- التحديات العالمية مثل انعدام الأمن الغذائي بسبب الصراعات والحرب تؤثر على الاقتصاد العالمي، مع تركيز المناقشات على إيجاد حلول للأمن الغذائي ودعم الانتعاش الاقتصادي.
- الاقتصاد العالمي يواجه تحديات مثل التوترات الجيوسياسية والتضخم، مع تأكيد البنك الدولي على ضرورة إجراء إصلاحات لضمان مستقبل مستدام وتحسين النمو الاقتصادي.
تُعقد هذه الأيام في العاصمة الأميركية واشنطن اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، والتي بدأت في 15 إبريل/نيسان وتستمر أحداثها الأساسية حتى 17 إبريل، مع استمرار الأحداث التكميلية حتى 20 إبريل. وتلتقي الوفود القادمة من مختلف بقاع الأرض هذا العام تحت عنوان "رؤية لإحداث تأثير"، حيث تتركز المناقشات حول التنمية الدولية، وقضايا الديون، والانتعاش الاقتصادي، وتغير المناخ. وهناك أيضا ندوات وإحاطات إقليمية ومؤتمرات صحافية وأحداث أخرى تركز على الاقتصاد العالمي.
ويُشارك في اجتماعات الربيع لأكبر منظمتين ماليتين دوليتين مسئولو الحكومات من مختلف دول العالم، ومحافظو البنوك المركزية، بالإضافة إلى شركات القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، والأكاديميين، وغيرهم من الجهات المعنية، لمناقشة الجهود الدولية نحو تعزيز التعاون لتحقيق التنمية المستدامة، والقضاء على الفقر. وتأتي اجتماعات الربيع السنوية هذا الأسبوع في ظل صراع إقليمي عنيف جديد. وبينما تلقي الحرب المستمرة في أوكرانيا بظلالها طويلة المدى على الاقتصاد العالمي، فإن الحرب الإسرائيلية على غزة تضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى المناقشات.
تحديات متصاعدة
ويأخذ الموضوع المحدد لهذا العام "رؤية لإحداث تأثير" أهمية متجددة، وتحاول الدول المشاركة التصدى للعديد من القضايا الملحة، بما في ذلك انعدام الأمن الغذائي المتزايد، حيث تعطل الحرب على غزة الإنتاج الزراعي الحيوي وشبكات توزيع الأغذية، مما يزيد من تعريض الأمن الغذائي للخطر في منطقة تواجه بالفعل نقصا. وتحاول الاجتماعات إيجاد حلول فورية وطويلة الأجل لضمان وصول الغذاء إلى السكان المعرضين للخطر.
وأشارت تعليقات من مسؤولين بارزين إلى احتمالية تناول المناقشات استراتيجيات لزيادة المساعدات الإنسانية وجهود إعادة الإعمار في مختلف مناطق الصراع، وفي المقدمة منها قطاع غزة. ويرى البنك الدولي أن الحرب المستمرة تعمل على تكثيف الأزمة الإنسانية في القطاع، مع الحاجة الماسة إلى الإمدادات الطبية والمأوى والبنية التحتية للصرف الصحي. وبينما تعطل الحرب وتبعاتها تدفقات التجارة والاستثمار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وتؤثر بالنمو الاقتصادي الإقليمي، يسعى المشاركون في الاجتماعات لإيجاد طرق للتخفيف من هذه الاضطرابات ودعم الانتعاش الاقتصادي الإقليمي.
وتشكل الحرب في كل من أوكرانيا وغزة بيئة اقتصادية عالمية متقلبة، تسببت في تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي، على مدار الأشهر الأخيرة. ويخصص صندوق النقد الدولي جزءاً كبيراً من فعاليات المؤتمر لبحث مواجهة ارتفاع التضخم، والاضطرابات المحتملة في سلاسل التوريد، وضمان الاستقرار المالي للدول النامية.
موازنة دقيقة
ويواجه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مهمة دقيقة تتمثل في معالجة التحديات الفورية وطويلة الأجل. وفي حين أن ضمان استجابة إنسانية سريعة في غزة أمر ضروري، فإن الحفاظ على التركيز على أهداف التنمية العالمية الأوسع، ومعالجة التأثير الاقتصادي للحرب يظلان مهمين بالقدر نفسه. وفي حين يسلط جدول الأعمال الرسمي الضوء على الموضوعات الرئيسية، يظل مدى فعالية هذه الاجتماعات مرتبطا بقدرة الدول الأعضاء على التغلب على الانقسامات السياسية. ويعد إيجاد أرضية مشتركة وتعزيز التعاون الدولي أمرين ضروريين في معالجة شبكة الأزمات المعقدة التي تؤثر بالمجتمع الدولي.
الاقتصاد العالمي
وفي الجلسة الافتتاحية، قال بيير-أوليفيير غورينشا، مدير إدارة البحوث بصندوق النقد الدولي، إن الاقتصاد العالمي يواصل إظهار مرونة ملحوظة مع ثبات النمو وانخفاض التضخم، ولكنه أشار إلى أنه لا تزال هناك العديد من التحديات التي تنتظرنا. وأكد غورينشا أن معدل النمو العالمي بلغ 3.2% في عام 2023، وتوقع أن يظل عند هذا المستوى في عامي 2024 و2025، بزيادة بنسبة 0.3 نقطة مئوية عن توقعات الصندوق السابقة، في أكتوبر/تشرين الأول، لعام 2024. وأشار إلى أن هناك نشاطا أقوى من المتوقع في الولايات المتحدة والصين ودول ناشئة كبيرة أخرى، مؤكدا أن النشاط ما زال أضعف في منطقة اليورو، وأن الاقتصاد الصيني لا يزال متأثرا بالانكماش في قطاع العقارات.
وخفّض صندوق النقد الدولي توقعه لنمو الاقتصاد الإسرائيلي خلال السنة الحالية إلى 1.6% من 3% كانت متوقعة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على وقع حربها على قطاع غزة التي كبّدتها خسائر اقتصادية، يقول مراقبون إنها لم تفصح عنها بصورة كاملة.
وأوضح غورينشا أن التضخم آخذ في التراجع، متوقعا انخفاض متوسطه من 4% في نهاية العام الماضي إلى 2.8% بحلول نهاية هذا العام، ثم إلى 2.4% بحلول نهاية عام 2025، وقال "لا تزال أغلب المؤشرات تشير إلى هبوط". وتابع: "نتوقع أيضا أن تكون الآثار الاقتصادية أقل من الأزمة التي حدثت خلال السنوات الأربع الماضية، على الرغم من اختلاف التقديرات بين البلدان. لقد تجاوز الاقتصاد الأميركي بالفعل اتجاهه قبل الجائحة، ولكننا نقدر الآن أنه سيكون هناك المزيد من الندوب على البلدان النامية منخفضة الدخل، والتي لا يزال العديد منها يكافح من أجل طي صفحة أزمة الوباء وتكلفة المعيشة".
وذكر المتحدث ذاته أن المخاطر أصبحت الآن متوازنة على نطاق واسع، لكنه أشار إلى وجود جوانب سلبية، مثل الارتفاعات الجديدة في الأسعار بسبب التوترات الجيوسياسية، أو التضخم الأساسي المستمر، أو التحول المدمر نحو التصحيح المالي، الذي يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ النشاط.
الدول العربية واجتماعات هذا العام
وبخلاف الحرب في غزة، تأتي الدول العربية، التي يشارك أغلبها هذا العام، محملة بالعديد من القضايا الملحة والأزمات. وأكد البنك الدولي أن الحرب في غزة وارتفاع المديونية يفضيان إلى زيادة حالة عدم وضوح الرؤية حول الآفاق المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ودعا إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية، خاصةً في مجالات تعزيز الشفافية، لتحفيز النمو وضمان مستقبل مستدام.
ولاحظ تقرير أحدث المستجدات الاقتصادية الذي أصدره البنك الدولي بعنوان "الصراع والديون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، الاثنين، أن "النمو الضعيف، وارتفاع مستويات المديونية، وتزايد حالة عدم اليقين الناجمة عن الصراعات تُلقي بظلالها على جميع اقتصادات المنطقة".
وتوقعت المؤسسة المالية الدولية أن تعود اقتصادات المنطقة إلى معدلات النمو المنخفضة المماثلة للفترة التي سبقت الجائحة، إذ يرجح أن ينمو الناتج الإجمالي المحلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 2.7% في عام 2024، بعدما بلغ 1.9% في العام الماضي. واعتبرت أنه كما هو الحال في عام 2023، من المرجح أن تنمو البلدان المستوردة والمصدرة للنفط بمعدلات أقل تفاوتاً عن عام 2022 "عندما عزز ارتفاع أسعار النفط النمو في البلدان المصدرة للنفط".
وذهب البنك الدولي إلى أن زيادة النمو في عام 2024 في دول مجلس التعاون الخليجي تعكس توقعات بتحسن نشاط القطاع غير النفطي وانحسار تخفيضات إنتاج النفط قرب نهاية العام، متوقعاً تباطؤ نمو إجمالي الناتج المحلي في جميع البلدان المستوردة للنفط تقريباً.
وعرض البنك في تقريره الآثار الاقتصادية للعدوان الإسرائيلي على غزة، حيث أوشك النشاط الاقتصادي فيها على التوقف التام، ملاحظا تراجع إجمالي الناتج المحلي للقطاع بنسبة 86% في الربع الأخير من عام 2023. وأكد أن الضفة الغربية انزلقت إلى هوة عميقة من الركود، مع أزمات متزامنة في القطاعين العام والخاص.
وبعد توصلها لاتفاق مع صندوق النقد الدولي يسمح بزيادة حزمة التمويل التي سبق الاتفاق عليها من ثلاثة إلى ثمانية مليارات دولار، بالإضافة إلى أكثر من مليار دولار من صندوق الاستدامة البيئية التابع لصندوق النقد، تشارك مصر ببعثة كبيرة، تضم وزراء ومجموعة من أعضاء مجلسي النواب والشورى. بدورها، تحضر تونس الاجتماعات رغم عدم توصّل السلطات إلى توقيع اتفاق نهائي بشأن قرض الصندوق الممد بقيمة 1.9 مليار دولار.
وأعلنت وزارة الاستثمار والتعاون الدولي، في بيان الاثنين، أن وفداً تونسياً سيشارك في فعاليات اجتماعات الربيع، يضم وزراء ومحافظ البنك المركزي، ليعقد لقاءات مع كبار مسؤولي بعض المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى لقاءات أخرى مع عدد من نظرائهم من بلدان صديقة وشقيقة. وأشارت إلى أن "هذه اللقاءات ستمثّل فرصة لإطلاع الشركاء على التوجهات الإصلاحية للحكومة التونسية الرامية إلى الرفع من نسق النمو الاقتصادي والمحافظة على التوازنات المالية وتحسين الأوضاع الاجتماعية.
ويشارك أيضاً الأردن ولبنان والجزائر بوفود رسمية، ممثلة بمحافظ البنك المركزي ومجموعة من الوزراء. وقال وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية أمين سلام، إن لبنان في "مرحلة متقدمة جدا" من المباحثات مع البنك الدولي، بشأن برنامج يدعم قطاعات حيوية للاقتصاد.
وأشار سلام، في مقابلة مع وكالة بلومبيرغ، الثلاثاء، على هامش مشاركته في الاجتماعات، إلى أن المحادثات مع البنك ركزت على "برامج الاستدامة التي تخلق نموا" في الاقتصاد. ولفت إلى أن البنك الدولي ما زال داعما كبيرا للبنان في مشاريع حيوية مرتبطة بالأمن الغذائي والتقديمات الاجتماعية، والتي خلقت نوعا من الاستقرار في الفترة الماضية.