قيود تجارية متبادلة بين أنقرة وتل أبيب بعد منع إسرائيل مساعدات غزة

قيود تجارية متبادلة بين أنقرة وتل أبيب بعد منع إسرائيل المساعدات التركية لأهالي غزة

10 ابريل 2024
معدات طبية ومواد غذائية تم شحنها لغزة بواسطة الهلال الأحمر التركي (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تركيا تفرض قيودًا على تصدير 54 منتجًا إلى إسرائيل، بما في ذلك الصلب ووقود الطائرات، ردًا على الأوضاع في غزة، في خطوة تعكس تصاعد التوترات بين البلدين ومحاولة للضغط على إسرائيل لإعلان وقف إطلاق النار.
- إسرائيل ترد بفرض قيود تجارية على المنتجات التركية، متهمة أنقرة بانتهاك الاتفاقيات التجارية، فيما يؤكد الرئيس التركي أردوغان على استمرار دعم بلاده للشعب الفلسطيني بإرسال مساعدات إنسانية.
- مصادر تركية تتوقع تصعيدًا أكبر ضد إسرائيل يتجاوز القيود التجارية ليشمل إلغاء الاتفاقات الطاقوية وإمكانية إبعاد إسرائيل عن وجهة الصادرات التركية، مع استمرار المساعدات الإنسانية لغزة.

تبادلت أنقرة وتل أبيب أمس الثلاثاء القيود على أنشطة التجارة والصادرات، إذ أعلنت وزارة التجارة التركية، تقييد تصدير بعض منتجات تركيا إلى إسرائيل اعتباراً من الثلاثاء 9 إبريل/ نيسان. ورد وزير الخارجية الإسرائيلي على الخطوة التركية بإعلانه أن إسرائيل ستفرض قيوداً تجارية خاصة بها على المنتجات التركية رداً على قيود أنقرة على الصادرات.

وقالت وزارة التجارة التركية الثلاثاء إن تركيا ستفرض قيوداً على تصدير مجموعة واسعة من المنتجات إلى إسرائيل تبلغ 54 منتجاً، وتشمل الصلب ووقود الطائرات حتى إعلان وقفٍ لإطلاق النار في غزة، وذلك في أول إجراء كبير تتخذه أنقرة ضد إسرائيل بعد ستة أشهر من الحرب. ويواجه الرئيس رجب طيب أردوغان انتقادات متزايدة من مواطنين أتراك بسبب علاقات بلاده التجارية مع إسرائيل التي لم تتأثر رغم المواقف اللفظية التركية الحادة ضد العدوان.
وقال أردوغان، الثلاثاء، إن بلاده أظهرت دعمها للشعب الفلسطيني بإرسال أكثر من 45 ألف طن من المساعدات الإنسانية. وأضاف في رسالة مصورة بعثها عشية عيد الفطر الذي يحل الأربعاء: "لقد أظهرنا دعمنا للشعب الفلسطيني في هذه المحنة بإرسال أكثر من 45 ألف طن من المساعدات الإنسانية إلى المنطقة". وتابع: "ومن الآن فصاعداً سنواصل دعمنا حتى تتوقف إراقة الدماء في غزة ويقيم إخواننا الفلسطينيون دولة فلسطينية حرة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967".

ووفق بيان صادر عن وزارة التجارة التركية أمس فإن القيود على الصادرات إلى إسرائيل ستظل سارية "حتى تعلن تل أبيب وقفاً فورياً لإطلاق النار في غزة وتسمح بتقديم مساعدات كافية ومتواصلة للفلسطينيين".
وبحسب البيان فإنّ قرار تركيا تقييد الصادرات إلى إسرائيل يشمل 54 منتجاً منها حديد الإنشاءات والفولاذ المسطح والرخام والسيراميك. وأكد البيان أن تركيا لم تقم منذ فترة طويلة ببيع إسرائيل أي منتج يمكن استخدامه لأغراض عسكرية.
في مقابل الإجراءات التركية المتعلقة بتقييد الواردات، توعدت إسرائيل، الثلاثاء، باتخاذ تدابير ضد تركيا، متهمة إياها بانتهاك الاتفاقيات التجارية بين الجانبين. وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان إن "تركيا تنتهك من جانب واحد الاتفاقيات التجارية مع إسرائيل وستتخذ إسرائيل الخطوات اللازمة ضدها".
وكانت وزارة التجارة التركية قد كشفت قبل أيام عن تراجع حجم التجارة مع تل أبيب بنسبة 33% بعد الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، والمستمرة منذ 6 أشهر، رغم أن التجارة لا تتم عبر الشركات الحكومية، بل عن طريق الشركات الخاصة، ولا سيما الشركات العالمية، وهي نسبة أقل من التي أعلنها سابقاً، وزير التجارة عمر بولات، بأن التجارة بين إسرائيل وتركيا تقلصت إلى النصف منذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
من جانبها توقعت مصادر تركية مزيداً من التصعيد ضد إسرائيل، يتعدى تخفيض حجم التجارة وإلغاء الاتفاقات الطاقوية الخاصة بـ"التنقيب عن النفط ونقل الغاز الإسرائيلي لأوروبا" لتصل التدابير التي توعد بها وزير الخارجية التركي، هكان فيدان، تفعيل إبعاد إسرائيل عن وجهة الصادرات التركية "كاملاً" وإدراجها ضمن "الكتاب الأحمر" التركي، ما يعني وضعها عدواً محتملاً وتشكل تهديداً على الأمن القومي التركي، وما يستوجب كذلك إعادة النظر بالعلاقات جميعها وعلى كل الصعد، وليس الاقتصادية أو الصادرات فقط.
وكان وزير الخارجية التركي قد كشف الاثنين، أن بلاده قررت اتخاذ سلسلة تدابير جديدة ضد إسرائيل، على خلفية عرقلتها مساعي أنقرة لإيصال المساعدات الإنسانية عبر الجو إلى قطاع غزة، وذلك في الوقت الذي تواصل فيه أنقرة إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وقال فيدان خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة أنقرة، "إنه لا يوجد أي مبرر لإسرائيل في عرقلة مساعي تركيا الرامية إلى إيصال المساعدات إلى سكان غزة، لذا قررنا اتخاذ سلسلة من التدابير الجديدة ضدها حتى تعلن وقف إطلاق النار وتسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة بلا انقطاع".
وفي حين لم يكشف وزير الخارجية التركي عن فحوى التدابير الأخرى المتوقعة، مشيراً أنها ستكون قريبة جداً وستعلنها المؤسسات المعنية، يقول المحلل التركي، سمير صالحة لـ"العربي الجديد" إن إسرائيل منعت الطائرات التركية رمي مساعدات من الجو لسكان غزة المحاصرين، بعد أن نسقت أنقرة مع أطراف عربية، كما أعاقت وصول سفينة المساعدات التي أُجّل إرسالها إلى ما بعد عيد الفطر أو إلى نهاية نيسان الجاري.
وحول التدابير المتوقعة ومدى تعدي قيود التبادل التجاري، يضيف صالحة أن بلاده ستسلك عدة طرق وبالتوقيت نفسه، إذ من المتوقع تخفيض التبادل التجاري إلى حدوده القصوى بالتوازي مع التصعيد الدبلوماسي بالتنسيق مع العواصم العربية والغربية بعد التبدل بالمواقف الأوروبية والدولية بسبب إيغال إسرائيل في الدم الفلسطيني والتوعد باجتياح رفح.

ولم يستبعد المحلل التركي أن تزيد تركيا مساعيها لنقل الملف الفلسطيني إلى المؤسسات الدولية والحقوقية ودعمه، كما المتوقع أن تدعو أنقرة إلى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار مزيد من القرارات التي تضغط على إسرائيل" ويمكن التصعيد على الصعيد الثنائي إن لم تر تركيا جدوى من التحرك مع الأطراف الأخرى".
وتتواصل في ميناء مرسين جنوبي تركيا أعمال تحميل المساعدات إلى السفينة الخيرية التي ستنقل مساعدات عاجلة مثل الأغذية والملابس ومستلزمات النظافة والإيواء ومستلزمات الأطفال، إضافة إلى مواد طبية وسيارات إسعاف بدعم من مؤسسات تركية "جمعية رجال الأعمال والصناعيين المُستقلين (موسياد) والمديرية العامة للأوقاف والشعب التركي" فضلاً عن مساعدات مطبخ الهلال الأحمر التركي في مدينة رفح الذي يقدم وجبات ساخنة مخصصة لـ10 آلاف شخص يومياً، ويوجد 5 من موظفي الهلال الأحمر التركي بصورة دائمة في غزة، و5 في مصر، واثنان في الضفة الغربية والقدس، وواحد في الأردن.
ولتلبية احتياجات غزة من مياه الشرب النظيفة، وقّع الهلال الأحمر التركي و"أفاد" اتفاقية طويلة الأمد مع مصنع مياه في مصر، بما يضمن مرور 7 أطنان من مياه الشرب إلى غزة يومياً.
من جانبه يتوقع الاقتصادي التركي، أوزجان أويصال، أن تضغط بلاده بكل ما بوسعها لوقف قتل الأبرياء ووقف إطلاق النار في غزة، مشيراً إلى أن شركة الطيران التركية أوقفت رحلاتها إلى إسرائيل حتى إبريل/نيسان 2025. كما "تم إلغاء الموقع الإلكتروني لحجز الرحلات إلى إسرائيل حتى مارس 2025"، كما تراجع حجم التبادل التجاري (الذي كان حجمه نحو 7 مليارات دولار) كثيراً، خاصة خلال الأيام الأخيرة التي لم تصل خلالها شحنات خضر ومواد تركية إلى إسرائيل.
وسيؤثر إلغاء الرحلات التركية إلى مطار بن غوريون على إسرائيل تأثيراً كبيراً، إذ تشغّل الخطوط الجوية التركية رحلات إلى 340 وجهة عبر 4 قارات، كما أن إسطنبول كانت محطة توقف شعبية للمسافرين الإسرائيليين الذين يبحثون عن أسعار اقتصادية للرحلات الجوية في جميع أنحاء العالم.
ووفق بيانات هيئة المطارات الإسرائيلية، كانت الخطوط الجوية التركية، في صيف 2023، إحدى شركات الطيران التي تشغل أكبر عدد من الرحلات الجوية من مطار بن غوريون وإليه، وفق الصحيفة. كما نقلت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية عن مصدر مطلع -لم تسمّه- قوله إن الصادرات من تركيا إلى إسرائيل، إما تأخرت وإما لم تتم الموافقة عليها خلال الأيام الخمسة الماضية. وقالت الوكالات التي تعمل مع المستوردين الإسرائيليين، إن مصدر التأخير هو الحكومة التركية، ومن غير الواضح إلى متى سيستمر الوضع الحالي.
ووفق الصحيفة، فإن خطوط الشحن العاملة على الخط بين تركيا وإسرائيل والتي ظلت نشطة رغم الحرب تعمل الآن على تأخير مغادرة السفن على أمل أن يظل من الممكن حل الوضع وأن تتمكن من المغادرة. ويقول الاقتصادي التركي أويصال لـ"العربي الجديد" ربما الفصل بالتصعيد التركي سيكون، بعد عيد الفطر، وهو موعد إطلاق الهلال الأحمر التركي سفينة المساعدات الإنسانية التاسعة بحمولة تبلغ 3 آلاف طن، وموعد سفينة المساعدات "مرمرة الزرقاء" التي تم تأجيل إرسالها مرتين بسبب الرفض الاسرائيلي والمعوقات، متوقعاً أن يصل الأمر إلى وقف التصدير بالتوازي مع التصعيد السياسي والدبلوماسي.
يذكر أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل مرت بأطوار متباينة، تخللتها قطيعة بعد تأزّم إثر الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2008، لتتدهور وتصل إلى حد القطيعة، بعد اعتراض البحرية الإسرائيلية "أسطول الحرية" في 31 مايو/أيار 2010، وقتل الكوماندوس الإسرائيلي عشرة ناشطين أتراك. وهو ما دفع أنقرة وقتذاك، إلى طرد السفير الإسرائيلي وتجميد التعاون العسكري وتبادل المعلومات المخابراتية وإلغاء تدريبات عسكرية مشتركة، من دون أن يتم التطرق إلى الاقتصاد أو وقف التبادل التجاري بين البلدين. وبعد ملامح عودة العلاقات واستئناف التبادل الدبلوماسي عام 2016، صرح أردوغان وقتها بأن "العلاقات الاقتصادية ستبدأ بالتحسن"، ولكن التوتر عاد عام 2018 من جديد في العلاقات بين البلدين، بسبب الموقف التركي من العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، لتصبح العلاقات الدبلوماسية بينهما على مستوى القائم بالأعمال، قبل أن تنتعش خلال العام الأخير وتتم استعادة السفراء وتبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين لتزيد الآمال بالاستثمارات المشتركة وزيادة حجم التبادل التجاري لتكون إسرائيل واحدة من أكبر أسواق المنتج التركي.

المساهمون