فرنسا غاضبة من مقترح تعديل قانون المعاشات.. وماكرون أمام الاختبار

فرنسا غاضبة من مقترح تعديل قانون المعاشات.. وماكرون أمام الاختيار الصعب

20 يناير 2023
أمواج بشرية تملأ شوارع باريس احتجاجاً على مقترح تعديل قانون المعاشات (Getty)
+ الخط -

إذا كان الشتاء الدافئ قد أنقذ ماكرون من موجة غضب الشارع الفرنسي حتى الآن من الاحتجاجات على غلاء فواتير التدفئة والكهرباء، لكنه ربما لن ينقذه الغضب الذي أثاره مقترح تعديل نظام التقاعد، وهو المقترح الذي وضعه على رأس أجندة حملته الانتخابية في العام الماضي.

فالشارع والنقابات العمالية التي تعارض مقترح زيادة سن التقاعد من مستواها الحالي خرجت أمس الخميس في مظاهرات غاضبة عطلت مرافق التعليم والمواصلات والمطارات والخدمات في العاصمة باريس والمدن الفرنسية الكبرى.

وتعد إجازة مقترح تعديل سن التقاعد عن العمل الذي يعتبر الأدنى في أوروبا، أكبر اختبار للرئيس الفرنسي خلال ما تبقى من سنواته في الحكم. ويبلغ سن التقاعد في فرنسا 62 عاماً مقارنة بـ 67 عاماً في ألمانيا و65 عاماً في إسبانيا.

وجاء في تقديرات لوزارة العمل أن رفع سن التقاعد عامين وتمديد فترة استحقاق الدفع قد يدران 17.7 مليار يورو (19.1 مليار دولار) كمساهمات تقاعدية سنوية، مما يسمح للنظام بتحقيق التوازن بحلول عام 2027.

ويرغب ماكرون الذي تحاصره الأزمات الاقتصادية في الوقت الراهن رفع سن التقاعد من معدله الحالي إلى 64 عاماً بحلول العام 2030، ولكن ثلثي الشارع يرفضان ذلك وتسانده النقابات والأحزاب اليسارية واليمينية. وبالتالي قد لا تتم إجازته من خلال الجمعية العمومية أو البرلمان، في وقت تعاني فيه الجماهير من الغلاء والتضخم وتدني الخدمات، وبالتالي يتخوف النواب على مقاعدهم في الانتخابات المقبلة.

وظل نظام التقاعد في فرنسا واحداً من العقبات الرئيسية التي تعوق النمو الاقتصادي وفق مصادر رسمية، حيث إن كلفته تزداد عاماً بعد عام. وحاول الرؤساء المتعاقبون على الحكم بفرنسا إصلاح النظام ولكنهم فشلوا، ومن بينهم جاك شيراك ونيكولاس ساركوزي، في تمرير مشروعات الإصلاح واضطروا إلى تقليص طموحاتهم.

وربما يكون مصير ماكرون لا يختلف عن مصيرهم وسط هذه الجموع الفرنسية الهادرة التي ترفض إجراء التعديلات على سن التقاعد. وهنالك مخاوف وقلق عميق داخل الحكومة الفرنسية من أن يؤدي إصرار ماكرون على إجازة سن التقاعد إلى ظهور حركة غير متوقعة في الشارع شبيهة بحركة السترات الصفراء التي أثارت الفوضى في شوارع باريس، وضربت السياحة والتسوق في عامي 2018 و2019 وتحولت في النهاية إلى أعمال عنف وأجبرت ماكرون على التراجع عن ضريبة الوقود الأخضر في فرنسا.

وترغب الحكومة الفرنسية في رفع سن التقاعد التي باتت عالية الكلفة على أمل خفض عجز الميزانية، وبالتالي معدل الديون الفرنسية وحجم خدمتها السنوية التي باتت تمثل أزمة حقيقية لمستقبل صحة الاقتصاد بالبلاد.

ويقدر البنك المركزي الأوروبي حجم الدين السيادي بنسبة 115% من الناتج المحلي الفرنسي المقدر حجمه بنحو 3.013 تريليونات دولار في العام 2022. ولخفض خدمة الدين السيادي تحتاج الحكومة خفض الإنفاق في الميزانيات خلال السنوات المقبلة، وعلى رأسها خفض كلفة المعاشات التي باتت تأكل أكثر من 20% من الإنفاق العام وترهق الميزانية العامة. وبرفع سن معاشات التقاعد تخطط الحكومة لخفض كلف الإنفاق العام وتوجيه الدخل لمشاريع تعتقد أنها ستسهم في إنعاش الاقتصاد.

من جانبها تقدر وكالة فيتش الأميركية، حجم الدين السيادي الفرنسي بنسبة تراوح بين 111 و112% من إجمالي الناتج المحلي. وحسب خطة الميزانية الفرنسية للعام الجاري المنشورة على موقع الرسمي للحكومة الفرنسية تعمل وزارة المالية على خفض معدل الدين السيادي عبر إجراء خفض تدريجي بالعجز في الميزانيات المقبلة بدءاً من العام الجاري وحتى العام 2027، من نسبة العجز البالغ 5.0% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الجاري إلى نسبة 3.0% فقط في العام 2027.

موقف
التحديثات الحية

وحسب مشروع قانون الموازنة الفرنسي للعام الجاري 2023 تنوي الحكومة اقتراض 298.4 مليار يورو لتغطية عجز الميزانية البالغ 158.5 مليار يورو وتغطية متطلبات خدمة الديون البالغة 149.4 مليار يورو التي تمت استدانتها عبر إصدار سندات دين متوسطة وطويلة الأجل وحان موعد استحقاقها في العام الجاري 2023.

وحدد وزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لومير، الاستراتيجية الاقتصادية للحكومة الفرنسية للخروج من مأزق الديون التي باتت تأكل معظم ميزانية الإنفاق على الخدمات الأخرى بثلاث ركائز رئيسية، وهي التحكم في الإنفاق العام ودعم الاستثمار والابتكار والوصول إلى التوظيف الكامل.

وقال إن الانتهاء من إصلاح خطط المعاشات التقاعدية من الأسس الرئيسية لإعادة المالية العامة إلى أسس سليمة. وأشار لو مير في تصريحات سابقة للإذاعة الفرنسية إلى أن الهدف الاستراتيجي للحكومة "هو البدء في خفض مستويات الديون بحلول عام 2026".

من جانبه يرى الخبير الاقتصادي الفرنسي، إريك توسان، في تصريحات نقلتها الشبكة الدولية الأوروبية للأخبار، أن فرنسا ستدخل في نفق الديون في حال مواصلة البنك المركزي الأوروبي لرفع الفائدة على اليورو. ويعتقد توسان أن ارتفاع الفائدة على اليورو سينذر بدخول الاقتصاد الفرنسي مرحلة الخطر، لأن الفائدة المرتفعة ستعني ارتفاع كلفة الديون، وبالتالي نسبة خدمتها من معدل الإنفاق في الميزانية.

ويرى محللون أن الحديث عن التضخم وأسعار الفائدة هو آخر ما يريده ماكرون في الوقت الراهن، وإنه سيعمل كل ما بوسعه لإثناء رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لا غارد عن رفع الفائدة على اليورو.

المساهمون