لنصغّر حجارتنا.. والثوم سيّد الأدلة

لنصغّر حجارتنا.. والثوم سيّد الأدلة

06 مارس 2024
المزيد من الأسر السورية تجرفها موجة الفقر بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة (Getty)
+ الخط -

أيّ مصير ينتظرنا بعد نفاد النفط الأحفوري؟ كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي في مصير العمالة.. وما مصير السيارات بعد حمّى الكهربائية؟ هل ستقصي بيتكوين العملات الورقية وتتربع على عرش النقد والمعاملات التجارية؟!

وهكذا عشرات العناوين المطربة والجاذبة التي تشغل مساحات البث والنشر، حتى باتت، جراء التكرار والتسويق، أحد أهم هموم الميسورين وأدوات أصحاب القرار لتغييب المستهلكين عن همومهم اليومية والمتاجرة، عبر الشعارات والعناوين العريضة، بمصائرهم.

بل وصل الحال بجلّ المستهلكين، للشعور بالخجل إن طرحوا قضايا تجويعهم أو حرمانهم أبسط الخدمات، كما يحدث بمناطقنا العربية التي لم تزل تعاني -بالتوازي والفورة التكنولوجية التي تجتاح العالم- من نقص الغذاء وانقطاع التيار الكهربائي وتسلّط أصحاب القرار الذين تحولوا إلى جباة ليس إلا، يزيدون الضغط على المواطنين لترميم خططهم وستر عورات الموازنات العامة التي تقر لأهداف تسويقية وغائية، أكثر منها واقعية قابلة للتطبيق.

إذ في حين تبدلت أشكال المعاناة وطرق قياسها حول العالم، لم يزل مؤشر الجوع هو الطاغي لدينا، وربما وصل إلى مصاف التفاخر لبعض القادة، إن خفضوا نسبته أو ابتكروا طرائق قمعية تحول دون ارتفاع أصوات الجوعى، كالسجون لمن يخلّ بأمن الدولة أو يثير النعرات ويتآمر على مصير الأمة.

أو، وهو السائد هذي الآونة، عبر بيع الأصول والثروات، لردم هوّة الفقر والجوع وردم حفر الفساد والعبث الإداري، كما نرى في سورية ومصر وتونس وغيرها.

قصارى القول: ترى إن قلنا إن سعر كيلو غرام الثوم بسورية الأسد اليوم، سجل سبعين ألف ليرة، أي ربع الدخل الشهري لموظف فئة أولى خدم الوطن لربع قرن، فما الصدى والتأثير بواقع العناوين الكبيرة، كإعادة تشكيل التكتلات الاقتصادية الدولية التي لا نتنكر لأهميتها بالتأكيد، لكننا نراها لاحقة لحقوق البشر بالعيش والحرية والكرامة.

أو قلنا إن الإنفاق الشهري للأسرة السورية يزيد على 12 مليون ليرة، في حين الدخل لا يصل إلى 280 ألف ليرة، وتعدى الجوع، بمعنى كلمة الجوع، أكثر من 90% من السكان، رغم ارتفاع نسب الضرائب "الجباية التي أشرنا إليها" وسحب الدعم عن المواد الأساسية، بل والتفكير بتعويم الليرة أسوة بالشقيقة الكبرى مصر التي عوّمت الجنيه اليوم استرضاءً للوصفات الخارجية، فبدأ بالانهيار ليجرّ معه الوضع المعاشي للمكتفين بسدّ جوعهم ليس إلا، بعد إلغاء جميع الأحلام الآدمية، من رفاه اجتماعي أو طموح سياسي.

كل هذا من دون أن نتطرّق إلى كبرى المآسي بالأراضي الفلسطينية، بعد أن بات ثمن الرغيف والمعونات دماً، إثر أوقح حالات الإذلال وقمة الهوان العربي جراء ما نراه من رمي إكسير البقاء على قيد الحياة من الطائرات، تفادياً لإزعاج الاحتلال أو التصادم معه، لا قدر الله.

نهاية القول: على الأرجح ووفق المنطق والعلم والتجارب، تستمد كل جغرافيا وحكومة خططها على حسب واقعها ومعاناة أهليها، كما تعد لاستراتيجيتها وفق إمكاناتها واستطاعة مواردها.

فأن نسمع عن منافسة الجيش العقائدي بسورية الأسد للمسيّرات الأميركية، بالوقت الذي تعجز خلاله الحكومة عن تأمين البطاطا والثوم للشعب، أو تقول القاهرة إنها ستدخل صناعة الفضاء في حين تزيد نسبة الفقر على 35%، فهذا تكريس للقمع والهروب للأمام وفق أكثر الألفاظ أدباً واحتراماً.

بيد أن ثمة نقطة على غاية من الأهمية كما نحسب، يمكن تكثيفها بأننا آباء الصحراء ولسنا أبناءها.

بمعنى، تمتلك دولنا كل أسباب وعوامل النجاح لصناعة الطائرات المسيّرة وبلوغ عنان السماء ونقل المواطنين لأعلى نسب الرفاهية والرخاء، بيد أن مخططيها وإرضاءً لمستبديها، يكبرون حجارة الشعارات ويعظمون تخويف التحديات، لإبقاء المواطنين بموقع المدان وإشعاره بأنه مقصّر إن لم نقل المسبب.

فمشكلة الثوم بسورية تُحَلّ عبر وقف التصدير وترشيد الزراعة ودعم الفلاحين، كما تُحَلّ مشاكل الجنيه والفقر بمصر، عبر جذب الاستثمار وخدمة السياحة وفتح الباب للمهجرين للعودة والمساهمة، بيد أن تلك الحلول لا تتناسب البتة، مع إبقاء المواطن بحالة التيه أو حتى ترضي الأوصياء والطامعين بثروات أو تاريخ تلك الدول. في حين أنّ رهن الثروات هنا، أو بيع الأصول هناك، يضمنان بقاء رافعي الشعارات العريضة، ريثما يحققون خطط الطيران والفضاء والقضاء على الأعداء الاستراتيجيين.

والشعب، لا بد من أن يصبر ويساعد القادة على تحقيق الأهداف الاستراتيجية ويبتعد عن التفاهات والرغبوية.

قال ثوم وجنيه قال!