن 60 ألف مشترك غير ملتزمين بدفع ثمن فاتورتهم الشهرية، حيث وصل حجم ديونهم المتراكمة لصالح الشركة لأكثر من ملياري شيكل (510 ملايين دولار)، لافتا إلى أن من بين غير الملتزمين بالسداد تجارا ونحو ألف من موظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا".
ويشير إلى أن نحو 22 مليون شيكل من المبلغ الذي يتم تحصيلها يذهب لشراء وقود لتشغيل مولدين من مولدات محطة توليد الكهرباء بغزة الأربعة، وفي حال تحسن تحصيل المستحقات فمن الممكن شراء كميات أكبر لتشغيلها جميعاً.
ويؤكد لبد أن شركة توزيع الكهرباء وضعت خطة متكاملة تهدف لإلزام جميع المشتركين بسداد ثمن فاتورة الكهرباء خلال العام المقبل، مع مراعاة أوضاع الأسر الفقيرة من خلال متابعة ملفها من قبل وزارة التنمية الاجتماعية وبعض المانحين.