بريطانيا تستهدف زيادة حصتها من "كعكة الخليج"

بريطانيا تستهدف زيادة حصتها من "كعكة الخليج"

07 مارس 2024
حجم التبادل التجاري بين بريطانيا ودول الخليج يبلغ نحو 74 مليار دولار (فرانس برس)
+ الخط -

قدم تسارع المفاوضات بين دول مجلس التعاون الخليجي وبريطانيا بنهاية فبراير/شباط الماضي مؤشراً إلى اقتراب إبرام اتفاقية التجارة الحرة بينهما، وسط اهتمام حكومي خاص من الجانبين لتنويع آليات التعاون الاقتصادي والتجاري.

وبينما تستهدف دول الخليج العربية أن تكون الاتفاقية بوابة لاستثمار دول مجلس التعاون في كثير من الصناعات البريطانية، خاصة الطاقة المتجددة والبنية التحتية والتكنولوجيا، تسعى لندن منذ انسحابها من الاتحاد الأوروبي لتعزيز علاقاتها التجارية مع دول مجلس التعاون بشكل جماعي، بعد أن بدأت عملية التفاوض لتوقيع اتفاقية تجارة مع عدد من دول الخليج منفردة.
ويقدر تحليل، نشرته الحكومة البريطانية في أغسطس/آب 2022، أن الاتفاق مع دول مجلس التعاون الخليجي سيؤدي إلى زيادة التجارة بنسبة 16% على الأقل، وفضلاً عمّا لا يقل عن 1.6 مليار جنيه إسترليني (2.02 مليار دولار) سنوياً إلى اقتصاد المملكة المتحدة، فضلاً عن فوائد كبيرة للمزارعين والمنتجين البريطانيين؛ لأن دول الخليج تعتمد كثيراً على الأغذية المستوردة.

3 ملفات
وتدور المفاوضات بالأساس حول 3 ملفات، تتمثل في: خفض الرسوم الجمركية ودعم الاستثمار المتبادل ودعم الابتكار والتجارة الرقمية، إذ ترغب بريطانيا في تقليل أو إلغاء الرسوم الجمركية التي تفرضها الدول الخليجية على السلع البريطانية، بما يؤدي إلى زيادة حجم الصادرات البريطانية وخفض تكلفتها، حسبما أورد تقدير نشره "مركز الإمارات للدراسات" في 26 فبراير/شباط الماضي.

بينما تسعى دول الخليج إلى الاستفادة من فرص إنشاء مشاريع تجارية مبتكرة في مجالات التكنولوجيا الناشئة، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، بما يدعم جهودها للتحول الرقمي، وفق المركز الإماراتي.
وكانت 5 جولات من المفاوضات جرت بين الجانبين من أجل التوصل إلى إبرام الاتفاقية، وجرت الجولة الأولى خلال زيارة وزيرة التجارة الدولية البريطانية، آن ماري تريفيليان، إلى الرياض في 22 يونيو/حزيران 2022، بعد أكثر من عامين على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وجرت في 26 فبراير/شباط الماضي آخر جولة من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة، في مدينة أبوظبي، بحضور وزراء معنيين باتفاقيات التجارة الحرة بدول المجلس التعاون، ووزيرة التجارة في المملكة المتحدة، كيمي بادينوك.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين بريطانيا ودول الخليج 59 مليار جنيه إسترليني (74.64 مليار دولار) في عام 2023، بحسب بيانات حكومية بريطانية.

حاجة للانتعاش
يؤكد الخبير الاقتصادي، محمد رمضان، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن علاقة دول الخليج مع بريطانيا قديمة جدا، إذ كان معظمها مستعمرات إنكليزية، ما يجعل إمكانية التوصل إلى اتفاقية للتجارة الحرة مع لندن أقرب من غيرها.
لكن هذه العلاقة لا تعني أن دول الخليج تسارع نحو إبرام الاتفاقية، حسبما يرى رمضان، إذ إن هكذا اتفاقية ذات أهمية لبريطانيا بالدرجة الأولى، إذ تعاني المملكة المتحدة من مرحلة ركود اقتصادي.
ومن شأن إبرام اتفاقيات للتعاون المشترك والتجارة الحرة تحسين الظروف الاقتصادية لبريطانيا، خاصة أن السياح القادمين من دول الخليج إلى المملكة المتحدة عددهم كبير، وهم من أكثر السياح إنفاقا في المدن البريطانية المختلفة، بحسب رمضان.

ويلفت رمضان إلى أن حاجة الاقتصاد البريطاني الماسة إلى الانتعاش هي ما تدفع لندن إلى السعي نحو تسريع الخطى نحو شراكة اقتصادية أعمق مع دول الخليج، وتتويجها باتفاقية للتجارة الحرة، تستثمر من خلالها إرثها القديم مع طبيعة العلاقات الحالية بين الجانبين.

بيئة مواتية
في السياق، يشير الاستشاري الاقتصادي بشركة استشارات في لندن، علي متولي، في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى أن الدوافع وراء تسريع المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة المتحدة تستند إلى المصالح التجارية والسياسية للجانبين، وبالنسبة للمملكة المتحدة يعد تأمين سياسات تجارية مستقلة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمرا أساسيا لاستراتيجيتها، حيث تلعب اتفاقيات التجارة الحرة دورا محوريا.
ويضيف متولي أن بريطانيا تهدف، من خلال استهداف دول مجلس التعاون الخليجي، إلى تغطية جزء كبير من تجارتها الخارجية، ما يساهم في تحقيق هدفها المتمثل في اتفاقيات التجارة الحرة التي تغطي 8% من مجمل نشاطها التجاري.
ويتوافق تركيز المملكة المتحدة على إزالة الحواجز غير الجمركية مع هدفها الاقتصادي الأوسع، المتمثل في تعزيز وصول الشركات البريطانية إلى الأسواق، وفي حين أن التعريفات الجمركية بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي منخفضة نسبيًا، فإن التركيز على معالجة الحواجز غير الجمركية يعكس الالتزام بتعزيز العلاقات التجارية، بحسب متولي.
ويوضح أن التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة في قطاعات مثل الموانئ والصناعة والاقتصاد الرقمي، يخلق بيئة مواتية لنمو التجارة على مدى العقد المقبل، وبينما تسعى دول الخليج للحصول على امتيازات لتحسين الوصول إلى الأسواق، فإن مجالات مثل الاستثمار الأجنبي والدفاع والأمن والسياسة الخارجية قد تصبح نقاطا محورية للتفاوض مع بريطانيا.

اهتمامات مشتركة
فضلاً عن ذلك، يشترك الجانبان في الاهتمام باتفاقية تجارة حرة واسعة النطاق تغطي قطاعات مثل التجارة الرقمية والخدمات والنمو الأخضر، ما يعكس الأولويات الاقتصادية المتطورة لكلتا المنطقتين، بحسب متولي، مشيراً إلى ضرورة وضع ضعف نمو الاقتصاد البريطاني العام الماضي، وبقاء التضخم فوق مستهدف بنك إنكلترا وضعف العملة في الاعتبار، ما يجعل بريطانيا جاذبة للمستثمرين والمطورين الخليجيين، وبالتحديد في مجال العقارات التي لم تتعاف بعد من أثر صدمة ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض الطلب.

يؤكد متولي أن بريطانيا تهدف، من خلال استهداف دول مجلس التعاون الخليجي، إلى تغطية جزء كبير من تجارتها الخارجية،


كما يوفر النظام القانوني والبيئة التنظيمية الراسخة في المملكة المتحدة بيئة أعمال آمنة ويمكن التنبؤ بها، ما يجذب المستثمرين الخليجيين الذين يبحثون عن الاستقرار، وفق تقدير متولي، مشيراً إلى أن اتفاقية التجارة الحرة ستمكن دول الخليج من الاستفادة من سوق المملكة المتحدة الكبيرة والمتنوعة.
ومن شأن هكذا إفادة أن تعزز النمو في القطاعات غير النفطية بدول الخليج وتساهم في التنويع الاقتصادي الشامل، بما يخدم استراتيجية التنمية والتطوير التي تطبق في السعودية ضمن رؤية 2030 والإمارات وقطر.
ويلفت متولي، في هذا الصدد، إلى أن دول الخليج يمكنها الاستفادة من خبراتها في صناعات مثل الطاقة والبنية التحتية، في حين يمكن للمملكة المتحدة الاستفادة من تقدمها في التكنولوجيا والخدمات المالية، ومن خلال التوافق مع تفضيلات المستهلكين في المملكة المتحدة، يمكن لدول الخليج تعزيز قدرتها التنافسية في السوق البريطانية، ما يؤدي إلى زيادة الصادرات غير النفطية.
مع ذلك، يلفت متولي إلى عقبات محتملة تواجه إبرام هكذا اتفاقية، مدفوعة باختلاف أولويات التنمية والتنويع الاقتصادي المحددة في كلّ دولة، مشيراً إلى أنّ الاتجاه نحو التوطين في دول الخليج، بهدف تعزيز الصناعات المحلية والتوظيف، قد يشكل تحدياً أمام تقديم تنازلات للشركات البريطانية.

المساهمون