لبنان: إضراب عمالي غداً للمطالبة بحكومة والدولار يلامس 13 ألف ليرة

لبنان: إضراب عمالي غداً للمطالبة بحكومة إنقاذ والدولار يلامس 13 ألف ليرة

25 مايو 2021
الإضراب يأتي مع استفحال الغلاء وفقدان أدوية ومواد استهلاكية أساسية من الأسواق (حسين بيضون)
+ الخط -

مجدداً، يتحرك "الاتحاد العمالي العام" في لبنان غدا الأربعاء، رفضا للانهيار الاقتصادي والمعيشي الذي وصلت إليه البلاد، وللمطالبة بتشكيل حكومة إنقاذية فورا تلجم التدهور الكبير، في وقت بدأ الدولار يطرق باب 13 ألف ليرة لبنانية مرة أخرى، وسط فقدان لأدوية ومواد استهلاكية وغذائية أساسية.

رئيس "الاتحاد"، بشارة الأسمر، قال لـ"العربي الجديد" إن "الإضراب سيشمل مختلف المصالح المستقلّة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مؤسسة الكهرباء، مرفأ بيروت، مصالح المياه، أوجيرو، وغيرها، إلى جانب المؤسسات العامة والخاصة في العاصمة اللبنانية والمحافظات كافة والمستشفيات الحكومية، عدا عن التجمعات والتحركات التي ستجوب المناطق وستؤدي حتماً إلى قطع الطرقات".

وشدد على أن "تحرك 26 مايو/أيار الجاري تكملة لسلسلة اعتصامات وإضرابات تبقي صوتنا مرفوعاً في كل الأوقات ولو لم يلقَ آذاناً صاغية عند المسؤولين، وسيكون بمثابة إنذار جدي من مرحلة مقبلة أكثر خطورة معيشياً، ما يحتم علينا وضع أولوية لمطالبنا تتمثل في تشكيل حكومة إنقاذ في أسرعِ وقتٍ ممكنٍ مؤلفة من اختصاصيين وأصحاب كفاءة ونزاهة بعيداً من المحاصصة التقليدية، تضع برنامجاً إصلاحياً شاملاً وتبدأ بخطواتٍ جدية باتجاه المجتمعَيْن العربي والدولي لاستعادة الثقة والنهوض بلبنان قبل الانفجار الاجتماعي والشعبي الكبير". 

وتوقع الأسمر أن "تكون المشاركة في الإضراب العام واسعة، خصوصاً أنها تتكامل مع دعوة ودعم جميع النقابات العمالية في المناطق اللبنانية كلّها وهيئة التنسيق النقابية، على أن تكون هناك خلاصة تقييمية للتحرّك في ختام اليوم".

ويستغرب رئيس الاتحاد كيف أن البلد يعيش لأشهرٍ طويلة في ظلّ حكومة تصريف أعمال رغم الأزمات المتفاقمة والتي تزداد سوءاً مع مرور الوقتِ، في حين يفترض تشكيل حكومة بكامل الصلاحيات والمهام والدور لمواجهة الانهيار ومواكبة معاناة الناس ولجم المشاكل التي بات يصعب ضبطها وهو ما يعجز عنه المعنيون في التأليف منذ 22 أكتوبر/تشرين الأول 2020 (تاريخ تكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة).

ويكرر الأسمر تحذيراته من رفع الدعم بطريقة عشوائية من دون خطة شاملة وتفعيل البطاقة التمويلية بطريقة عادلة وشفافة وإلا فإننا سنصل إلى كارثة محتمة تطاول كل القطاعات المترابطة والمتلاصقة، ولا سيما على صعيد المحروقات التي بارتفاع أسعارها سنكون حتماً أمام تداعيات لن تستثني أي قطاع أو منظومة أو مؤسسة في لبنان وتكون بمثابة ضربات إضافية تجاه الحركة الاقتصادية.

وكان الأسمر طالب في بيان صادر عن الاتحاد اليوم، الهيئات الاقتصادية وجمعيات التجار وجمعية المصارف، بتأييد الإضراب وإفساح المجال أمام الموظفين والعمال للمشاركة "في هذا اليوم الوطني، للتعبير عن رفض حال الانهيار، والتوجه بكثافة إلى مقر الاتحاد في كورنيش النهر، الحادية عشرة قبل ظهر غد الأربعاء"، وقال: "لتكن الصرخة بصوت واحد: نريد حكومة إنقاذ فورا"، محذرا من "التعرّض للمشاركين والموظفين وتهديدهم بعملهم".

مشاركة واسعة دعماً للاتحاد

ودعماً لتحرك الاتحاد، دعت "روابط أساتذة التعليم الأساسي والثانوي والمهني" إلى "الإضراب في كل المدارس والثانويات والمهنيات ودور المعلمين والإرشاد، وإلى أوسع مشاركة في التحركات التي خلص إليها اجتماع هيئة التنسيق مع الاتحاد العمالي العام، واعتبار الأربعاء إضرابا عاما للمشاركة فيه، صوناً لحقوقنا ومكتسباتنا ورفضاً للإذلال ورفع الدعم الذي بات يحاصر المواطن".

وفي السياق، أعلن الأمين العام لـ"نقابة معلمي المدارس الخاصة"، وليد جرادي، "الإضراب والمشاركة في الاعتصامات، بعد التدهور الكبير لليرة وتآكل قيمة الرواتب والقدرة الشرائية للمعلمين، والإذلال الذي يعانيه اللبنانيون في محطات المحروقات والصيدليات والسوبرماركت، وفي غياب أي سعي جدي من المسؤولين لإيجاد حلول، وغياب أي مبادرة لإنقاذ الوضع وتأخر تشكيل حكومة تباشر بخطة إصلاحية".
كذلك دعا "اتحاد نقابات موظفي المصارف" إلى "المشاركة في الوقفة التضامنية التي ينظمها الاتحاد العمالي"، طالبا من أعضاء مجلس المندوبين "المشاركة في هذه الوقفة التي ستعبر عن استياء العمال والمستخدمين والعاملين في القطاع المصرفي، مما آلت إليه الأوضاع المعيشية والمالية".

بدوره، أكد "اتحاد نقابات عمال ومستخدمي البلديات" "الوقوف بجانب الاتحاد العمالي أمام تردي الأوضاع وتدهور قيمة العملة الوطنية والارتفاع الجنوني للأسعار"، داعيا إلى "التوقف عن العمل والمشاركة الفعالة في التحركات والتجمعات التي سينظمها الاتحاد يوم الإضراب، للضغط على المسؤولين المعنيين من أجل وقف الانهيار ووضع حد للغلاء المستشري وإنقاذ ما يمكن قبل وقوع انفجار اجتماعي كبير يطيح باستقرار البلد".

بدورها، دعت "لجنة المرأة العاملة في الاتحاد العمالي"، "كل الهيئات النقابية النسائية والنقابيات من كل النقابات، إلى المشاركة في الإضراب، وعلى كل السيدات العاملات المشاركة الفعالة في إعلاء الصوت والوقوف بجانب كل النقابيين، وخصوصا أنها تمثل ما يزيد على 60 في المائة من القوى العاملة على صعيد الوطن، وتفوق مشاركتها 24 في المائة في بعض المجالات كالتعليم والتمريض".

ورأت أن "ما يتهدد واقع العمل والعمال، ينسحب على كل فئات الشعب، لما يشكله ذلك من بنية اقتصادية ومالية واجتماعية على المستوى الوطني، وعلى المرأة أن تلعب دورها الصحيح في المشاركة في تقرير السياسات الاقتصادية وتحقيق الأمن الاجتماعي".

كذلك دعا "اتحاد النهضة العمالية واتحاد جامعة النقابات والمستخدمين" إلى "التزام قرارات الاتحاد العمالي في الدعوة إلى الإضراب والانضمام إلى التحركات المطلبية والاعتصامات، تعبيرا عن رفض السياسات اللامسؤولة التي تعتمدها الدولة تجاه أبناء شعبنا وعمالنا".

وفي الإطار عينه، دعا المجلس التنفيذي لـ"اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في الشمال" إلى "التجمع ابتداء من السابعة صباح الأربعاء، عند محلة البالما، للمشاركة في الإضراب وصولا إلى تشكيل قوة شعبية ضاغطة تجبر الشبكة الحاكمة على تلبية المطالب التي اتُفِق على طرحها، وفي مقدمها تسريع تشكيل الحكومة".

ودعا بعد جلسة برئاسة شعبان بدرة إلى "تشكيل جبهة نقابية موسعة، بعد التشاور مع ممثلي روابط التعليم الرسمي - المهني والأساسي والثانوي وصولا إلى تثبيت المواقف وتوحيدها باتجاه تحركات مشتركة تصاعدية تشمل كل المناطق".
كذلك، دعا رئيس "نقابة عمال الأحذية والجلديات في لبنان الشمالي"، فضل بلبل"، إلى "المشاركة الكثيفة في الإضراب التحذيري من الثامنة صباح غد الأربعاء حتى العاشرة قبل الظهر أمام منتجع البالما في طرابلس".
بدورها، أيدت "الحركة اليسارية" دعوة الاتحاد العمالي إلى الاعتصام غدا أمام السراي الحكومي في مدينة عاليه "رفضا لسياسة الإفلاس وانهيار العملة الوطنية والضغط لتشكيل حكومة اختصاصيين".
ودعا نقيب "عمال وعاملات الخياطة في لبنان الشمالي"، محمود شاليش، إلى "المشاركة الفعالة في الإضراب التحذيري، من الثامنة صباح غد الأربعاء لغاية العاشرة قبل الظهر، أمام منتجع البالما في طرابلس".

الليرة والأدوية والوقود

إلى ذلك، شهد سعر صرف الدولار مزيدا من الارتفاع في السوق السوداء عصر اليوم الثلاثاء، حيث يجري تداوله ضمن هامش أدناه 12900 ليرة للشراء و12950 ليرة للمبيع، مع أن متوسط سعر الصرف الرسمي لا يزال مثبتا على 1507.5 ليرات، فيما السعر "الشرعي" عند الصرافين 3900 ليرة.

في غضون ذلك، يستمرّ مشهد طوابير السيارات التي تنتظر بالصفِ ولساعاتٍ أمام محطات الوقود على الرغم من تطمينات المعنيين بأن لا رفع للدعم عن المحروقات وأن شركات عمدت الى تسليم كميات قليلة إلى المحطات بانتظار تحويل الأموال اللازمة لتفريغ حمولة البواخر الراسية في البحر.

ويقول صاحب محطة محروقات في بيروت لـ"العربي الجديد"، إنّ "البنزين بشكل خاص متوافر، ولكن من الطبيعي أن نشهد طوابير يومية أمام المحطات التي تتبع سياسة التقنين ولا تزوّد السيارات بالكميات المطلوبة لزوم التنقل وزحمة السير، وهو ما يدفع السائق إلى التوجه كل يوم للمحطة من أجل تعبئة خزان سيارته بالوقود بقيمة قد لا تتخطى 20 دولاراً أي 30 ألف ليرة لبنانية وفق سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة".

ويؤكد مصدر في وزارة الاقتصاد لـ"العربي الجديد" أن مراقبي الوزارة والأجهزة الأمنية المختصة مستمرون في عمليات الدهم من أجل إلزام المحطات المقفلة بفتح أبوابها وتزويد المواطنين بكميات كافة من البنزين ومراقبة طريقة عملها نظراً لارتفاع عمليات الغش والتلاعب بالعدادات.

كما أن بعض المحافظات اللبنانية تعمد إلى مراقبة محطات المحروقات ضمن نطاقها الجغرافي لكل بلدية بواسطة الشرطة لمنع الناس من تعبئة الغالونات لما تسبّبه من خطورة على حياة العائلات في المنازل، وتحميل كل صاحب محطة يخالف مضمون هذا التعميم المسؤولية القانونية والأخلاقية بختم المحطة بالشمع الأحمر وتجريم صاحبها.

ويعاني لبنان منذ سنوات من أزمة اقتصادية بدأ مسارها التصاعدي الحادّ نهاية عام 2019 بشكل خاص، ولا سيما بعد انقطاع الدولار الأميركي الذي كانت له ارتدادات كارثية على مختلف المستويات وأفقد العملة الوطنية أكثر من تسعين في المائة من قيمتها، إضافة إلى أزمة فيروس كورونا وانفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب الماضي وحلقات الأزمات المتتالية.

وقد أصبح لبنان اليوم محاصراً بشتى الأزمات، من شح ونقص كبير في الأدوية، والمستلزمات الطبية، والمواد الغذائية، إلى إقفال صيدليات، ومؤسسات خاصة وسياحية، إلى أزمة كهرباء وفصل جديد من العتمة الشاملة، وأزمة محروقات، فمستشفيات.

يقابل هذه الوقائع الخطيرة، استمرار التجاذبات السياسية وسط انعدام أفق الحل لا بل ازداد الملف الحكومي تعقيداً بعد رسالة الرئيس اللبناني ميشال عون إلى مجلس النواب عبر رئيسه نبيه بري، حول التأخير في تشكيل الحكومة، التي تلاها يوم الجمعة وناقشها السبت الماضي قبل أن تخلص الجلسة التشريعية إلى حث المعنيين على السرعة في التأليف وبالاتفاق. في حين اعتبر رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري أن الرسالة ما هي إلا وسيلة جديدة ليتخلص الرئيس عون منه وهو ما لم يحدث، إذ أكد الحريري أنه لن يعتذر، ولن يؤلف حكومة كما يريدها رئيس الجمهورية، أو أي فريق سياسي في مشهدٍ يُقرأ منه مزيد من التعقيدات والنفق المظلم الطويل.

المساهمون