تساؤلات تلف مستقبل العلاقة الاقتصادية بين موسكو وبرلين بعد ميركل

تساؤلات تلف مستقبل العلاقة الاقتصادية بين موسكو وبرلين بعد ميركل

17 سبتمبر 2021
شهر العسل بين موسكو وبرلين يشارف على النهاية (Getty)
+ الخط -

مع قرب اختتام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حياتها السياسية، بدأت تُثار موجة تساؤلات حول مستقبل العلاقات المستقبلية التي بنتها مع موسكو على مدى سنوات رغم تحفظ واشنطن على العديد من جوانبها.

خلال 16 عاماً في الحكم، نجحت ميركل في إرساء علاقات اقتصادية قوية مع روسيا، كان أهمها إنجاز مشروع "نورد ستريم 2" (السيل الشمالي) الهادف إلى مضاعفة إمداد الغاز الروسي، بالرغم من العقبات السياسية، داخلية كانت أم خارجية، لا سيما تلك الآتية من الإدارة الأميركية.

في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، من المقرر تشغيل "نورد ستريم 2" وبدء الضخ التجريبي لمليارات الأمتار المكعبة من الغاز الروسي في شرايين الصناعات الألمانية ونحو غرب أوروبا في وقت لاحق من العام الحالي، بعد نحو 6 سنوات من بداية المشروع الذي تعرض لكثير من العقبات، خاصة خلال مفاوضات مروره ببحر البلطيق، وفرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عقوبات أعاقت استكماله.

مع بزوغ فجر 26 سبتمبر/أيلول الحالي، سيصحو الشعب الألماني على مستشار وبرلمان جديدين، فيما تشير استطلاعات مؤسسة "فورسا" إلى أن خط الغاز لا يحظى بتأييد سوى 52% من الشارع الألماني.  

وفي ما يتعلق بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا بسبب الأزمة والتدخل الروسي في أوكرانيا، يؤيد 63% من ناخبي ألمانيا تشديدها، ولم يعبر أكثر من 25% عن رغبتهم بتقوية علاقة الجانبين الاقتصادية، وخصوصا بين سكان غرب البلاد.  

ومنذ أن انطلق مشروع "السيل الشمالي 2"، راهن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على تعزيز دور موسكو كمورد رئيس للطاقة إلى ألمانيا، بما يترتب عن ذلك من توسيع القدرة على المناورة السياسية، كما يسمح لها بقطع إمدادات الغاز عبر أوكرانيا، واستخدام ذلك لمزيد من النفوذ والضغوط على ساسة كييف.  

بالنسبة لميركل، فإن البعد التجاري لمشروع الغاز كان هو الأهم، فيما الجيل الجديد من السياسيين في برلين يتفقون مع تخوفات غربية أوسع من التجارة، ويفتح ذلك استعدادهم لنقل الغاز بسعر متدن من ألمانيا إلى أوكرانيا عبر وارسو، لقطع الطريق على رغبة بوتين باستخدام الطاقة كوسيلة ضغط سياسية على كييف ووارسو، وتجنبا لتوتير العلاقة مع الحليف الأميركي المتشكك بتعميق العلاقة التجارية بين الطرفين والمقدرة قيمتها بنحو 45 مليار دولار.

شرودر... "عميل المصالح الروسية"؟

ولاحظ خبراء أن المستشار الألماني السابق، غيرهارد شرودر، لعب دوراً فاعلاً في تطوير العلاقة الروسية- الألمانية باحتلاله عضوية في مجالس إدارة واستشارات في عدد من الشركات الروسية، وأهمها "روسنفت" المملوكة للدولة الروسية، وبالأخص حماسته لمشروع "السيل الشمالي 2"، كمستشار مؤثر في إقناع الألمان بأهميته لبلدهم.  

ورغم تعرضه لكثير من الانتقاد وصل حد الاتهام إلى أنه تحول إلى "عميل للمصالح الروسية" في الغرب، لم يتراجع شرودر عن علاقته الوثيقة بطبقة الأعمال المحيطة بحكام الكرملين.  

ورغم ذلك، فإن بداية عهد جديد في برلين يمكن أن تشكل علامة فارقة بين حقبتين في علاقة الطرفين الروسي والألماني بسبب التأثير المباشر للمستشارة الألمانية في احتواء الشكوك الألمانية بأدوار روسيا، وخصوصا بعد توالي أخبار التدخلات في الشؤون الداخلية وإقامة الكرملين علاقات "مشبوهة" مع طبقات رجال أعمال في شرق البلاد، واغتيال معارضين على أراضيها من خلال عملاء الاستخبارات الروسية.

انقسام الآراء حيال نفوذ روسي وآخر أوروبي

ويرى محللون أن هنالك مخاطر في أن يصبح هدف مشروع الغاز الروسي جزءاً من الماضي بعد ذهاب ميركل من السلطة، وفقا لرؤية أستاذ كلية الأعمال في كوبنهاغن، بول فريتز كيير، الذي يرى أن المشروع الذي تعود جذوره إلى ما قبل ضم شبه جزيرة القرم والتدخل الروسي في شرق أوكرانيا لدعم المتمردين ربما يصبح من ملفات الماضي لناحية الهدف الروسي المزدوج في الضغط على السياسات الأوروبية.  

وترى مديرة مركز أبحاث "أسبن" الألماني، ستورمي أنيكا ميلدنر، أن هناك معسكرين مختلفين للغاية في أوروبا بشأن مشروع السيل الشمالي 2، أحدهما يعارضه بشدة ويراه أداة تهديد لأوكرانيا ويجعل أمن الطاقة الأوروبي مرهوناً برغبات موسكو، بينما يرى الثاني فيه فرصة بيد أوروبا لزيادة نفوذها وتصبح أكثر ضغطاً على روسيا من خلال هذا المشروع.  

ويلاحظ أن موقف اليسار الألماني، وخصوصاً حزب "الخضر"، يعارض العلاقة التجارية المتميزة مع موسكو، والاعتماد على الطاقة القادمة من روسيا عبر خط "السيل الشمالي 2".  

وكانت زعيمة حزب "الخضر"، أنالينا بربوك، ذكرت في يوليو/تموز أثناء مهرجان انتخابي لحزبها، أن بلادها "لا تحتاج إلى خط أنابيب الغاز هذا، ليس فقط لأسباب مناخية، بل لأسباب تتعلق بالسياسة الأوروبية".  

ويرى مراقبون في شأن علاقة موسكو وبرلين أنه مهما كان لون المستشار القادم، فإنه لا يمكن تجاهل الجيل الجديد الذي تحرر من عقدة ما تسببت فيها الحقبة النازية من اجتياح واحتلال لأراض روسية، كمبرر انتهجه ساسة الحرب الباردة للتصالح مع موسكو، وهو ما أقدم عليه بشكل واضح المستشار السابق فيلي برانت في سبعينيات القرن الماضي.  

وحتى موسكو باتت تستشعر خطر تغير الأجيال في ألمانيا على مصالحها ونفوذها، إذ اعترفت الخبيرة الروسية في الشأن الألماني لدى "معهد الاقتصاد الدولي" في موسكو، ماريا خوروليسكايا، للصحافة الألمانية، بأن "الوقت يعمل ضدنا من منظار طويل الأمد، ولا يسعنا إلا القلق من أن تصبح روسيا أقل اهتماماً عند السياسيين الألمان الأصغر سناً وهؤلاء الذين يهتمون بتوجهات الرأي العام".

وتقدر خورلسكايا أن "الفاعلين السياسيين الذين يتحدثون لصالح الإبقاء على عناصر السياسة الألمانية المتجهة نحو موسكو بإيجابية يغادرون المسرح تدريجياً، ولا يتم القيام بعمل كافٍ لإجراء اتصالات مع الجيل الجديد".  

ويرى أحد خبراء السياسات في مركز أبحاث "هاوس ريسن" في هامبورغ، ديريك سميتشن، أن جيل الشباب الألماني يرى أن "ألمانيا يجب أن تصبح درعاً واقياً لأوروبا من العدوان الروسي".