صعود قاسٍ للتضخم: بريطانيا وأميركا تختبران اقتصاد ما بعد الوباء

صعود قاسٍ للتضخم: بريطانيا وأميركا تختبران اقتصاد ما بعد الوباء

15 يوليو 2021
 ارتفاع الأسعار على المستهلكين الأميركيين (نوام غالاي/ Getty)
+ الخط -

تغلّب مستوى التضخم على التوقعات في كل من بريطانيا وأميركا، لتظهر البيانات صعوداً عنيفاً خلال الشهر الماضي، لا بل يؤكد عدد كبير من الاقتصاديين في كلا البلدين أن مسار الارتفاع لن يتوقف قريباً، وأن مواطني أول وسادس أكبر اقتصاد في العالم سيواجهون الأسعار العالية لفترة قد تمتد سنوات.

فقد أظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الوطني ارتفاع التضخم في جميع أنحاء المملكة المتحدة بنسبة 2.5 في المائة في يونيو/ حزيران الماضي من 2.1 في المائة في مايو/ أيار، وهو أعلى مستوى له منذ العام 2018، متخطياً توقعات بنك إنكلترا المركزي عند 2 في المائة.

وأشارت الأرقام إلى أن تكاليف النقل دفعت التضخم إلى الارتفاع، حيث ارتفعت أسعار البنزين كثيراً عما كانت عليه في يونيو 2020 عندما كانت المملكة المتحدة تخرج من أول إغلاق لها.

قفزت أسعار وقود السيارات بأكثر من 20%  وهو أكبر معدل منذ مايو 2010. كذا صعدت أسعار المواد الغذائية، السيارات المستعملة، الملابس والأحذية، والأكل والشرب

وقفزت أسعار وقود السيارات بأكثر من 20 في المائة وهو أكبر معدل منذ مايو 2010. كذا صعدت أسعار المواد الغذائية، السيارات المستعملة، الملابس والأحذية، والأكل والشرب.

يقول جوناثان أثو، نائب المركز الإحصائي الوطني البريطاني وفق صحيفة "الغارديان"، إن ارتفاع التضخم في يونيو كان واسع الانتشار، لكنه يشير أيضاً إلى أن الاضطراب الناجم عن الوباء هو السبب جزئياً.

على سبيل المثال، أعيد فتح متاجر الملابس في منتصف إبريل/ نيسان فقط، لذلك تعطلت أنماط المبيعات العادية. وتعكس القفزة في أسعار وقود السيارات ضعف الطلب وهبوط أسعار النفط في وقت مبكر من الوباء.

وقفزت أسعار السيارات المستعملة بنسبة 4.4 في المائة في يونيو وحده. ويرجع ذلك جزئياً إلى النقص في أشباه الموصلات الذي أصاب صناعة السيارات، وسط وجود عدد أقل من المركبات الجديدة التي تخرج من خطوط الإنتاج، حيث يتجه الناس إلى السوق المستعملة بدلاً من ذلك.

يتوقع بول ديلز من "كابيتال إيكونوميكس" في تغريدة على "تويتر" أن يرتفع معدل التضخم في المملكة المتحدة إلى حوالي 4 في المائة بحلول نهاية هذا العام.

لكنه يعتبر أيضاً أن يكون "هذا ارتفاعاً قصير الأجل، وأن التضخم سينخفض مرة أخرى في عام 2022 مع تلاشي تأثير ارتفاع أسعار السلع الأساسية ونقصها. لذا، لن يقوم بنك إنكلترا بتشديد السياسة في أي وقت قريب".

في المقابل، تقول هانا أودينو، الخبيرة الاقتصادية في "برايس ووترهاوس كوبرز": "من غير المرجح أن يتبع التضخم مساراً سلساً هذا العام، مع وجود عوامل مختلفة تغذي ارتفاع الأسعار.

ن المتوقع أن يتبع التضخم اتجاهاً تصاعدياً مع إعادة فتح الاقتصاد البريطاني، مما يسمح للمستهلكين بإطلاق بعض من مدخراتهم الفائضة المقدرة بـ 180 مليار جنيه إسترليني

بشكل عام، من المتوقع أن يتبع التضخم اتجاهاً تصاعدياً مع إعادة فتح الاقتصاد، مما يسمح للمستهلكين بإطلاق بعض من مدخراتهم الفائضة المقدرة بـ 180 مليار جنيه إسترليني.

قد نرى الشركات ترفع الأسعار من أجل تعويض الإيرادات المفقودة، وأيضاً استجابة لارتفاع تكاليف المدخلات مثل الشحن والمواد الخام".

ويشرح سام كوبر، نائب رئيس حلول مخاطر السوق في بنك "سيليكون فالي"، الوضع قائلاً: "المفاجأة الصعودية في مؤشر أسعار المستهلكين في المملكة المتحدة يمكن أن تشكك في وجهة نظر بنك إنكلترا بأن التضخم مؤقت حيث سجل مقياس أسعار المستهلك هزيمته الثانية في شهرين متتاليين".

وفي السياق ذاته، يرتفع التضخم في الولايات المتحدة الأميركية وسط تحذيرات من استمرار هذا المسار. وتقول صحيفة "واشنطن بوست" إن الأسعار صعدت بنسبة 5.4 في المائة في يونيو مقارنة بالعام الماضي، مسجلة أكبر ارتفاع منذ عام 2008 حيث يستعيد الاقتصاد الذي يعاني من الوباء قوته، ويطرح تساؤلات حول المدة التي سيستمر فيها هذا الارتفاع المطّرد في التضخم.

كان التضخم في ارتفاع حاد منذ حوالي أربعة أشهر مع اكتساب الانتعاش قوة، إضافة إلى حزمة التحفيز التي قدمها الرئيس جو بايدن بقيمة 1.9 تريليون دولار التي تعمل على انتعاش طلب المستهلك بشكل أسرع بكثير مما يمكن لسلاسل التوريد اللحاق به.

"كنا نتوقع هذا التضخم" تقول رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" في سان فرانسيسكو ماري دالي لتلفزيون "سي أن بي سي" الأميركي، وتتابع: "علينا أن نتخطى هذه الفترة المضطربة حتى نتمكن من رؤية وضعية الاقتصاد".

ومع ذلك، يتم اختبار هذا المؤشر بشكل متزايد، خاصة وأن الأميركيين يشعرون بالتوتر من ارتفاع الأسعار. لقد تسبب الوباء في خسائر غير مسبوقة في الاقتصاد العالمي، ولا أحد يعرف على وجه اليقين كم من الوقت سيستغرق التضخم لعكس مسار صعوده العنيف.

في غضون ذلك، يقول الجمهوريون وبعض الاقتصاديين البارزين إن بنك الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" متأخر بالفعل عندما يتعلق الأمر بخفض التضخم.

يلفت السيناتور باتريك جيه تومي (بنسلفانيا)، العضو الجمهوري الأعلى في اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ خلال جلسة استماع يوم الثلاثاء: "نحتاج إلى الاعتراف بأن التضخم سيستمر وأنه أكثر حدة مما كان متوقعاً. لقد أكد لنا بنك الاحتياطي الفيدرالي أن كل شيء مؤقت ... ما زلت أشعر بالقلق من أنهم يضعون أنفسهم في مكان يصعّب عليهم السيطرة على المنحنى الصعودي إذا كانوا مخطئين".

 إذ إنه في حال استمر التضخم في الارتفاع خلال الفترة المتبقية من عام 2021 وما بعده، فقد يجد صانعو السياسة صعوبة في إقناع الأميركيين بأن الأسعار المرتفعة لن تدوم طويلاً، وفق واشنطن بوست.

في حين تحذر "وول ستريت جورنال" من أنه على الأميركيين أن يستعدوا لعدة سنوات من التضخم الذي سيصل إلى مستوى أعلى مما رأوه منذ عقود، وفقاً لخبراء اقتصاديين يتوقعون أن يؤدي التعافي الاقتصادي القوي بعد الوباء إلى زيادة الأسعار بشكل سريع لفترة من الوقت.

في حال استمر التضخم في الارتفاع خلال الفترة المتبقية من عام 2021 وما بعده، فقد يجد صانعو السياسة صعوبة في إقناع الأميركيين بأن الأسعار المرتفعة لن تدوم طويلاً، وفق واشنطن بوست

ورفع الاقتصاديون الذين شملهم الاستطلاع هذا الشهر من قبل صحيفة "وول ستريت جورنال" توقعاتهم لمدى ارتفاع التضخم وإلى متى، مقارنة بتوقعاتهم السابقة في إبريل.

يتوقع المستجيبون في المتوسط الآن أن يرتفع مقياس التضخم المتبع على نطاق واسع، والذي يستثني مكونات الغذاء والطاقة المتقلبة، بنسبة 3.2 في المائة في الربع الرابع من عام 2021 عن العام السابق.

وتوقعوا تراجع الارتفاع السنوي إلى أقل بقليل من 2.3 في المائة سنوياً في عامي 2022 و2023. وهذا يعني زيادة سنوية في المتوسط بنسبة 2.58 في المائة من عام 2021 حتى عام 2023، مما يضع التضخم عند مستويات شوهدت آخر مرة في عام 1993.

يقول جويل ناروف، كبير الاقتصاديين في "ناروف إيكونومي": "نحن في مرحلة انتقالية الآن. نحن ننتقل إلى فترة تضخم وأسعار فائدة أعلى مما كانت عليه على مدار العشرين عاماً الماضية".

عملياً، قفز مؤشر الأسعار الأساسي لنفقات الاستهلاك الشخصي بنسبة 3.4 في المائة في مايو مقارنة بالعام الذي سبقه، وهي أكبر زيادة منذ أوائل التسعينيات.

وهذا التحول يمكن أن يخلق تحديات جديدة للأسر وصانعي السياسات والمستثمرين الذين توقعوا تضخماً يقترب من 2 في المائة أو أقل. إذا ثبتت صحة توقعات الاقتصاديين، فقد يضطر مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة في وقت أقرب أو أكثر مما يتوقعون لإبقاء التضخم تحت السيطرة.

وكرر الاحتياطي الفيدرالي، في تقرير صدر يوم الجمعة، وجهة نظره بأن التضخم قد انتعش هذا العام بسبب الاختناقات وصعوبات التوظيف وغيرها من "العوامل العابرة إلى حد كبير" المتعلقة بانتعاش الاقتصاد من آثار الوباء.

يعتقد معظم المسؤولين، في التوقعات الصادرة الشهر الماضي، أن التضخم سينخفض إلى حوالي 2 في المائة خلال العامين المقبلين، على الرغم من وجود قدر أكبر من عدم اليقين بشأن السرعة التي قد يحتاجون إليها لرفع أسعار الفائدة لوصول التضخم إلى هذا المستوى.

إلا أن العولمة تسير في الاتجاه المعاكس وفق الاقتصاديين، حيث أجبرت المنافسة العالمية الشركات على بناء سلاسل إمداد دولية متقنة، وتوفير المواد والمنتجات المستوردة بأسعار منخفضة.

وتعتبر بليرينا أوروتشي، كبيرة الاقتصاديين الأميركيين في "بنك باركليز" لـ"وول ستريت جورنال": "كانت دول مثل الولايات المتحدة تستورد التضخم أو حتى الانكماش من شركائها التجاريين، اليوم التضخم أصبح محلياً".

المساهمون