وزارة القروض والأموال الساخنة (المالية سابقاً)

وزارة القروض والأموال الساخنة (المالية سابقاً)

21 يوليو 2022
وزير المالية المصري محمد معيط يتحدث عن أهمية الاستثمار المباشر (فيسبوك)
+ الخط -

لسنوات طويلة، كانت أغلب التصريحات الصادرة عن وزراء المالية في مصر منصبة على عنوانين رئيسيين هما القروض والأموال الساخنة، باعتبارهما أكبر داعمين لمعدل النمو من وجهة نظر صانع السياسة الاقتصادية والمالية وربما النقدية، وأهم مصدرين لتغطية العجز في الموازنة العامة والفجوة التمويلية، وتمويل المشروعات القومية، ودعم استقرار سوق الصرف وتقوية العملة المحلية مقابل الدولار، وتغطية وعلاج عجز الميزان التجاري المزمن وهو الفارق بين الصادرات والواردات.

وفي وقت لاحق تمت إضافة عنوان ثالث هو الجباية بسبب افراط وزارة المالية الشديد في فرض مزيد من الضرائب والرسوم الحكومية، والتوسع في ملاحقة المواطن، سواء موظف أو مستثمر، بالأعباء المالية بهدف زيادة الإيرادات العامة.

على مستوى العنوان الأول، كانت الصحف والفضائيات المصرية تنقل، وبشكل شبه يومي، عن وزراء المالية المتعاقبين، تصريحات وبيانات ترصد أبرز نجاحاتهم في فتح أسواق استدانة جديدة، والحصول على قروض خارجية بمليارات الدولارات خلال فترة وجيزة، والإبقاء على اسم مصر مستمرا في سوق الدين العالمي، بل وتحتل قائمة أكبر المقترضين الدوليين وبسعر فائدة يعد الأعلى في العالم على الدولار.

لا يكاد يمر يوم واحد حتى نفاجأ بما هو جديد في ملف الاستدانة الذي كانت ترصده بيانات وزارة المالية المثيرة للاستياء والحزن

ولا يكاد يمر يوم واحد حتى نفاجأ بما هو جديد في ملف الاستدانة الذي كانت ترصده بيانات وزارة المالية المثيرة للاستياء والحزن على مدى سنوات.

فاليوم هناك مفاوضات مع عدد من المؤسسات المالية وبنوك الاستثمار الدولية حول قرض جديد بقيمة ملياري دولار، وأمس حصلت الحكومة على قرض جديد من بنك الاستثمار الأوروبي أو غيره من المؤسسات الأوروبية.

وأول من أمس، تلقت الحكومة الشريحة السادسة من قرض صندوق النقد الدولي البالغة قيمته الاجمالية 12 مليار دولار، وبعد غد، وفد مصري يصل إلى أبيدجان، عاصمة كوت ديفوار، حيث يقع مقر البنك الأفريقي للتنمية، للتفاوض على قرض بقيمة 5 مليارات دولار، وغدا الحكومة ستطرح سندات دولية في سوق لندن لاستدانة 3 مليارات دولار ولمدة 40 سنة.

وهناك اتفاق على قرض جديد تم الحصول عليه من البنك الإسلامي للتنمية بقيمة 6 مليارات دولار لتمويل واردات مصر من الوقود والأغذية، وقروض أخرى جاري التفاوض بشأنها مع البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد، ومع حكومات دول أجنبية منها الصين واليابان وألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا.

أما بالنسبة لجديد القروض التي كانت تتباهى بها وزارة المالية، فهو نجاحها في تأجيل سداد ديون مستحقة لدول الخليج على البلاد، وحسب البيانات التي كانت تصدر عن الوزارة فقد تم الاتفاق مع حكومات هذه الدول على تجديد ودائع بقيمة 5 مليار دولار كان من المتوقع سدادها نهاية العام الجاري، إلا أنه جرى الدخول في مفاوضات أسفرت عن تأجيل سداد هذا المبلغ لمدة 3 سنوات وبنفس سعر الفائدة المستحق عليها.

النتيجة النهائية لهذا السباق هو حدوث قفزة في الدين الخارجي لمصر، حيث يتجاوز الرقم حاليا أكثر من 160 مليار دولار

وكانت وزارة المالية تتفنن في اختيار أسماء جذابة للقروض الخارجية، بل وتطلق عليها أسماء "دلع"، فهذه قروض خضراء تراعي البيئة، وهذه قروض ساموراي لأنه حُصل عليها من اليابان، وتلك صكوك لأنها تتفق وأحكام الشريعة، ورابعة من التنين الأصفر أي من الصين، وقد سابقنا نحن الصحافيين الوزارة في قصة اختيار أسماء "دلع" لتلك القروض، فتلك قروض "تيك أواي" نظرا لسرعة الحصول عليها، أو قروض "جامبو" نظرا لضخامتها.

والنتيجة النهائية لهذا السباق هو حدوث قفزة في الدين الخارجي لمصر، حيث يتجاوز الرقم حاليا أكثر من 160 مليار دولار، مقابل 43 مليار دولار فقط في منتصف العام 2014، أي أن مارثون الحكومة ووزير ماليتها أسفر عن اقتراض ما يقرب من 120 مليار دولار خلال فترة لا تتجاوز 8 سنوات، على الرغم من العثرات التي تعرضت لها موارد مصر من النقد الأجنبي في سنوات سابقة، خاصة من أنشطة السياحة والاستثمارات الأجنبية، وزيادة كلفة الواردات بسبب أوضاع محلية وعالمية، آخرها حرب أوكرانيا وقبلها موجة تضخمية عالمية وجائحة كورونا وتعثر سلاسل الامدادات.

ومع تكثيف عمليات الاقتراض الخارجي، أطلق البعض على وزارة المالية أسم وزارة القروض "المالية سابقا"، بسبب ضخامة القروض التي تم الحصول عليها والتي أسيئ استخدامها، حيث جرى توجيهها لتمويل مشروعات قصيرة الأجل رغم أنها قروض طويلة الأجل، كما جرى توجيه بعضها لتمويل مشروعات لا تدر عائداً بالنقد الأجنبي بحيث تُستخدم لسداد أعباء واقساط الدين الخارجي.

والنتيجة تحميل الموازنة العامة للدولة بكل هذه الأعباء الضخمة والتي قدرتها مؤسسات دولية بنحو 100 مليار دولار مطلوب سدادها لدائنين دوليين واقليميين خلال فترة زمنية لا تتجاوز 5 سنوات، في حين قدرت وزارة المالية الأموال المطلوب سدادها خلال العام الجاري 2022-2023، بنحو 1.5 تريليون جنيه، وهو مبلغ يفوق الإيرادات العامة للدولة خلال العام المالي الجاري.

فوفق بيانات المالية نفسها، مطلوب سداد 965.5 مليار جنيه (51 مليار دولار) تمثل أقساط أصل الدين المستحق خلال عام، وسداد 690.1 مليار جنيه قيمة تكلفة خدمة الدين المستحق خلال العام أي 33.3% من إجمالي المصروفات (أكبر بند في المصروفات) بزيادة قدرها 19%، أو ما يوازي نصف الإيرادات.

ظللت أكتب لسنوات عن مخاطر الأموال الساخنة ووصفتها بالاستثمارات الغدارة الخائنة التي تبيع الدول وتهرب للخارج في أي لحظة

العنوان الثاني الذي كان يحتل النصيب الأكبر في بيانات وزارة المالية خلال السنوات الماضية هو الحديث عن الأموال الساخنة، والتي كان ينظر إليها بعض المسؤولين على أنها أسرع الأدوات في تغطية عجز الموازنة والفجوة التمويلية وحماية الجنيه المصري من مخاطر الانزلاق مقابل الدولار، بل كانوا يتفاخرون بتدفق هذه النوعية من الأموال باعتبار ذلك أحد مؤشرات نجاح ما أطلقوا عليه "برنامج الاصلاح الاقتصادي".

وقد ظللت أكتب، ولسنوات، عن مخاطر الأموال الساخنة على الاقتصاد المصري واستقرار سوق الصرف الأجنبي وعملة الجنيه، ووصفتها بالاستثمارات الغدارة الخائنة التي تبيع الدول وتهرب للخارج في أي لحظة، وهو ما جرى خلال العام الجاري حيث هرب نحو 20 مليار دولار. وبعدها جرى ما جرى، وللأسف كان يُضرب بهذه الكتابات وغيرها من نصائح خبراء اقتصاديين وماليين عرض الحائط.

كما طالبت ولسنوات أيضا بالتركيز على الاستثمارات المباشرة لأنها الأفضل للاقتصاد المصري، خاصة أنها تساهم في توفير فرص عمل والحد من الواردات وزيادة الصادرات ورفد الاحتياطي بالنقد الأجنبي بالسيولة الكافية التي تمكنه من تمويل الواردات والدفاع عن العملة، والغريب أن هذا الكلام كان لا يعجب أناساً كانوا أو لا يزالون في موقع اتخاذ القرار.

الآن وبعد نحو 9 سنوات من التفاخر بالاقتراض والأموال الساخنة، وجدنا تغيرا في تصريحات كبار المسؤولين عن السياسة الاقتصادية والمالية في مصر، فقد زاد الحديث عن ضرورة تشجيع الاستثمار المباشر وضرورة جذب مزيد من الأموال الخارجية، كما زاد الكلام في الإعلام الحكومي والخاص عن خطورة الاعتماد على الأموال الساخنة.

وهذا تغير محمود ومطلوب، وأرجو أن يكون توجها صادقا وسياسة مستمرة وليست مؤقتة، وأن تعمل السلطات المسؤولة على تهيئة المناخ لهذا النوع من الاستثمار، لأنه ليس بالشعارات البراقة يُشجّع الاستثمار المباشر وتُجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة الهاربة، ولنا عودة للحديث عن هذه النقطة.

المساهمون