نتنياهو الفاسد والتشبُّث بالسلطة حتى آخر رمق

نتنياهو الفاسد والتشبُّث بالسلطة حتى آخر رمق

23 مارس 2021
ناقمون على رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يتظاهرون في تل أبيب (Getty)
+ الخط -

سيجد الإسرائيليون أنفسهم مضطرين للذهاب إلى صناديق الاقتراع اليوم 23 مارس/آذار 2021، للمرّة الرابعة خلال عامين فقط، وتحديداً بعد ثلاثة انتخابات فشلت في التخلُّص من بنيامين نتنياهو المتورِّط في سلسلة من قضايا الفساد المالي والرشى والملاحقات القضائية، والمتشبِّث بالسلطة والمتمسِّك بكرسي الحكم باستخدام كافة الوسائل أهمها التطبيع مع بعض الدول العربية الذي قد يكون ورقته الرابحة التي تنصر حزبه في هذه الجولة من الانتخابات البرلمانية أيضاً.

ليُسيل لعاب الإسرائيليين، تعهّد نتنياهو، من خلال مقابلة له مع القناة العبرية 13 يوم 20 مارس/آذار 2021، بأنَه إذا فاز في الانتخابات المقبلة سيُوفِّر لهم رحلات جوية مباشرة من تل أبيب إلى مكة المكرمة.

لكن من جهة أخرى قد لا يتمكَّن التطبيع مع عدد من الدول العربية من تقزيم وتهميش التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا، حيث يعتبر تعامل الحكومة مع هذه الجائحة متغيِّراً مهماً في الانتخابات الحالية، فقد أشار استطلاع للرأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي في 29 و30 ديسمبر/كانون الأول 2020، إلى أنّ 24 بالمائة فقط من الإسرائيليين منحوا حكومتهم درجة جيّد أو ممتاز من ناحية إدارة أزمة فيروس كورونا و21 بالمائة فقط من المستجوبين قالوا إنهم راضون عن أداء حكومتهم من ناحية إدارة وتعزيز الاقتصاد الإسرائيلي و12 بالمائة فحسب من المستجوبين يرون أنّ أداء حكومتهم كان جيّداً من ناحية تعزيز ثقة الشعب بقادته.

وتتناقض هذه الأرقام بشكل ملحوظ مع 57 بالمائة و48 بالمائة من الإسرائيليين الذين أشادوا بأداء حكومتهم في مجالات السياسة الخارجية والأمن القومي التي يُتقن نتنياهو استعراض عضلاته فيها، على التوالي.

هناك شريحة كبيرة من الإسرائيليين الذين ضاقوا ذرعاً بإنجازات نتنياهو السياسية التي لم تُنقذ 5500 شخص من مقصلة كورونا في إسرائيل، ولم تُحسِّن أوضاع ما يزيد عن مليوني إسرائيلي يعيشون تحت خط الفقر من أصل 9 ملايين نسمة، وسيلتحق بتلك الشريحة كثيرون آخرون من الناقمين على نتنياهو، خصوصاً بعد تلاشي بريقه في البيت الأبيض بقدوم جو بايدن الذي انتظر حتى 17 فبراير/شباط 2021، أي بعد حوالي شهر من انتقاله إلى البيت الأبيض، للتحدّث معه، وهي حقيقة لم تغب عن أعين مراقبي العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

ممّا لا شكّ فيه أنّ المزيد من الإغراءات الاقتصادية والتحفيزات المالية قد تجعل تلك الشريحة أكثر استعداداً للتصويت لصالح نتنياهو الذي مثل أمام المحكمة المركزية بالقدس المحتلة في 8 فبراير/شباط 2021 بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.

نتنياهو متورِّط في سلسلة من قضايا الفساد المالي والرشى والملاحقات القضائية، ومتشبِّث بالسلطة ومتمسِّك بكرسي الحكم

مع حلول يوم الانتخابات، ورضوخاً لمطالب الإسرائيليين بالعودة إلى الحياة الطبيعية، سرَّع نتنياهو عملية التلقيح ضدّ فيروس كورونا التي استفاد منها 52.5 بالمائة من الإسرائيليين، كما شرع في المرحلة الأولى من فتح الاقتصاد التي انطلقت في 21 فبراير/شباط 2021 والتي شملت العديد من الأعمال، بما في ذلك المحلات التجارية ومراكز التسوُّق والمؤسسات الثقافية، مُمرِّراً رسالة للإسرائيليين مفادها أنّه كان على قدر المسؤولية في وضع إسرائيل على المسار الصحيح للتعافي السريع.

لكن الرياح الكورونية أبت إلا أن تجري بما لا يشتهي نتنياهو، فقد حذَّر أحد كبار المستشارين الطبيين لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي في موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية (Ynet) في 10 فبراير/شباط 2021 بأنّ رفع قيود الإغلاق الثالث لن يؤدِّي إلا إلى فرض إغلاق رابع عند ارتفاع عدد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا، وأنّ عملية إعادة فتح الاقتصاد بشكل آمن لن تكون ممكنة إلاّ إذا تمّ تطعيم 90 بالمائة من الإسرائيليين، وفي الواقع لا تزال إسرائيل بعيدة عن ذلك.

لا تزال الحكومة الإسرائيلية تفتقر إلى استراتيجية فعّالة للخروج من أزمة كورونا واستعادة النشاط الاقتصادي، وكثير من الإسرائيليين على علم بمحدودية قدرات الأحزاب المترشِّحة للانتخابات من ناحية تحسين الأوضاع، فقد وافق 34.5 بالمائة من الإسرائيليين المستجوبين على العبارة التي تقول "لا يهم لمن تُصوِّت، فهذا لا يُغيِّر الوضع" وفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي مؤخراً.
وعندما سُئِل المستجوبون عن أكثر القضايا أهمية من وجهة نظرهم عند تحديد الحزب الذي سيصوِّتون له، أفاد 29.5 بالمائة منهم بأنّ مواقف الحزب من القضايا الاقتصادية هي حالياً العامل الأهمّ في تقرير التصويت له من عدمه، وشدَّد 27 بالمائة منهم على أهمية القضايا الاجتماعية.

وأكَّد 22 بالمائة منهم على أهمية القضايا العسكرية والأمنية، وأشار 2 بالمائة منهم إلى أهمية القضايا البيئية، بينما قال 19.5 بالمائة منهم إنّهم لا يعلمون ما هي القضايا الأكثر أهمية والتي ينبغي التركيز عليها عند التصويت لحزب معين دون غيره، وعلى الأرجح هذه هي الفئة التي يفعل نتنياهو ما بوسعه لضمِّها إلى مناصريه من خلال شطحاته السياسية ووعوده الانتخابية.
وفي نفس الاستطلاع، أفاد 28 بالمائة من المستجوبين بأنّ نتنياهو هو الأنسب ليكون رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل، وأشار 44 بالمائة من المستجوبين إلى أسماء أخرى أجدر بمنصب رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل، بينما أكَّد 22 بالمائة من المستجوبين أنّ لا أحد من الأفراد المذكورين بمن فيهم نتنياهو، مناسب لهذا المنصب.
وكالعادة، مع حلول موعد الانتخابات، لا يُفوِّت نتنياهو فرصة إبراز مهاراته الخارقة في بيع الوعود خصوصاً تلك المتعلقة بتقديم الإعانات التي ستساهم بشكل كبير في بعث الروح من جديد في النشاط الاقتصادي وإرجاع بصيص الأمل للعاطلين عن العمل والذين تجاوز عددهم المليون إسرائيلي.

لقد استغلّ نتنياهو الفراغ السياسي الحالي تحت غطاء جائحة كورونا لتركيز السلطة بين يديه والتشبُّث بمنصبه بعد ثلاثة انتخابات غير حاسمة، وحتى إن تمكَّن من حماية صحة الإسرائيليين وإنقاذ أرواحهم في ظلّ استمرار التهديد البيولوجي سريع الحركة، فلن يحمي ديمقراطيتهم (المحصورة بفئة من السكان) والتي تموت شيئاً فشيئاً ولن يجعل تضحياتهم لتحسين اقتصادهم إلاّ هباءً منثوراً.

خلاصة القول، هناك شكوك كثيرة تحوم حول قدرة نتنياهو، الذي فاحت رائحة فساده المالي في أروقة المحاكم، على تمكين الاقتصاد الإسرائيلي من الوقوف على قدميه دون الحاجة إلى المساعدات الأميركية السخية.

المساهمون