هل تفلس مصر؟

هل تفلس مصر؟

24 ابريل 2022
تراجع الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري (العربي الجديد)
+ الخط -

الإجابة بالطبع لا، رغم أن الحديث عن إفلاس مصر من قبل البعض يأتي هذه الأيام انطلاقا من قياسات وتجارب واقعية، منها ما حدث مؤخرا لدول نامية تعاني من أزمات مالية واقتصادية حادة مثل حالتي لبنان وسريلانكا، وقبلهما الأرجنتين، أو اقتراب اقتصادات عربية لحافة الإفلاس والتعثر المالي كما هو الحال مع اليمن وسورية والسودان وتونس، وربما تأتي توقعات إفلاس مصر من قبل البعض في إطار المناكفة السياسية وربما التخويف، وأحيانا من باب الجهل بالوضع الاقتصادي المحلي والعالمي، وربما من باب المبالغة.

أسباب استبعاد إفلاس مصر من وجهة نظري كثيرة، منها ما هو تاريخي مثل التزام الدولة بسداد أعباء الديون المستحقة عليها في المواعيد المحددة، وعدم تخلّفها عن السداد حتى في ذروة فترات الأزمات المالية والاقتصادية التي مرت بها البلاد، كما حدث في فترة التسعينيات من القرن الماضي وعقب اندلاع ثورة يناير 2011 وفي نهاية عام 2016 وقبيل الحصول على قرض صندوق النقد الدولي ودائنين آخرين.

من بين الأسباب التي تستبعد إفلاس مصر ما هو عملي مثل استمرار تدفق الإيرادات الدولارية على البلاد وتجاوز قيمتها 120 مليار دولار في السنة

ومن بين الأسباب التي تستبعد إفلاس مصر ما هو عملي مثل استمرار تدفق الإيرادات الدولارية على البلاد وتجاوز قيمتها 120 مليار دولار في السنة، متحصلة من أنشطة حيوية، مثل الصادرات السلعية والبترولية، وتحويلات المغتربين، والسياحة، وقناة السويس والاستثمارات المباشرة.

إضافة إلى وجود قاعدة صناعية وإنتاجية وزراعية وخدمية ضخمة لدى مصر، مع تنوع الاقتصاد المصري وعدم اعتماده على مصدر واحد أو مصدرين للإيرادات العامة، ووجود طلب متزايد على المنتجات المصرية في الأسواق العالمية، وتزايد الفرص أمام زيادة صادرات مصر من الغاز الطبيعي، مع الإقبال المتزايد عليه خاصة من القارة الأوروبية وغلاء سعره.

كما أن تحسّن أسعار النفط في الأسواق العالمية يمكن أن يدفع دول الخليج إلى تأجيل المطالبة بديونها المستحقة على مصر والتي تقدر بأكثر من 20 مليار دولار وتمديد أجلها لسنوات أخرى كما حدث من قبل، كما قد يدفعها أيضا إلى زيادة جرعة القروض، أو الودائع المساندة، والمساعدات النقدية والاستثمارات المباشرة وذلك على غرار الخمسة مليار دولار التي ضختها السعودية نقدا في احتياطي مصر الأجنبي قبل أيام، وكذا مبلغ مماثل مقدم من قطر في صورة استثمارات مباشرة، وملياري دولار من الصندوق السيادي الإماراتي.

إذا كان إفلاس مصر أمر مستبعد، فما الذي يحدث بالضبط؟ ولمَ التقديرات المتشائمة الصادرة بشأن الاقتصاد المصري عن مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة والتنمية الدولية "أونكتاد"، ومؤسسات التصنيف العالمية الكبرى مثل فيتش وستاندرد أند بورز، وكذا من وسائل الإعلام العالمية المرموقة مثل بلومبيرغ ورويترز والإيكونومست وغيرها؟

مصر تعاني من أزمة سيولة دولارية تضغط بقوة على الجنيه المصري واحتياطي البلاد من النقد الأجنبي الذي تراجع بشدة في شهر مارس الماضي

وفق هذه المؤسسات، فإن مصر تعاني من أزمة سيولة دولارية تضغط بقوة على الجنيه المصري واحتياطي البلاد من النقد الأجنبي الذي تراجع بشدة في شهر مارس الماضي، أزمة دفعت البنك المركزي المصري إلى خفض قيمة العملة بنحو 18% وربما أكثر مع استمرار تراجع الجنيه، وزيادة سعر الفائدة، ووضع قيود شديدة على عملية الاستيراد.

وهذه الأزمة ناتجة عن أسباب عدة، أبرزها الإفراط في الاقتراض، والذي رفع الدين الخارجي للبلاد بقيمة 100 مليار دولار، وهو معدل قياسي، خلال فترة لا تتجاوز 8 سنوات، ليصل إلى 145 مليار دولار بنهاية عام 2021 وتجاوزه 150 مليار دولار وربما أكثر حاليا، وهذا الرقم يجعل مصر ثاني أكبر المقترضين من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين.

زيادة الاقتراض الخارجي بمعدلات غير مسبوقة خلقت أزمة كبيرة للموازنة العامة، ويكفي للتدليل على ذلك تخصيص الموازنة الجديدة لمصر للعام 2022/2023 أكثر من 690 مليار جنيه من الإيرادات العامة لسداد بند واحد هو الفوائد المستحقة على الدين العام.

كما خصصت الموازنة الجديدة 960.4 مليار جنيه لسداد بند آخر هو القروض المحلية والأجنبية، وهذا يعني أن البند المتعلق بسداد الديون وأعبائها سيلتهم تريليوناً و655 مليار جنيه، وهو ما يفوق إيرادات الدولة في عام والبالغة تريليوناً و517 مليار جنيه.

هذا الوضع الشائك سيؤثر سلباً على إنفاق الدولة على أمور حيوية كثيرة منها الدعم والتعليم والصحة والبنية التحتية والاستثمارات العامة، وسيدفع الحكومة نحو الاستمرار في سياسة زيادة الضرائب والرسوم والأسعار، وخفض الدعم المقدم لسلع رئيسية مثل البنزين والسولار والغاز والسلع الغذائية وغيرها من السلع والخدمات المرتبطة مباشرة بالمواطن.

الحرب الروسية على أوكرانيا خلقت تحدياً كبيراً للاقتصاد، خاصة مع هروب 15 مليار دولار من الأموال الساخنة، والضغط على العملة واحتياطي النقد الأجنبي

كما ساهمت الأزمات الاقتصادية العالمية في تأزيم الاقتصاد المصري والتأثير على إيراداته خاصة من السياحة والاستثمارات المباشرة، فقد تعرض الاقتصاد لأربع صدمات خلال فترة وجيزة هي جائحة كورونا ثم الموجة التضخمية العالمية، فزيادة أسعار الفائدة على الدولار.

وأخيراً الحرب الروسية على أوكرانيا والتي خلقت تحدياً كبيراً للاقتصاد المحلي، خاصة مع هروب 15 مليار دولار من الأموال الساخنة دفعة واحدة خلال شهر واحد هو مارس 2022، والضغط على العملة المحلية واحتياطي النقد الأجنبي.

حرب أوكرانيا مثلت ضربة قوية للاقتصاد المصري، حيث تسببت في إحداث قفزة في أسعار الحبوب والزيوت خاصة وأن مصر أكبر دولة مستوردة للقمح والزيوت في العالم، فقد أحدثت زيادة في كلفة واردات القمح بنحو مليار دولار؛ إذ إنّ مصر تستورد 80% من احتياجاتها من القمح من الدولتين المتحاربتين.

كما تسببت الحرب في تراجع الإيرادات السياحية المتدفقة على مصر بشدة؛ حيث إن السوقين الروسي والأوكراني يغذيان مصر بملايين السياح سنوياً ويشكلان نحو 40% من حجم السياحة الشاطئية التي تأتي إلى مصر.

موقف
التحديثات الحية

إزاء هذه الأزمات الشديدة التي لا يجب التقليل من تداعياتها الخطيرة على المواطن والأسواق واقتصاد الدولة، ما العمل إذاً؟ وهل بمقدور الحكومة استيعاب الصدمات العنيفة التي تواجه مصر، ومنها صدمة الأزمة المالية، خاصة المتعلقة بنقص السيولة، وزيادة عبء الدين الخارجي والداخلي، وارتفاع الفجوة التمويلية التي تتجاوز 17 مليار دولار سنوياً؟

وكيف يتم احتواء أزمة عجز الميزان التجاري، الفارق بين الصادرات والواردات، والبالغة نحو 40 مليار دولار وتضغط على سوق الصرف وقيمة الجنيه بشكل مستمر، ومن أين يٌعاد بناء الاحتياطي الأجنبي المتراجع لدى البنك المركزي؟

وهل قرض صندوق النقد الجديد الذي يجري التفاوض عليه الآن يمثل طوق نجاة للاحتياطي والأزمة المالية، أم يعمقها مع ترحيلها للمستقبل؟ وماذا عن موجة غلاء الأسعار، متى تتوقف؟

هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى وقفة جادة من الحكومة، وإلى خريطة طوارئ اقتصادية سنحاول رسم أبرز ملامحها في مقال لاحق.