قيود الواردات تضغط على الاقتصاد المصري وسط شحّ الدولار
كانت كريستين عياد تتطلع إلى شراء سيارة صغيرة بناقل حركة آلي هذا العام، إلا أن القواعد التي تقوّض قدرة المستوردين على الوصول إلى الدولارات الشحيحة أطاحت حلمها وأصبحت مضطرة إلى الاكتفاء بالتجول بدراجتها.
وعمّقت الحرب في أوكرانيا مشكلات الاقتصاد المصري المعتمد على الواردات، فقد سبّبت ارتفاعَ فاتورة استيراد القمح والنفط، ومعها زادت الحاجة للدولارات. كذلك عطلت الحرب السياحة الوافدة من كل من أوكرانيا وروسيا اللتين كانتا من أكبر أسواق مصر، وبالتالي خسرت مصدراً مهماً للعملة الصعبة.
وفاقم تراجع الثقة بالجنيه المصري وتخارج المستثمرين المحليين والأجانب من الأوراق المالية الحكومية قصيرة الأجل من شحّ الدولار.
ولسوء الحظ، فإنه بالنسبة إلى الأفراد الذين يخططون لعمليات شراء، مثل كريستين، فإن قواعد الاستيراد الجديدة التي دخلت حيّز التنفيذ في وقت سابق من العام الجاري، لوضع حد لتراجع احتياطيات العملة الأجنبية ودعم الجنيه، أدت إلى شحّ السلع وارتفاع التضخم لأعلى مستوى في نحو أربع سنوات.
وتوضح كريستين (38 عاماً) أن سعر السيارة التي كانت ترغب في شرائها ارتفع بنسبة 75 بالمئة منذ بدأت البحث عن سيارة جديدة العام الماضي، وهي نسبة الارتفاع ذاتها التي شهدتها أسعار بعض السلع المستوردة الأخرى.
وتضيف: "ندمت إني بعت (قمت ببيع) العربية (السيارة)... محدش عايز (لا أحد يريد) يبيع مستعمل... أو (سوف) يبالغ في سعر البيع... طرقت كل الأبواب اللي ممكن تطرق بس متوفقتش (لم أوفق) في ولا حاجة (شيء)... فقدت الأمل وقررت أتعايش بدون عربية".
ويقول تجار إن قطاع السيارات كان من بين أكثر القطاعات تضرراً، إلا أن صدى الأزمة تردد أيضاً في مختلف قطاعات الاقتصاد وتضررت مجالات تتنوع بين المكونات الكهربائية إلى المنسوجات وقطع الغيار.
يقول تجار إن قطاع السيارات كان من بين أكثر القطاعات تضررا، إلا أن صدى الأزمة تردد أيضا في مختلف قطاعات الاقتصاد
وقبل أيام، خفّف البنك المركزي الذي غُيِّرَت محافظه في أغسطس/آب، القيود بشكل طفيف من طريق السماح للشركات باستخدام الودائع بالعملات الأجنبية أو التحويلات لتأمين خطابات الاعتماد لتسوية تكاليف الواردات، بحسب تعليمات جديدة نشرتها وسائل الإعلام المحلية. ولم يردّ المركزي على الفور على طلب للتعليق.
إلا أنّ من المتوقع أن تتواصل اختناقات الواردات، وقال مسؤول بإحدى الشركات إنّ من المتوقع أن تتراجع واردات مصر السنوية من السيارات كاملة الصنع، التي كانت تقدر بنحو ثمانية مليارات دولار في السابق، بأكثر من النصف هذا العام.
ويقول تجار إن أسعار السيارات المستعملة التي تحظى بشعبية تضاعفت، ويمتنع بعض التجار عن بيع ما لديهم وسط توقعات بارتفاع أكبر في الأسعار.
وأوضح محمود خيري، الخبير في سوق السيارات المصرية، أن "هناك ممارسات تدفع السوق نحو حالة من الركود التضخمي، أبرزها ظاهرة الأوفربرايس التي تراوح حالياً بين 70 بالمئة و100 بالمئة من السعر الرسمي"، في إشارة إلى المبالغ الإضافية التي يفرضها موزعون فوق أسعار السيارات الرسمية مقابل التسليم الفوري بدلاً من الحجز والانتظار لفترات طويلة.
ويضيف خيري أن "الزيادات في الأسعار لا توازي حجم التحرك في سعر الصرف... الموزعون كانوا منذ بداية الأزمة يعتمدون في تسعير السيارات على سعر صرف عند 22 جنيهاً للدولار، وحالياً وصل إلى 25 جنيهاً، وهناك أسعار لسيارات تجعلنا نعتقد أنهم يسعرون بناءً على سعر صرف 30 جنيهاً للدولار، لم يعد هناك معيار حقيقي، وصارت هناك عشوائية في التسعير".
بينما قال أشرف هلال، مدير المبيعات في أحد معارض السيارات في القاهرة، إن "نشاط المبيعات انكمش بما بين 35 بالمئة و40 بالمئة في الأشهر الأخيرة، وهو ما يعود إلى زيادة الأسعار وشحّ المعروض، لكن زيادة الأسعار ليست العامل الأكبر، نظراً لأن المشترين يواصلون الشراء تحسباً لمزيد من القفزات في الأسعار في المستقبل"، متوقعاً "دخول المزيد من الإمدادات في النصف الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول، لكن الأسعار تظل معتمدة على سعر الصرف".
الموزعون كانوا منذ بداية الأزمة يعتمدون في تسعير السيارات على سعر صرف عند 22 جنيها للدولار، وحاليا وصل إلى 25 جنيها، وهناك أسعار لسيارات تجعلنا نعتقد أنهم يسعرون بناء على سعر صرف 30 جنيها للدولار
وأوضح هاني أحمد، وهو تاجر سيارات مستعملة في القاهرة، أن "خوف الناس من المستقبل مخلي الشرا (جعل الشراء) جنوني... هو خايف إنه لو استنى (انتظر) كمان شوية هتغلى تاني (بعد فترة سترتفع مرة أخرى)، فالخوف ده بيساهم في الزيادة... ومن الدوافع برضو (أيضاً) إن المستهلك بيحس (يشعر) إن قيمة الفلوس (النقود) اللي معاه بتقل (التي معه تقل)، فبرضو بيحفظها (أيضاً يحفظها) في عربية حتى لو مش (غير) محتاج عربية من الأساس".
اختفاء الدولار
خلال الفترة من إبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران تراجعت واردات السلع الاستهلاكية المعمرة بنسبة 57 بالمئة عن الفترة نفسها من العام السابق، وفقاً لأحدث البيانات الفصلية الصادرة عن الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء.
وفي بداية الصيف، ترك بعض تجار التجزئة غير القادرين على شراء معروضات جديدة الملابس الشتوية على الرفوف.
ويقول مصرفيون إن الدولار اختفى لحد كبير من التعاملات بين البنوك، فيما يقول تجار إن الحصول على عملة صعبة عبر خطاب اعتماد أصبح لكثيرين مهمة طويلة ومحبطة.
وتراجع صافي الأصول الأجنبية في النظام المصرفي إلى سالب 369 مليار جنيه (19 مليار دولار) في يوليو/ تموز مقابل موجب 248 ملياراً في يوليو من عام 2021، حيث سحبها البنك المركزي لدعم قيمة العملة في مقابل الدولار، وفقاً لبيانات البنك المركزي.
وتراجعت الاحتياطيات الأجنبية إلى 33 مليار دولار في يوليو مقابل 41 ملياراً في يناير/ كانون الثاني رغم دخول تدفقات من الدول الخليجية الحليفة والقيود الجديدة على الواردات.
وفاقمت سلسلة رفع الفائدة التي بدأها مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) في مارس/آذار من صعوبة الجهود التي تقوم بها مصر لاجتذاب قروض من الداخل والخارج لسد العجز في ميزان المعاملات الجارية والموازنة.
يقول مصرفيون إن الدولار اختفى لحد كبير من التعاملات بين البنوك، فيما يقول تجار إن الحصول على عملة صعبة عبر خطاب اعتماد أصبح لكثيرين مهمة طويلة ومحبطة
ورغم ارتفاع أعباء الديون، تتفاوض مصر على قرض جديد من صندوق النقد الدولي منذ مارس آذار لدعم اقتصادها. وفقد الجنيه المصري في الوقت نفسه أكثر من 22 بالمئة من قيمته مقابل الدولار منذ مارس آذار.
تكدس في الموانئ
مُنحَت إعفاءات للسلع الأساسية ومدخلات الصناعة قبل التغييرات الأخيرة من جانب البنك المركزي، إلا أن بعض الوكلاء لا يزالون يكافحون لتأمين خطابات الاعتماد اللازمة لإجراء الإفراج الجمركي، بينما يقول دبلوماسيون إن بعض المصدّرين لمصر أصبحوا متحفظين.
وأحجم متحدث باسم وزارة التجارة عن التعليق على ما يتردد من صعوبات.
تراجع صافي الأصول الأجنبية في النظام المصرفي إلى سالب 369 مليار جنيه (19 مليار دولار) في يوليو /تموز مقابل موجب 248 مليارا في يوليو /تموز من عام 2021
وقال أحمد شيحة من شعبة المستوردين بالغرفة التجارية بالقاهرة: "في (هناك) بضائع مكدسة في الجمارك، فيه حاجات (في الموانئ) ثلاثة أو أربعة أشهر".
وحتى قطاع البناء الذي ساعد مصر على مواصلة تحقيق نمو اقتصادي خلال جائحة كورونا تضرر من التأخيرات، وفقاً لمطورين.
وقال محمد هاني العسال، الرئيس التنفيذي لشركة مصر إيطاليا العقارية، إن "جزءاً كبيراً من الأجهزة التي نستخدمها مستوردة، وهو ما يؤثر في القطاع... (لكن) مقدرش (لا أستطيع أن) أقول إن فيه (هناك) مشروع توقف، لأن القطاع العقاري يستخدم أيضاً المواد المصرية، ولكن في مشاريع يمكن يتأخر افتتاحها حتى يتم حل الأزمة ويبدأ الناس يدخلوا الحاجات (المواد) المستوردة".
كما تضررت بعض السلع التي تعد أساسية، حيث يقول مالك صيدلية في القاهرة إن موردي الأدوية المصريين يواجهون صعوبات في استيراد الأدوية المصنعة في الخارج، بينما خفض المصنّعون المحليون الإنتاج بسبب الصعوبات في استيراد المكونات الفعالة.
ويقول المسؤولون إنه جرى الحفاظ على توافر السلع الاستراتيجية، بما في ذلك القمح. ويوضح أشرف الجزايرلي، العضو البارز في غرفة الصناعات الغذائية التابعة لاتحاد الصناعات المصرية، إنه "في تأخير أكيد النهاردة بيحصل (يحدث حالياً)... بيقل (يتراجع) المخزون، ولكن في السوق مفيش حاجة (لا يوجد شيء) ناقصة".
(الدولار= 19.46 جنيهاً تقريباً)
(رويترز)
