سورية: سرقة دور العبادة نتيجة الفقر والانفلات الأمني

سورية: سرقة دور العبادة نتيجة الفقر والانفلات الأمني

18 يناير 2024
مزيد من السوريين ينضم إلى شرائح الفقراء العاجزين عن العيش الكريم (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

أصاب الفقر والعوز من السوريين مقتلا، لدرجة أن بعضهم بات يسرق دور العبادة من أجل تأمين قوته وقوت عياله. فما الحكاية؟

ليس الفقر مبرراً لسرقة دور العبادة، هكذا قال الاقتصادي السوري، عماد الدين المصبّح، مشيراً إلى أن الحاجة لا تعالج بخطأ وتعدّ على ممتلكات الآخرين أو دور العبادة للحد الذي دفع المساجد بدمشق، وبعض المدن السورية الأخرى الواقعة تحت سيطرة نظام بشار الأسد، لتفريغ المساجد بعد انتهاء الصلاة، بعد زيادة عدد اللاجئين للمساجد طلباً للدفء، ووضع حراس على أبواب المساجد "الكاميرات غير مجدية بواقع انقطاع التيار الكهربائي".

وفي حين يقر المصبح أن الوضع المعاشي في سورية "من الأسوأ بالعالم" بعد زيادة تكاليف معيشة الأسرة، مطلع العام الجديد عن 12 مليون ليرة ومراوحة الدخل بين 200 و250 ألف ليرة، لكنه يرفض تفشي اللصوصية والاستقواء الذي يرى أن معظمه يتم بتغطية أمنية ومما وصفهم شبيحة نظام الأسد الذين توجهوا لسرقة الممتلكات بعد انتهاء سرقة المناطق التي دخلوها بحجة مكافحة الإرهاب، مستشهداً خلال حديثه لـ"العربي الجديد" بسرقة محال تجارية وأجهزة الهواتف المحمولة بوضح النهار والرد على ملاكها من "شبيحة الأسد: اسكت ثمنك رصاصة".

ويضيف الأكاديمي السوري أن فرص العمل تتقلص، بعد الإغلاقات وهجرة أصحاب المنشآت وتراجع دور القطاع العام، ما حوّل، بواقع الأجور المتدنية لمن لديه عمل، أكثر من 90% من السوريين إلى فقراء، ولولا التحويلات الخارجية لرأينا نسب الجريمة بسورية "مرعبة" ولكن "أكرر" لا تبرير للسرقات أو انتشار المخدرات وتجارة الجسد التي يدفع النظام السوريين، دفعاً إليها. ليضمن تهديما مطلقا للمجتمع السوري ويحقق كامل دوره الوظيفي.

وكانت تسعة مساجد قد تعرضت للسرقة خلال الأسبوع الفائت، وفق ما نشرت وسائل إعلام سورية الثلاثاء، مشيرة إلى أن السرقات التي طاولت مساجد في أحياء في حلب "هنانو، طريق الباب والحلوانية" تركزت على المدخرات وألواح الطاقة الشمسية وصناديق التبرعات، كون المساجد تعتمد على الطاقة الشمسية لأن تلك الأحياء لا يصلها التيار الكهربائي.

ويشير موقع "أثر برس" من دمشق إلى أن السرقات تمت بدون خلع أو كسر بل باستخدام مفاتيح تصلح لكل الأقفال، ناقلاً عن مصدر في مديرية أوقاف حلب أن سرقة المساجد ليست شيئاً جديداً بل هي حالة مكررة في العديد من أحياء حلب، يقوم بها البعض ممن وصفهم بـ"ضعاف النفوس" وخاصة في المساجد التي لا يوجد بها خادم أو مؤذن مقيم، مضيفاً أنه حتى المساجد الكبيرة والتي يكون فيها سكن تتعرض للسرقة أحياناً.

وتؤكد مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" من العاصمة دمشق، أن وتيرة السرقات ازدادت خلال الأشهر الأخيرة بالتزامن مع غلاء الأسعار كاشفة عن سرقة محولات الكهرباء في منطقة الباردة بريف دمشق يوم الاثنين الفائت، ما أدى لانقطاع التيار وخدمة الإنترنت "يسمونها خطوط الأونو"، والمفاجأة، بحسب المصادر الخاصة، أن مدير الاتصالات بريف دمشق "رفض شكاية سكان المنطقة طالباً ضبطاً شرطياً" واعداً بإدراج طلبهم بالموازنة وتخصيص 60 مليون ليرة لشراء محول يؤمن خدمة الكهرباء والإنترنت لعدد محدود من المنازل.

وتضيف المصادر من دمشق أن سرقة "الموبايلات" الأكثر انتشاراً تليها الحقائب النسائية ومن ثم قطع السيارات المركونة بالشوارع، مؤكدة أن دور العبادة تحتاط بشكل كبير عبر توظيف حراس مقيمين "سواء الجوامع أو الكنائس، كنيسة سيدة دمشق تعرضت أخيراً لمحاولة سرقة أيضاً" وذلك بعد سرقة عدد من المساجد بدمشق " مسجد يونس آغا، ومجمع كفتارو، ومسجد سكر، ومسجد ملا قاسم، وجامع ياسين في ركن الدين".

ويقول المستشار الاقتصادي السوري أسامة قاضي لـ"العربي الجديد" إن الفقر حينما يترافق مع التفلت الأمني و"التشبيح" فلا غرابة من وصول اللصوصية إلى دور العبادة وحتى اقتحام المحال والمنازل بوضح النهار "هنا لا أبرر السرقة بل أدينها ولكن الوضع الصعب وغياب الضبط الأمني يخرج أسوأ ما لدى الإنسان".

ويلفت قاضي بحديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن السرقات الكبرى يديرها نظام بشار الأسد، عبر مصادرة ممتلكات كل من يتلكأ عن دفع إتاوات شهرية، من الصناعيين والتجار، فضلاً عن سرقة المساعدات الأممية التي وصلت لسورية، سواء خلال زلزال شباط العام الماضي أو التي ترسلها الدول المانحة وتضع "مؤسسة أسماء الأسد" يدها عليها.

ويربط القاضي غياب الأمان وزيادة مستوى الجريمة بسورية، بتراجع الاستثمارات وتوطين المشروعات، خاصة بعد أن تصدرت سورية العام الماضي قائمة الدول العربية بارتفاع معدل الجريمة لتحتل المرتبة الأولى عربياً والتاسعة عالمياً "بحسب موقع Numbeo Crime Index المتخصص بمؤشرات الجريمة حول العالم".

ويضيف المتحدث أن سرقة العقارات وممتلكات السوريين، بحجة الإرهاب والتآمر على سورية، هي أس السرقات وأوقحها، لأنها تتم من دون إخطار الملاك أو صدور قرار قضائي، إذ وبأحسن الأحوال يصدر قرار حجز احتياطي عن وزارة المال، واسم الحجز احتياطي أي لا يتم تنفيذه قبل ثبوت التهمة الموجهة لمن يتم الحجز على أموالهم أو ممتلكاتهم العينية.

وكانت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية قد نشرت العام الماضي تحقيقاً استقصائياً بعنوان "سورية تشهد أكبر عملية سرقة عقارية لبيوت اللاجئين" تنفذها شبكات أمنية وعسكرية تابعة للنظام السوري تطاول بيوت لاجئين سوريين.

ونشرت الصحيفة البريطانية التحقيق الاستقصائي بالتعاون مع منظمة "اليوم التالي" المدنية، والوحدة السورية للصحافة الاستقصائية "سراج" (SIRAJ) مبينة حجم التزوير الذي يقوم به موظفون أمنيون وأشخاص نافذون، بغياب أصحاب المنازل.

وتشير الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية إلى أن وتيرة تزوير الملكيات تصاعدت في العامين الماضيين، إذ استقبل القصر العدلي بدمشق وريفها أكثر من 125 ضحية تزوير، رفعوا دعاوى بعد اكتشافهم تزوير ملكيات بيوتهم، وهم في الخارج.

المساهمون