تمتعوا بالسيئ فالأسوأ قادم

تمتعوا بالسيئ فالأسوأ قادم

29 ابريل 2022
الاقتصاد المصري يعاني من ار تفاع الأسعار والغلاء يضرب المواطنيين (Getty)
+ الخط -

عقب اجتماعات الربيع لخبراء صندوق النقد والبنك الدوليين، التي عقدت في واشنطن الأسبوع الماضي، قالت مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا "العالم يواجه نكسة اقتصادية هائلة".

عبرت المسؤولة الدولية، عما نشهده، من تضخم يتزايد يوميا، ويجبر الدول على رفع أسعار الفائدة، بما يضغط على الأسعار، ويوشك أن يدخل الاقتصاد في حالة من الركود المخيف.

أكدت كريستالينا أن 143 دولة ستشهد خفضا في تصنيفها الاقتصادي، خلال العام الحالي. تأتي مصر على رأس هذه الدول، التي تخشى عليها كريستالينا، حيث تعتبرها من أكثر الدول، التي تأثرت سلبا بعواقب الغزو الروسي لأوكرانيا، مع تعطل حركة التجارة والسفر الدولية، والارتفاع الجنوني في أسعار الطاقة والحبوب، بما جعل وقع الأزمة على مصر ودول الشرق الأوسط وأفريقيا أشد إيلاما.

هناك اتفاق بين أكبر المؤسسات المالية الدولية أن مصر تواجه "صدمة سيولة"، باعتبارها تمتلك الحصة الأكبر من الديون، التي يجب تجديدها خلال 6 أشهر على الأكثر.

وتبين دراسات البنك الدولي وتلك المؤسسات أن حكومة مصر التي اقترضت محليا وخارجيا 63 مليار دولار، عام 2021، ستحتاج إلى طرح أذون خزانة وسندات بنحو 79.79 مليار دولار، من أبريل الحالي حتى فبراير 2023، لتعويض العجز في النفقات وتأمين الاحتياطي النقدي.

ونظرا للعجز الدائم في السيولة، وحالة الاضطراب وعدم اليقين التي أصابت الأسواق، وهروب المستثمرين الأجانب نحو الدول الأكثر استقرارا، مع ارتفاع الفائدة على العملات الصعبة، سيزيد متوسط نسبة العائد، عن الذي تمنحه مصر الآن 14.7% وهو من الأعلى عالميا، لتغطية العجز في ميزانية الدولة.تتأثر مصر بما يحدث في العالم من

كوارث، وهو أمر طبيعي تعاني منه كل الدول، بداية من الولايات المتحدة وأوروبا والصين وروسيا التي أشعلت الأزمة، حتى الدول النفطية التي استفادت من زيادة أسعار الوقود.

الفرق الأساسي بين مصر وغيرها، أن المؤسسات الدولية ودولا صديقة تسعى إلى إنقاذها، لخوفها أن تشهد البلاد حالة من الفوضى، قد تصب بشكل أو بآخر في اتجاههم.

تطرح المؤسسات كثيرا من الحلول، ترتكز على ضرورة وضع أجندة سياسية لحل الأزمة الاقتصادية. تدعو تلك الجهات إلى إعادة هيكلة الديون السيادية، بما يعني وضع أولويات الدعم.

تريد فك الاشتباك بين محركات الاقتصاد في الدولة، الذي يضم القطاعين الخاص والعام، وأصبح لديه جهات سيادية أمنية تنافسه، من بيع الفول والطعمية والخضار إلى شركات المقاولات وإنشاء الكباري والطرق وإدارة المرافق العامة.

تدعو المؤسسات إلى شفافية المعلومات، ومشاركة المجتمع المدني، في إدارة الموازنة العامة والرقابة على وسائل الصرف، بينما النظام يبيع الأصول المملوكة للشعب بقرارات إدارية، ويحصن الصفقات المشبوهة بقوانين تجعل من المستحيل ملاحقة الفاسدين. تطالب المؤسسات بحوكمة الشركات والإصلاح الإداري، بينما النظام يصر على إدارة الاقتصاد بالترغيب والتهديد بالقبضة الأمنية.

يترنح النظام في اختياراته لأدواته التي يسير بها الاقتصاد، فتارة يغير القوانين بما يمنحه سلطات مطلقة في بيع الشركات العامة، لمن يشاء وقتما شاء، ويعطي قياداته حرية بيع الأصول الحكومية دون الالتفات إلى معارضة اللجان النقابية أو البرلمانية، وحمايتهم من النقد، بمنعه أو ملاحقة من يكتبون أو يعترضون.

وتارة يدفع بالبنك المركزي أو وزارته ليحد من الواردات بطريقة مخالفة لاقتصاد السوق، كما فعل قبل أيام، بمنعه التعامل مع منتجات 1000 شركة عالمية تعمل منذ عقود، وكأنه يعود إلى عصر التأميم والاقتصاد الموجه.

واضح أن "صدمة السيولة" أصابت رؤوس النظام بأزمة، وبدلا من أن يفتح النظام عقله لرأي الجهات التي تحاول مساعدته، بحلول عملية وعلمية، يصر على استنفاذ علاقته بالدول الداعمة له، ليحصل على المزيد من القروض، وليستمر على ما هو عليه من إنفاق غير منظم، وصرفه على مشروعات غير اقتصادية، يجب تأجيلها في هذه الحقبة السوداء.

يلجأ النظام إلى المراوغة، ففي الوقت الذي يرفع فيه أسعار البنزين بنسب بلغت نحو 20% في الأشهر الماضية، يهدد أصحاب شركات النقل والسيارات بالملاحقة الأمنية. وبينما يخفض قيمة الجنيه بنحو 16%، ويحول دون توفيره للمستوردين والمصنعين، يطالبهم بعدم رفع أسعار منتجاتهم، ويتهمهم بأنهم سبب الغلاء.

يخشى النظام مواجهة الشعب بحقائق مريرة عن أزمة يتوقع استمرارها بشدة، في حالة انتهاء الحرب لعامين على الأقل، مفضلا الكلام المعسول وتوظيف آلاته الإعلامية لدعوة الناس إلى الترشيد والإحسان للفقراء، على ذكر المعلومات الصحيحة.

يتصرف النظام برعونة، مع حرصه على وضع مشروعات تحتاج إلى مزيد من القروض الصعبة، وغالية الثمن، على رأس أولوياته، بينما ينظم حربا شعواءً على من ينجبون، بدون ضوابط يسعى إلى تنفيذها بالقوة.

يفضل شن حملات أمنية وإعلامية على المطالبين بالإصلاح، على أن يجلس معهم، لبحث فرص تدعم الاستثمار المباشر، ورفع العقبات التي تواجه المستثمرين، وتعطل الاستثمار.

يبيع النظام أصول الاستراتيجية الرابحة لحلفائه العرب والأجانب، بما يهدر قيمة تلك الأصول، ويحرم المصريين من التمتع بشرائها، في الوقت الذي يدفعهم فيه لوضع أموالهم في البنوك بفوائد باهظة تدفع السوق إلى مزيد من التضخم، وتعرض الأسواق لحالة من الركود، فليس هناك صناعة أو زراعة تأتي بعوائد تفوق 18% على الجنيه، بما يهدد بحالات إفلاس واسعة بالشركات، وبمزيد من البطالة، وخفض قيمة الدخل الحقيقي للأفراد.

تحت عنوان "العبث في زمن الصراع" بَينَ تقرير لمنظمة التجارة والتنمية الدولية "أونكتاد" أن مصر تواجه خطرا شديدا، لاعتمادها على استيراد المواد الغذائية والوقود ووسائل المعيشة التي يحتاجها الناس، والمكفولة دستوريا.

حذرت المنظمة من استدامة لجوء الدولة إلى القروض لحل الأزمات، خوفا من أن يأتي يوم تتعثر فيه، ولا تقدر على توفير سبل العيش للمواطنين. يشير التقرير إلى أن "دوامة الهبوط في فخ الديون ستؤدي إلى الإعسار والركود ونقص التنمية، وسواء أدى ذلك إلى اضطرابات أو لا، فإن الشعور بالضيق الاجتماعي سينتشر".

الحكمة ضالة المؤمن، لكن هناك من يصر على تجاهل ما يقوله حكماء امتطوا ظهر سفينة إنقاذ في بحر هائج، ظنا منهم أنهم ناجون من غرق وشيك. فهؤلاء وأمثالهم عليهم أن يتمتعوا بالسيئ، لأن لغة الأرقام تؤكد أن الأسوأ قادم.

المساهمون