لبنان: أسعار المحروقات تشتعل وتتخطى مستويات إلغاء الدعم

لبنان: أسعار المحروقات تشتعل وتتخطى مستويات إلغاء الدعم

21 أكتوبر 2021
لهيب أسعار المحروقات يطاول مختلف القطاعات (حسين بيضون)
+ الخط -

بات اللبنانيون على موعد أسبوعي مع ارتفاع أسعار المحروقات، لكنها هذه المرة سجلت زيادات جنونية، لتتخطى الأسعار مستويات إلغاء الدعم بكثير، لتتبدل مشاهد الزحام أمام محطات الوقود بعزوف اضطراري من قبل الكثير من أصحاب المركبات، بعدما أضحت قيمة صفيحة البنزين تعادل نصف الحد الأدنى للأجور في البلد الذي يشهد صعوبات مالية ومعيشية شديدة.

وقفز سعر صفيحة البنزين "95 أوكتان" سعة 20 لتراً، تبعاً لجدول وزارة الطاقة والمياه، أمس الأربعاء، إلى 302.7 ألف ليرة، بزيادة بلغت نسبتها 24.1% عن اليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجل 242.8 ألف ليرة.

كما زد سعر صفيحة البنزين "98 أوكتان" إلى 312.7 ألف ليرة، مقابل 250.7 ألفاً في الأسبوع الماضي، بزيادة بلغت نسبتها 24.6%، وفق رصد لـ"العربي الجديد"، فيما ارتفع سعر الديزل أويل أو المازوت إلى 270.7 ألف ليرة، بزيادة 15%، وصعد الغاز إلى 229.6 ألف ليرة، مقابل 201.1 ألف في الأسبوع الماضي.

ويلفت صاحب محطة وقود في جونية، شمال بيروت، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن زيادة الأسعار انعكست على إقبال الناس لتعبئة البنزين بشكل خاص، والذي يشهد تراجعاً بعدما تخطى سعر الصفيحة عتبة 300 ألف ليرة.

ويقول: "هناك زبائن كنا معتادين عليهم مرتين في الأسبوع، أصبحنا نراهم مرة واحدة، فكيف لشخص راتبه لا يتخطى مليوني ليرة، وهو متوسط الرواتب في لبنان، أن يملأ سيارته بالوقود مرتين أي بـ600 ألف؟"

ويضيف قائلا: " وفي حال أراد تعبئة الخزان بالكامل يصل المبلغ إلى مليون ليرة، يعني نصف راتبه، هذا من دون الحديث عن حاجة الإنسان للغاز والمازوت وباقي السلع والمواد الغذائية والأدوية والخدمات الأساسية".

في الأثناء، تراوح سعر صرف الدولار، أمس، بين 20.5 ألف ليرة و20.7 ألفاً، فيما تشهد الأسواق فوضى في أسعار السلع، في ظل غياب الرقابة، لتزداد معاناة المواطنين.

وكانت الشركة الدولية للمعلومات المتخصصة في الأبحاث قد ذكرت، في دراسة نشرت في نهاية سبتمبر/ أبلول الماضي، أنه في حال رفع الدعم كلياً واستقرار أسعار النفط عالمياً واعتماد سعر 15 ألف ليرة لصرف الدولار، سيصبح سعر صفيحة البنزين 214.2 ألف ليرة، لكن أسعار المحروقات تجاوزت هذه الحدود بمعدلات كبيرة.

ويرى اللبنانيون أن أزمة البنزين مستمرة وإن غابت مشاهد ما يصفونها بـ"طوابير الذل" أمام محطات الوقود، التي باتت تفتح أبوابها يومياً، فالأزمة هي بالنسبة اليهم في الأسعار الخيالية التي تفوق قدرتهم على التحمل، خصوصاً أنه لا تقابلها أي خطوة تصبّ في صالحهم أو تعوّض عليهم هذا الغلاء، حتى البطاقة التمويلية لم تبصر النور بعد.

وترجمت ازمة البنزين بشكل خاص على قطاع النقل العام وتعرفة سيارات الأجرة، التي بدورها تشهد فوضى كبيرة، حتى أصبح كل سائق يعتمد تسعيرته الخاصة التي أصبحت تتخطى 30 ألف ليرة للمسافات القريبة.

ومع ذلك قطع سائقو السيارات العمومية عدداً من الطرق، خصوصاً في ساحة الشهداء في بيروت وفي صيدا، جنوب لبنان، عند مستديرة ساحة النجمة، وذلك احتجاجاً على ارتفاع أسعار البنزين، مهددين بالتصعيد.

وطاول لهيب أسعار المحروقات القطاع التعليمي، حتى أن المدارس الخاصة التي فتحت أبوابها قبل شهر تقريباً تواجه صرخة الأساتذة والعاملين الذين ما عاد باستطاعتهم تحمّل كلفة النقل، وكذلك صرخة الأهالي الذين يعانون من ارتفاع بدلات النقل التي تخطت عتبة مليون ليرة، وهو مبلغ يدفع شهرياً ومرشح للزيادة عند كل زيادة لأسعار البنزين، عدا عن الأقساط التي تحلق عالياً وعلى مستوى غير مسبوق.

في المقابل، قال عضو نقابة أصحاب المحطات في لبنان، جورج البركس، لـ"العربي الجديد"، إن ارتفاع أسعار المحروقات يرتبط بصعود سعر صرف الدولار محلياً وغلاء برميل النفط عالمياً الذي لامس 85 دولاراً، متوقعاً مزيداً من زيادات الأسعار في الأسابيع المقبلة، لا سيما مع استمرار ارتفاع سعر النفط عالمياً.

ودفع ارتفاع أسعار المحروقات بقسم كبير من المواطنين إلى تقنين تنقلاتهم وحصرها بتلك الضرورية المتصلة بالعمل والأمور الطارئة، وهو ما ترجم في حركة السير التي خفت كثيراً ولم تعد تشهد الكثافة نفسها على الطرقات، ولا سيما في أوقات المساء، حيث إن زحمة الصباح وساعات بعد الظهر تتراجع كثيراً بعد السادسة مساءً، وهو توقيت انتهاء معظم الوظائف في لبنان.

هذه المشاهد أكدها البركس، الذي كشف لـ"العربي الجديد" أن "استهلاك البنزين تقلص كثيراً مع ارتفاع سعر الصفيحة وانخفض بين 25% إلى 30%، حيث إن التوزيع من جانب الشركات المستوردة على السوق كان يراوح بين 10 ملايين ليتر و12 مليون ليتر يومياً، بينما أصبح يراوح بين 7 و8 ملايين ليتر يومياً".

بدروه، قال زياد عقل، مؤسس جمعية "اليازا" (تهدف إلى التوعية للوقاية من حوادث السير والسلامة العامة)، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الضائقة الاقتصادية تسببت في عدم قدرة الناس على التنقل، حيث إن الحد المتوسط للأجور أصبح يراوح بين مليون و700 ألف ليرة ومليوني ليرة تقريباً، وهو ما يغطي 5 إلى 6 صفائح بنزين في الشهر، هذا على صعيد المادة المذكورة فقط من دون أن نحتسب الكلفة المعيشية وضرورات الصمود من مأكل ومشرب ودواء وفواتير خدمات أساسية، وبالتالي فإن القدرة الشرائية هبطت كثيراً، ما انعكس حتماً على عدم إقبال الناس على شراء البنزين أو التحرك بالسيارات كما في السابق".

وأضاف عقل: "هناك رصد لارتفاع كبير في استخدام الدراجات النارية والهوائية على صعيد مختلف الفئات العمرية والوظيفية نتيجة غلاء أسعار المحروقات وأزمة البنزين".

وارتفعت مبيعات الدراجات الهوائية والنارية في لبنان بشكل كبير، بيد أن ذلك رافقته زيادة لافتة وملحوظة في الأسعار، في حين انخفضت أسعار السيارات بالدولار، ولا سيما تلك التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود، على رأسها السيارات رباعية الدفع، مقابل ارتفاع أسعار تلك التي تعد "موفرة للبنزين".

هذا، وبرزت ظاهرة جديدة في لبنان في ظل اشتداد حدة الأزمة الاقتصادية تمثلت في "التوك توك"، وهي دراجة نارية لها ثلاث عجلات، ويعمد أصحاب المعارض والتجار إلى تسويقها خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتشجيع على بيعها.

في ظل هذه الأجواء، أكد مواطنون من بيروت، التقتهم "العربي الجديد"، أنهم أصبحوا يتبعون المشي سيراً على الأقدام للوصول إلى الأماكن القريبة وللذهاب إلى العمل أو الدراجة الهوائية، وأحياناً يذهبون بسيارة الأجرة التي باتت أوفر لهم من البنزين وإصلاح وصيانة السيارة الخاصة التي باتت تكلف راتباً كاملاً في ظل الغلاء.

سيناريو التقشف، الذي بات يطاول حياة المواطنين على مختلف الأصعدة، طاول أيضا بشكل ملحوظ شراء قوارير الغاز المنزلية التي تشهد ارتفاعاً جنونياً في أسعارها.

وقال عدد من أصحاب المحال التجارية، لـ"العربي الجديد"، إن "إقبال الناس على شراء قارورة الغاز خفّ بعدما كانوا يشترونها أقله مرتين في الشهر، علماً أن الحاجة ما زالت هي نفسها لكن القدرة الشرائية أصبحت شبه معدومة".

ولفت هؤلاء إلى أن "أغلب المواطنين سيستخدمون قارورة الغاز نفسها للتدفئة ولضرورات الطبخ مع اتباع أسلوب تقنين حاد، وقد يستغنون عن استخدامها للتدفئة رغم الشتاء المنتظر المثقل ببردٍ قارس وعواصف ثلجية مع مواصلة ارتفاع الأسعار وبقاء رواتبهم بلا أي منحى تصاعدي، لا بل هناك من يخسرون وظائفهم والبطالة إلى ارتفاع".

 

المساهمون