قضايا غزة الشائكة في مؤتمر إسطنبول

قضايا غزة الشائكة في مؤتمر إسطنبول

14 مارس 2024
الاحتلال الإسرائيلي يتعمد منع وصول المساعدات إلى غزة (الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في مؤتمر بإسطنبول ناقش باحثون من الدول العربية وتركيا الأحداث في الشرق الأوسط وتأثيرها على السلام، برعاية مؤسسة أورسام والمركز النمساوي للسلام، مع التركيز على الهجوم العنيف لحماس على إسرائيل.
- الجلسات تناولت تحليل الأحداث، آثارها، وإمكانية التوصل لحل سياسي دائم، مع مناقشة الموقف الأميركي، صلابة الموقف الفلسطيني، وتعقيدات مفاوضات تبادل الأسرى.
- اتفق الحاضرون على ضرورة عقد جولة ثانية من المؤتمر وإنشاء لجنة دائمة لتقديم حلول، مع التأكيد على أهمية المشاركة الدولية لمساعدة الأطراف التفاوضية، رغم التحديات الكبيرة لجهود السلام.

من المفيد جداً اجتماع عقول من خلفيات ثقافية وجغرافية مختلفة لكي يتباحثوا في حدث جَلل، وليروا مقدار التقارب أو التباين في وجهات نظرهم حيال تفسير الحدث، ومآلاته، وطرق احتوائه، والحلول الممكنة لمنع تكراره وحدوثه.

وقد كان هذا هو الحال في المؤتمر الذي حضرتُه وشاركتُ فيه بفاعلية في مدينة إسطنبول بتركيا يومي السابع والثامن من هذا الشهر مارس/ آذار 2024.

دعت إلى عقد المؤتمر مؤسسة أورسام (ORSAM) التركية واسمها الطويل هو"مركز دراسات الشرق الأوسط" بالمشاركة مع المركز النمساوي للسلام (ACP). وحضره عدد من الباحثين المرموقين من تركيا، والأردن، ومصر، وفلسطين، وتونس، والسعودية. وتغيب عن الاجتماع ممثلون عن قطر وإسرائيل.

ولم تكن صيغة الدعوة للمؤتمر، أو التمهيد لموضوعات البحث فيه مكتوبة بلغة محايدة، فمن الجملة الأولى بدا التحيز " بعد الهجوم العنيف لحماس على إسرائيل يوم السابع من تشرين الأول، فإن التصعيد الذي نجم عن هجوم إسرائيل العسكري وغير المسبوق، فقد تنادى المركزان (أورسام) و(ACP) للدعوة إلى هذه الندوة المغلقة إلخ.

اللقاء طرح قضايا مهمة منها الموقف الأميركي من الحرب، وتحيز الإدارة الواضح لإسرائيل رغم تصاعد حدة الخلاف بين كل من بايدن مع نتنياهو

وقد قسمت اجتماعات اليومين على خمسة اجتماعات بدأت بتحليل ما حدث، ومن ثمّ انتقلت لآثاره وأبعاده المحلية والدولية، ومن ثم آثار المعارك والحوادث على مختلف الدول ذات العلاقة والقريبة من الحدث، ومن بعدها الإجابة على التساؤل عن أسلوب إيقاف دائرة الرعب الدموية. وأخيراً وليس آخراً هل بالإمكان تحول الحدث إلى عمل سياسي بناء يسهم في حل الدولتين؟

وتغيب المدير النمساوي للمركز النمساوي للسلام بسبب مرض ألَمَّ به وبزوجته. ولكن الجانب التركي وباحثيه في مركز " أورسام" بذلوا كل جهد ممكن من أجل نجاح المداولات، وضبطها ضمن إطار منظم يفضي إلى بعض التوافقات بين الحاضرين، وإلى وضع تصورات واضحة.

وأثناء الحديث بدأت الموضوعات الشائكة والأسئلة المعقدة تتغلغل إلى الحوارات المتتالية، وتصدى لها الحاضرون بأدب وذكاء، ولم يخرج النقاش ولو مرة واحدة عن حدود اللياقة وحسن الاستماع والتعبير الحصيف، ولذلك أدى البحث مع الوقت إلى إثارة العديد من القضايا الهامة.

الأول هو الموقف الأميركي من الحرب، وتحيز الإدارة الواضح لإسرائيل رغم تصاعد حدة الخلاف بين كل من الرئيس جو بايدن مع بنيامين نتنياهو.

وأدت زيارة " بني غانتس" الشريك في لجنة الحرب الوزارية إلى واشنطن، واجتماعه بكبار المسؤولين بدون إذن من رئيس الوزراء الإسرائيلي والذي قام بدوره بالتنبيه على سفير إسرائيل في الولايات المتحدة بإهمال " غانتس" وعدم المشاركة في اجتماعاته ولقاءاته والمناسبات التي يشارك فيها أثناء وجوده بالعاصمة واشنطن. وقد بقيت نتائج الزيارة سرية.

موقف
التحديثات الحية

وأما النقطة الثانية فكانت إمكانية وقف إطلاق النار، وفق صفقة تبادل بعض الأسرى والمساجين بين الطرفين، ومدة استمرار المعارك واحتمالية انتهائها قبل بداية شهر رمضان.

وقد كانت تلك المفاوضات فرصة ليفحص كل من الجانبين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل صلابة موقف الجانب الآخر، وانتظار ما يمكن أن يسفر عنه سباق عض الأصابع بين الطرفين.

ووافق الحاضرون للنقاش على أن الموقف الفلسطيني رغم دموية الجانب الاسرائيلي وتعطشه لسفك دماء المزيد من الفلسطينيين لا يزال موقفاً صلباً لا ينم عن ضعف أو تخاذل.

وحيال هذا الموقف أصبح من الصعب على إسرائيل الادعاء بأن المقاومة قد قاربت على التسليم واتخاذ موقف أقرب إلى الموقف الإسرائيلي، ما يجعل الأخيرة راغبة أكثر في سفك الدماء الفلسطينية خاصة من النساء والأطفال، والذين يتزايد عدد الشهداء والجرحى منهم كل يوم دون أن تظهر المقاومة ضعفاً أو استسلاماً.

وقد تعقد الموقف حينما قام أبوعبيدة، الناطق الرسمي باسم حركة حماس بإعلان موت عدد من الرهائن الإسرائيليين العسكريين بفعل العمل الإسرائيلي العسكري، وقد زادت المفاوضات حول الأسرى تعقيداً حين قامت إسرائيل بطلب قائمة بأسماء الأسرى لدى المقاومة التي رفضت هذا الطلب.

وافق الحاضرون للنقاش على أن الموقف الفلسطيني رغم دموية الجانب الاسرائيلي وتعطشه لسفك دماء المزيد من الفلسطينيين لا يزال موقفاً صلباً لا ينم عن ضعف أو تخاذل

وقد جاء البحث في هذا الموضوع، أي الرهائن والأسرى، غامضاً في مداولات الندوة المعقودة في إسطنبول، ويبدو أن الجميع مقتنع بأن وقف إطلاق النار لن يحصل، مؤقتاً كان أم دائماً طالما، أصرت إسرائيل على طلباتها. ولذلك اتفق المجتمعون أن على الوسطاء في قطر ومصر والولايات المتحدة أن يجدوا منفذاً آخر غير الأسرى للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

وانتقل الحديث بعدها إلى تحليل إمكانيات الوصول إلى سلام بين الأطراف. وهنا ركز النقاش كثيراً على ازدواجية معاني كثير من المفردات المستخدمة. وأولها " حل الدولتين" وثانيها " هل المطلوب إحداث عملية سلام أو الأهم هو الوصول إلى سلام دائم. فالسلام أهم وأكثر نصاعة من " عملية السلام".

وثالثها هل بالإمكان أن نحث أي طرف منظور على الوصول إلى دولة فلسطين أو كيان فلسطيني قابل للحياة في ظل التوسع الاستعماري بالاستيطان في أرض فلسطين المحتلة. وهل تعني ديناميكية السلام بقاء الوضع الاستيطاني على حاله أم أن عملية السلام ستؤدي ضمن خطوات مدروسة إلى الوصول إلى حل عادل ودائم.

ومن أجل الوصول إلى هذه النتيجة، هل بالإمكان إعادة إسرائيل إلى مواقف أقرب للوسط أو اليسار، أم أنها سائرة بعناد إلى اليمين، وأن ليس بالإمكان إعادة عقارب الساعة إلى زمن أكثر عقلانية داخل إسرائيل؟

موقف
التحديثات الحية

وبالمقابل ثار التساؤل حول مستقبل إسرائيل نفسها. وهل يكمن سر فنائها في عودها الذي بدأ يغزوه الوهن والتسوس؟ وهل ستكون إسرائيل شاعرة بالأمن والأمان في المستقبل حيال تطور القدرات القتالية الفلسطينية، وتحول الجيل الصاعد العربي إلى مواقف رافضة لإسرائيل والتعامل معها، وهل ستقدر إسرائيل على إعادة اكتساب التعاطف الدولي الذي خسرت الكثير منه في ضوء أعمالها الهمجية ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية؟

وأخيراً، في ظل هذه الظروف يثار السؤال الكبير كيف يمكن المبادرة إلى مفاوضات جادة لحل الصراع الجوهري والتاريخي في فلسطين؟ هل هنالك إمكانية لخلق مسار سياسي تفاوضي يؤدي إلى منح الفلسطينيين حقوقهم على أساس القرارات الدولية والمبادرة العربية والإسلامية الصادرة عن قمة بيروت العربية والقمة الإسلامية التي تلتها، وهل تشارك حماس والحكومة الإسرائيلية المتطرفة في التفاوض؟ ومن هي الجهة الفلسطينية التي ستفاوض؟ وهل ستشارك بعض الدول العربية في هذه المفاوضات سواء بوجود وفد أو أكثر منها على الطاولة أو داخل الغرفة أو داخل المبنى؟

وقد أبدى بعض المشاركين في الندوة تشاؤمهم من إمكانية الوصول إلى مثل هذا الترتيب. ولذلك تحول البحث إلى التأكيد على أن الدول المعنية مباشرة أو الدول العربية ومعها تركيا وإيران، ودول غربية وشرقية مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة والصين وغيرها حسب طبيعة الموضوع قيد البحث للمشاركة في إطار لجان دولية خاصة لمساعدة الأطراف التفاوضية على وضع حلول لقضايا شائكة مثل السيادة على القدس الشرقية والقدس الشريف، وموضوع حق العودة و/أو التعويض للاجئين الفلسطينيين وإعادة هيكلة الاقتصاد الفلسطيني وتأهيله وغيرها من الموضوعات.

لكن الحاضرين رغم دأبهم للوصول إلى تصور متكامل يبدأ من وقف إطلاق النار وينتهي بوضع إطار متكامل لإطلاق مشروع السلام في فلسطين، إلا أن الأحداث ألقت بظلها الثقيل على الحاضرين

واتفق الحضور على بعض النقاط وإن كان بعضها ما زال قيد البحث والتمحيص، وأولها عقد جولة ثانية من هذا اللقاء الذي حدث في إسطنبول ولكن بشكل موسع وأكثر حضوراً لدول ذات علاقة أكثر، وضرورة انشاء لجنة دائمة مما يسمى " المسار الثاني" أو " Track Two" والذي يضم نخبة من الخبراء والمشهود لهم بالمهنية والحرفية والموضوعية لوضع مقترحات وحلول لبعض القضايا أمام السياسيين في الدول المعنية للمساعدة في تليين المواقف وتشحيمها، ومن ثم البدء بوضع مشروع لمؤتمر دولي يحضره كبار السياسيين من الدول المعنية لإطلاق عملية سلام لا رجعة عنها.

ولكن الحاضرين رغم دأبهم للوصول إلى تصور متكامل يبدأ من وقف إطلاق النار وينتهي بوضع إطار متكامل لإطلاق مشروع السلام في فلسطين، إلا أن الأحداث القائمة في حينه ألقت بظلها الثقيل على عقول وقلوب الحاضرين.

فوقع إطلاق النار، وتصريحات الرئيس بايدن بفقدان الأمل بالوصول إلى اتفاق حول وقف إطلاق النار قبل بداية رمضان، وهدير المعارك وارتقاء الشهداء وزيادة عدد الجرحى لا يمكن إغفاله خاصة وأن العون الذي يصل لملايين الجياع والعطش والمرض ما يزال نزراً بخيلاً قياساً للحاجة الماسة إلى كميات كبيرة منه.

المساهمون