جدل عراقي بشأن اتفاق النفط مقابل الغاز الإيراني: غموض آلية التنفيذ

جدل عراقي بشأن اتفاق النفط مقابل الغاز الإيراني: غموض آلية التنفيذ

12 يوليو 2023
توقيع الاتفاق الإيراني العراقي بشأن النفط والغاز (تويتر)
+ الخط -

أثار الاتفاق العراقي الإيراني، الذي وُقع مساء أمس الثلاثاء، بشأن مقايضة الغاز الإيراني بالنفط العراقي، جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية والشعبية العراقية.

فبينما دافعت الحكومة العراقية عن قرارها الذي عدته الحل الأمثل لأزمة الكهرباء في البلاد، حذر باحثون ومختصون عراقيون من القرار، مؤكدين أنه يصب بمصلحة إيران وسيتسبب بخسارة كبيرة للعراق.
 
ومع تصاعد درجات الحرارة في العراق إلى 50 درجة مئوية، خفّضت إيران كميات الغاز المصدر للعراق إلى أكثر من النصف، ما تسبب بأزمة نقص بالطاقة الكهربائية عمت مختلف مدن البلاد.

وجاء القرار الإيراني نتيجة تخلف بغداد عن سداد مبالغ ديون مستحقة عليها، تبلغ نحو 10 مليارات دولار.

وتعزو بغداد ذلك إلى عدم قدرة العراق على دفع مبالغ بالدولار بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، وأن مبلغ استيراد الغاز مودع في البنك العراقي الرسمي وبانتظار التوصل لاتفاق.

وخلال العامين الماضيين، دخلت بغداد وطهران عدة مفاوضات بشأن الأزمة، من بينها اعتماد الدينار العراقي في الدفع أو تسديد بغداد المبالغ من خلال عملة دولة أخرى يتم الموافقة عليها من قبل الدولة ذاتها، وكذلك مسألة تسديد العراق بعض ديون إيران الخارجية، لكن لم يتم التوصل لأي اتفاق حيال الملف.

وأمس الثلاثاء، قرر مجلس الوزراء العراقي أن تبيع "وزارة النفط العراقية كميات من النفط الخام والنفط الأسود إلى إيران، بما يعادل قيمة تجهيز الغاز وشراء الطاقة الكهربائية المودعة في حساب الشركات الإيرانية في المصارف العراقية، على أن تقوم وزارة النفط بمقايضة كمية من النفط الخام والنفط والأسود العراقي بالغاز المستورد من إيران".

ونص القرار على أن "تتولى وزارتا النفط والمالية اتخاذ الإجراءات اللازمة لإجراء التسويات بالتنسيق مع ديوان الرقابة المالية، وأن تُخول شركة تسويق النفط العراقية (سومو) وضع الآلية التسويقية اللازمة لتنفيذ الاتفاق". 

المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي أكد أن حل موضوع استيراد الغاز سيخرج العراق من أزمة استمرت 5 سنوات. وقال العوادي في تصريح للتلفزيون الرسمي العراقي، مساء أمس الثلاثاء، إن "حل أزمة استيراد الغاز إنجاز كبير سيُخرج العراق من أزمة مزمنة استمرت منذ عام 2018، وهي أزمة شراء الغاز الذي تدفع الحكومة أمواله إلى حساب الشركات الإيرانية في بنك TBI العراقي، لكن البنك لا يستطيع تحويل الأموال بسبب العقوبات الأميركية على إيران".

وأضاف: "تم الاتفاق على مقايضة الغاز الإيراني بالنفط الأسود العراقي"، مشيرا إلى أنه "بعد الاتفاق الأخير مع إيران، فإن الأموال المودعة بحساب الشركات الإيرانية في مصرف TBI ستبقى للعراق، وأن "هذه الأموال ستبقى رصيدا للشعب العراقي وبالإمكان أن تسد جزءا من العجز في الموازنة".

من جهته، أكد مستشار رئيس الوزراء العراقي ضياء الناصري أن القرار يأتي لتفادي أزمة انقطاع التيار الكهربائي، وقال في تغريدة له: "النفط العراقي مقابل الغاز الإيراني، الاتفاق سيشمل تسديد الديون الإيرانية بذمة العراق أيضا، وباختصار هذه هي خطة رئيس الوزراء لتفادي انقطاع الكهرباء وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الأزمة". 

 لكن الاتفاق العراقي الإيراني الذي وقعه عن الجانب الإيراني السفير في بغداد محمد كاظم آل صادق، وعن الجانب العراقي مسؤول المكتب الحكومي ببغداد إحسان العوادي، لم يشرح آلية المقايضة وما إذا كان سيتم تصدير كميات النفط العراقي البديلة عن الغاز الإيراني الواصل للعراق إلى إيران بشكل مباشر أو أن العراق سيقوم بتصديرها إلى جهات أخرى، وخاصة أن العراق وإيران لا يرتبطان بأي مشاريع نفطية مثل الأنابيب أو طرق الشاحنات (الصهاريج) البرية.

الناشط السياسي العراقي أحمد حقي قال إنه من غير الواضح كيف ستتم آلية المقايضة، هل سيبيع العراق نفطا لصالح إيران بالخارج. إيران ليست بحاجة للنفط الخام، هي تعاني أساسا من تراكم كميات نفط ضخمة لديها بسبب العقوبات".

واعتبر حقي في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاتفاق "سيكون جيدا في حال قايضنا النفط بدون تفاصيل أخرى، إلا أن التعامل الإيراني مع العراق أكد أنهم دوما يفوزون في الصفقات والعقود التجارية والاقتصادية على حساب العراق"، وفقا لقوله.

وأعرب عن تخوفه من أن تكون هناك علاقة لحقول النفط المشتركة بين العراق وإيران بالاتفاق، كأن تسحب طهران كميات من النفط من تلك الحقول كنوع من المقايضة.

من جهته، رأى الباحث بالشأن الاقتصادي العراقي زياد الهاشمي أن القرار سيكون سببا بخسارة كبيرة للعراق، وقال في تغريدة له: "اتفاق مقايضة النفط الأسود العراقي بالغاز الإيراني، رغم فائدته الآنية إلا أنه قد يكون بابا كبيرا للفساد والتلاعب بالكميات المُصدرة وأسعارها، وتسعيرة الغاز الإيراني، وغيرها، قد يفضي هذا الاتفاق في النهاية لخسارة كبيرة للعراق بالمليارات مقابل مكاسب هائلة لإيران!".

 وسبق أن أعلنت حكومة السوداني أن مشكلة الكهرباء ضمن أولويات برنامجها، لكنها تواجه فعلياً عقبات عدة لاستئصالها من جذورها، وحتى على صعيد إنتاج الكهرباء محلياً باستخدام الموارد الأولية التي يملكها العراق من دون الاعتماد على مصادر إنتاج من الخارج.

وكان التحالف الحاكم في العراق (الإطار التنسيقي)، قد حمل، الأحد الماضي، الجانب الأميركي مسؤولية ملف الكهرباء، داعيا الحكومة إلى مخاطبة الجانب الأميركي لإطلاق مستحقات استيراد الغاز الإيراني لأجل توفير الطاقة في العراق.

وبدأت أزمة الكهرباء تلقي بظلالها على الشارع العراقي، إذ شهدت محافظة البصرة، أقصى جنوب العراق، مع محافظات أخرى تظاهرات حاشدة وقطعا للطرق احتجاجا على الانخفاض الكبير في ساعات تجهيز التيار الكهربائي، الأمر الذي ينذر بتحرك الشارع العراقي مجددا بشأن أزمة الكهرباء، وسط مطالبة للحكومة بالإيفاء بتعهداتها بـ"صيف مختلف".

المساهمون