سلاح الغاز وفرص التحول لورقة ضغط

سلاح الغاز وفرص التحول لورقة ضغط

05 مارس 2024
منتدى الدول المُصدِّرة للغاز يفتقر لقوّة التحكُّم في الأسعار (فرانس برس)
+ الخط -

بعد انعقاد القمّة السادسة لمنتدى الدول المُصدِّرة للغاز في شهر فبراير/ شباط 2022 بالعاصمة القطرية الدوحة، حطَّت القمّة السابعة رحالها في الجزائر خلال الفترة الممتدّة من 29 فبراير إلى 2 مارس/ آذار 2024.

ويتركَّز حوالي 70 في المائة من احتياطيات الغاز العالمية المُؤكَّدة في الدول الـ19 الأعضاء في المنتدى، والتي ساهمت بدورها بنسبة 42 في المائة من إنتاج الغاز الطبيعي المُسوَّق في العالم و47 في المائة من صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب و52 في المائة من صادرات الغاز الطبيعي المسال في العالم، وفقاً للطبعة السابعة من النشرة الإحصائية السنوية لمنتدى الدول المُصدِّرة للغاز GECF Annual Statistical Bulletin الذي يتَّخذ من الدوحة مقرّاً رئيسياً له.

أكَّدت تلك النشرة الإحصائية أيضاً على ديناميكية وموثوقية والتزام بلدان المنتدى المستمرّ في توفير الطاقة بأسعار معقولة للجميع وعلى نطاق أوسع من خلال خطوط أنابيب الغاز التي تزيد قدرتها التصديرية عن 450 مليار متر مكعّب سنوياً، وقدرات التسييل التي تتجاوز 240 مليون طنّ متري سنوياً، وأسطول شحن الغاز الطبيعي المسال الذي يضمّ أكثر من 150 ناقلة.

أصبح هذا المنتدى، الذي يُعدّ فضاء اتِّصال فعّال ومهمّ بين الدول المُصدِّرة والمستوردة للغاز، يكتسي أهمية بالغة في ظلّ ما يشهده العالم من اضطرابات وفي الظروف الجيوسياسية الراهنة التي تضع الكثير من الضغط على الدول الأوروبية التي تصارع من أجل تأمين بدائلٍ ثابتة للغاز الروسي.

الأمر الذي يُعدّ فرصة لا ينبغي للدول الأعضاء في المنتدى التفريط فيها إذا كانت تطمح فعلاً لتعزيز الشراكة الطاقوية على أساس توسيع المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، لكن للأسف هناك العديد من الأسباب التي تحصر المخرجات التي يتمخَّض عنها هذا المنتدى في فئة التوصيات المكرَّرة المصاحبة لنيل شرف التنظيم والنجاح الإعلامي وإحراز بضع نقاط سياسية، فالتوصيات الطنّانة الرنّانة شيء والواقع العملي شيء آخر.

من بين تلك الأسباب، نجد افتقار منتدى الدول المُصدِّرة للغاز لقوّة التحكُّم في الأسعار التي تتمتَّع بها منظمة الدول المُصدِّرة للنفط (أوبك) وتحالف "أوبك+"، حيث يُباع الغاز الطبيعي بموجب عقود طويلة الأجل توفِّر أسعاراً مستقرّة وإمدادات موثوقة لسنوات عديدة، وبالتالي غالباً ما تتعثَّر المفاوضات بشأن مراجعة أسعار الغاز الطبيعي ورفعها.

كما يفتقر منتدى الغاز أيضاً لأحكام حصص الإنتاج المعمول بها في "أوبك" و"أوبك+"، الأمر الذي يحرمه ميزة رفع الأسعار من خلال خفض الإنتاج والتحكُّم في مستويات العرض في السوق.

على سبيل المثال، دفعت الزيادة الكبيرة في إنتاج الغاز الطبيعي المُسال إلى إحداث تُخمة في المعروض منه وهبوط أسعاره في الولايات المتّحدة وانهيارها في أوروبا بأكثر من 50 في المائة في فبراير/ شباط 2024.

علاوة على ذلك، وعلى عكس النفط، لا تعتبر أسواق الغاز الطبيعي أسواقاً دولية أو عالمية نظراً لضرورة شحنه عبر خطوط الأنابيب أو الشاحنات العملاقة، وبالتالي لا يوجد معيار موحَّد وطريقة مرجعية وحيدة لتسعيره في العالم، لذلك لا يوجد لحدّ الآن ما يُسمَّى بالسعر العالمي للغاز الذي يحظى بإجماعٍ على مستوى العالم.

في الواقع، كل ما يبحث عنه مستوردو الغاز الطبيعي لا سيَّما من أوروبا هو الأثمان الرخيصة التي تُجنِّب اقتصاداتهم وصناعاتهم الشلل التامّ دون الاكتراث لتحسين الظروف المعيشية لـ600 مليون مواطن أفريقي لا يزالون يفتقرون إلى الكهرباء إلى يومنا هذا رغم ما تحوزه قارّتهم من ثروة الغاز الطبيعي الهائلة، لذلك نجد هؤلاء المستوردين يتمسَّكون بالأسواق الفورية التي توفِّر الغاز الطبيعي بأثمان رخيصة وبكميات تفوق حاجتهم، ويناقشون بشكل حصري أمنهم الطاقوي المستدام وتعزيز الاستثمارات المستقبلية التي تخدم مصالحهم.

ما يمكن ملاحظته في القمّة السابعة لمنتدى الدول المُصدِّرة للغاز هو تركيز المشاركين، لا سيَّما مستوردي الغاز الأوروبيين، على ضرورة تعجيل الانتقال الطاقوي، وإعطاء دفعة قويّة لمشاريع الطاقات المتجدِّدة وتخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة وضمان التنمية المستدامة، والتحوُّل إلى مستقبلٍ خالٍ من الكربون تحجُّجاً بمكافحة تغيُّر المناخ والاحترار العالمي اللّذين لا يتوقَّفان عن التفاقم.

علماً أنّهم أوّل من يصرخ وينعق ويلعن ما إن تُخفِّض دول "أوبك+" إنتاج النفط، ولا يكتفون بذلك فحسب بل يتَّهمون تلك الدول بإعلان الحرب على الاقتصاد العالمي الذي يتضرَّر بالمقابل من وجهة نظرهم أيضاً بعدم استبدال النفط بمصادر أخرى نظيفة ومتجدِّدة للطاقة، ذلكم المنافقون الذين يُظهِرون ما لا يُبطِنون، ويُسِّرون ما لا يُعلنون، ويقولون ما لا يفعلون.

لقد أثبتت وقائع التاريخ القريب عدم قدرة مستوردي الغاز الطبيعي الأوروبيين على الاستغناء عن المحروقات، لذلك فهم يستغلِّون مثل هذه القمم لحثّ الدول المُصدِّرة للغاز الطبيعي على تطوير مصادر الطاقة المتجدِّدة لتغطية الطلب المحلي على الطاقة وتوفير كميات من الغاز الطبيعي التي ينبغي، من وجهة نظرهم، أن يتمّ تصديرها لكسب المزيد من ملايين الدولارات بدلاً من حرقها دون فائدة.

علماً أنّهم لا يروِّجون لذلك لسواد عيون ميزانيات هذه الدول ولا للحدّ من آثار تغيُّر المناخ ولا حتى لدواعي مراعاة حقّ الأجيال المستقبلية، بل لضمان توفُّر الغاز الطبيعي وبسعر منخفض متى كانوا بحاجة إليه.

تزامنت القمّة السابعة لمنتدى الدول المُصدِّرة للغاز مع حرب الإبادة الجماعية التي تشنُّها دولة الاحتلال الصهيوني على غزة بدافع ضمّ هذا القطاع والتمتُّع بثرواته من الغاز الطبيعي المحبوس تحت نصيبه من مياه البحر الأبيض المتوسِّط، لا بدافع القضاء على وجود حركة حماس واقتلاع جذورها، والمُفترض في هذه القمّة أن تخرج بقرارٍ يُركِع الدول الأوروبية المستوردة للغاز ويجبرها على الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء عدوانه، لكن نظراً للأسباب آنفة الذكر يبقى ذلك مجرَّد حلم بعيد المنال.

خلاصة القول، إذا كان استخدام الغاز الطبيعي لليّ ذراع الغرب الداعم لإسرائيل ضرباً من المحال، فلا شيء مستحيلاً بالنسبة لاستخدام النفط العربي كورقة ضغط، وكل ما يتطلَّبه الأمر هو كلمة مُوحَّدة من القادة العرب.

المساهمون