رشاوى الشركات للمسؤولين تتراوح بين 400 مليار وتريليون دولار سنوياً

رشاوى الشركات العالمية للمسؤولين تتراوح بين 400 مليار وتريليون دولار سنوياً

14 أكتوبر 2020
كرستينا إليزابيث فيرنانديز تغادر المحكمة في بوينس أيرس (Getty)
+ الخط -

بينما يئن المواطنون بالدول النامية تحت الفقر  يزداد  مسؤولوها ثراء بسبب ما يحصدونه من رشي الشركات العالمية. ويشير تقرير متخصص إلى أن جائحة كورونا  ترفع من مخاطر تزايد فساد الرشى التجارية بسبب الضائقة المالية والاضطراب في سلاسل الإنتاج وتدفق السلع. وتتراوح تقديرات الرشى التي تدفعها الشركات سنوياً لمسؤولين، بين 400 مليار دولار وتريليون دولار.

وقالت منظمة الشفافية الدولية، في تقرير صدر يوم الثلاثاء عن الرشى التي تقدمها الشركات العالمية لكسب العقود التجارية والصفقات، إن الصين واليابان والهند وسنغافورة تفتقر إلى الهياكل القانونية التي تجرّم تقديم الرشى لمسؤولي الحكومات الأجنبية مقابل الحصول على عقود وصفقات تجارية. وقالت المنظمة، ومقرها في برلين، إن العديد من الحكومات تغض الطرف عن الرشى التي تدفعها شركاتها لكسب عقود دولية، وإن الرشى تأتي على حساب مشاريع حيوية في الدول النامية مثل الصحة والتعليم، كما تهدر الظاهرة ملايين الدولارات من الإنفاق الحكومي مقابل منافع يحصل عليها حفنة من المسؤولين. ووفق المنظمة الدولية، فإن كلاً من الولايات المتحدة وسويسرا وبريطانيا تأتي في مقدمة الدول التي تحارب فساد شركاتها وتعاقبها حينما تعتمد أسلوب الرشى في الحصول على صفقات دولية، وأن هذه الدول الثلاث تمثل نحو 16% من حجم الصادرات العالمية. وجرّمت اتفاقية الأمم المتحدة في عام 1997 رسمياً تقديم الشركات رشى مقابل الحصول على عقود تجارية.

وأشار التقرير إلى أن رشى الشركات الهندية للمسؤولين الأجانب لا ينظر إليها كجريمة في الهند، على الرغم  من تنامي التجارة الخارجية الهندية وارتفاع حصتها في الصادرات العالمية إلى نحو 2.1%. والهند عضوة في المعاهدة الدولية التي تنص على تجريم تقديم الشركات رشى لمسؤولين حكوميين في سبيل كسب العقود، ولكنها لا تصدر تقارير حول الرشى التي تقدمها شركاتها لمسؤولين أجانب أو تقارير حول غسل الأموال، كما لم تجرِ الحكومة الهندية أية تحقيقات حول الفساد المالي الخاص بقطاع الصادرات خلال الثلاث سنوات الماضية.

وتستخدم العديد من الشركات العالمية الرشى كوسيلة سهلة لكسب العقود بدلاً من المنافسة الشريفة التي تنظر إليها كأسلوب مكلف ويضيع عليها العديد من الفرص التجارية الكبرى، خاصة في دول العالم الثالث التي تحكمها أنظمة ديكتاتورية.
وتقدّر سوق العقود التجارية العالمية بنحو 14 تريليون دولار سنوياً، وتتراوح بين عقود البنية التحتية من الطرق والموانئ والاتصالات والمطارات، وصفقات توريد السلع التموينية والعديد من أوجه إنفاق الميزانيات الحكومية في أنحاء العالم.
وتقدّر دراسة أصدرها الكاتب الأميركي ديفيد مونتيرو، حجم الرشى السنوية التي تقدمها الشركات لمسؤولي الحكومات وكبار المسؤولين سنوياً بنحو 400 مليار دولار سنوياً، لكن البنك الدولي يقدّرها بقيمة تريليون دولار. بينما تقدر منظمة الأمم المتحدة حجم الفساد العالمي سنوياً بنحو 2.6 تريليون دولار.
وعكفت شركات عالمية كبرى وذات سمعة متميزة في مجال الأعمال الصناعية والتقنية بالدول الرأسمالية على استخدام أسلوب الرشى في كسب العقود التجارية، بعض هذه الشركات تعرّض للمحاكمة والغرامات وبعضها لم تتم ملاحقتها قضائياً.
من بين الشركات الكبرى التي تعرضت للمحاكمة والغرامات خلال السنوات الأخيرة، كل من شركة سيمنز الألمانية التي تعرضت للمحاكمة بسبب تقديمها رشى لمسؤولين في الدول الفقيرة، وتم تغريمها 1.6 مليار دولار على قضايا فساد عديدة، من بينها قضية دفع رشاوى لوزراء في بنغلادش في سبيل الحصول على عقود شبكة الهواتف النقالة "تيليتوك".
كما تعرضت شركة رولزرويس البريطانية المتخصصة في صناعة السيارات الفاخرة ومحركات الطائرات لغرامات مالية في كل من بريطانيا وأميركا بلغت قيمتها 800 مليون دولار في عام 2017. وكشفت التحقيقات التي أجرتها السلطات البريطانية لمكافحة قضايا الفساد أن الشركة البريطانية العريقة كانت تستخدم شبكة من الوسطاء في أنحاء العالم لتسويق منتجاتها عبر دفع رشى للمسؤولين عبر هؤلاء الوسطاء.
وحذّر مدير منظمة الشفافية العالمية في بريطانيا، روي دونالدسون، من مخاطر تزايد عمليات الرشى والفساد التجاري بسبب الضائقة التي تخلقها جائحة كورونا والاضطراب الذي حدث في سلاسل الإنتاج، وهو ما أجبر شركات وحكومات على الاعتماد على شركات جديدة في السوق ليست لديها سجلات واضحة لتلبية النقص.

من جانبها، قالت جيل روجرز، الخبيرة في شؤون الشفافية التجارية، إن الضغوط المالية التي يعيشها موظفو الشركات والحكومات ربما ترفع مخاطر الفساد، إذ أنها تجبرهم على خرق القوانين. أما الخبير آرون هتمان فيرى، في تعليقات لمجلة "فاينانسيرويرلد وايد" البريطانية، أن هناك ثلاثة عوامل ترفع من مخاطر فساد الرشى خلال الفترة القاسية التي يعيشها العالم تحت وطأة جائحة كورونا: الأول، أن الجائحة خلقت شحاً في السلع الضرورية، وأن أصحاب المال مستعدون للدفع مقابل الحصول على ما يريدون من سلع ومنتجات. كما أن الجائحة منحت الحكومات فرصاً أكبر في السيطرة على تدفق السلع والمنتجات وتحديد من يحصل عليها، وهي ظروف مساعدة على انتشار الفساد.
أما العامل الثاني، فهو استخدام الحكومات والشركات وسطاء في الحصول على بعض السلع والمنتجات بعد تحطم سلاسل التوريد التقليدية، وهؤلاء الوسطاء يرفعون من مخاطر الحصول على رشى مقابل تلبية طلبيات الحكومات. أما العامل الثالث، فهو التدفق الهائل للسيولة والسلع من قبل منظمات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية للدول النامية، وهذا العامل يتيح للمسؤولين استغلال الثغرات في الحصول على مزايا تجارية مقابل دفع رشى.
وتعد الرشى في العقود النفطية ومنح حقوق امتيازات الكشوفات والتنقيب من أكبر مجالات الفساد المسكوت عنها في العالم بسبب نفوذ شركات النفط الغربية الكبرى وتركز نشاطها في دول الأنظمة الديكتاتورية في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.
في هذا الشأن، كشفت تحقيقات في سويسرا أجرتها هيئة البورصة مع شركات تجارة النفط الكبرى، أن هذه الشركات حصلت على أسعار منخفضة للنفط النيجيري وبعض خامات الدول الأفريقية بسبب تقديمها حوافز مالية للمسؤولين، كما يتقاسم وسطاء الفارق السعري للخامات مع المسؤولين الأفارقة.
كما تمت في سبتمبر/أيلول الماضي محاكمة مسؤول بشركة فيتول السويسرية لتجارة النفط في هيوستن تكساس لتقديمه رشوة قيمتها 870 ألف دولار لمسؤول بحكومة الإكوادور مقابل الحصول على عقد نفطي بقيمة 300 مليون دولار. وفي العالم العربي، من الصعب حصر فساد الرشى الذي ينظر إليه العديد من المسؤولين وكبار المدراء في الشركات على أساس أنه نوع من "الشطارة التجارية"، ويتم عادة على حساب إهدار الموارد والثروات وزيادة معدلات التضخم وتعريض حياة المواطنين لمخاطر صحية عديدة بسبب استيراد مواد مسرطنة أو دفن نفايات سامة مقابل حصول مسؤول على حفنة من الدولارات، مثلما يحدث حالياً في السودان، إذ يتعرض سكان المنطقة الشمالية لتفشي مرض السرطان بسبب دفن نفايات ذرية. كما يتعرض الذهب السوداني للنهب وبيعه بأثمان بخسة في الإمارات.

وفي دول مثل العراق ومصر والجزائر، لم تعد مواضيع الفساد المالي والرشى تثير اهتمام الرأي العام لكثرتها. ففي بريطانيا، كشف محققون بريطانيون عن رشى بما لا يقل عن 25 مليون دولار للفوز بصفقات نفطية في العراق، في أعقاب سقوط حكم الرئيس الراحل صدام حسين. ووجهت اتهامات لاثنين من المديرين التنفيذيين السابقين لشركة "أونا أويل"، ومدير مبيعات في شركة من عملائها، بالتآمر لتقديم رشى لتأمين عقود عمل بملايين الدولارات في العراق بين عامي 2005 و2011.
وحين فتح مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة في بريطانيا تحقيقًا بشأن شركة "بتروفاك"، بعد إدانة رئيس المبيعات الدولية بالشركة ديفيد لوفكين في شهر فبراير/شباط بـ11 اتهاماً بالرشى، لم تتأثر صفقات الشركة بالحكم بسبب تعاملها مع كبار المسؤولين في العراق.

المساهمون