يبدو أن الدخان الأبيض، خرج من موسكو و واشنطن في آن واحد، ولم يعد من عائق أمام بشار الأسد ليترشح لفترة وراثية رابعة، رغم كل ما قيل من "فاقد للشرعية ومجرم حرب" كما بحضور المعتقل السوري السابق، عمر الشغري أخيراً، جلسة مجلس الشيوخ الأميركي وإدلائه بشهادة حول واقع الظلم والاضطهاد، وقبله حضور الدكتورة السورية، أماني بلور جلسة مجلس الأمن، وتعريتها جرائم النظام السوري، وبعدهما، تقرير منظمة “حظر الأسلحة الكيميائية” (OPCW) قبل أيام، وإدانة نظام الأسد بتنفيذ الهجوم بالأسلحة الكيميائية، بريف إدلب، ما كانت سوى دغدغة لمشاعر السوريين ورش بعض الأمل على جروح السوريين المفتوحة.
فالمصلحة الدولية على ما يبدو، وبمقدمتها مصلحة محتلي الأرض السورية، تقتضي بقاء بشار الأسد لسبع عجاف أخرى، ريثما تلوح ملامح الحل، إن ببقاء المستعمرين بوظيفة الأوصياء، أو تقسيم سورية واعتماد سيناريو يوغسلافيا، بعدما تمتع العالم بمشاهدة جرائم فرانكو العصر الحديث، وأبعد نيرون وهولاكو عن منصة أي تتويج، بمسابقة قتل الشعب وتهديم البلاد والمستقبل، وأدبوا شعوب المنطقة بالسوريين، إن سوّلت لهم أنفسهم يوماً، وطالبوا بالحرية والعدالة.
بالأمس، أعلن رئيس مجلس الشعب بنظام الأسد، حمودة صباغ أنه تم تحديد موعد الانتخابات الرئاسية في سورية في 26 من شهر أيار/مايو المقبل، ليلغي ما نسب لروسيا من تأجيل الانتخابات ويدحض ما أعلنه الغرب المتحضر، في بروكسل وواشنطن، من لاشرعية ولا انتخابات قبل الحل السياسي.
ولأن الديمقراطية هي المشتهى، فتح "حمودة" باب الترشح منذ اليوم الإثنين، لكل من تسوّل له نفسه حكم سورية، ليتقدم بطلب ترشحه إلى المحكمة الدستورية العليا، خلال مدة 10 أيام، وبعدها ليحظى بتأييد خطي لترشيحه من 35 عضوا، على الأقل، من أعضاء مجلس الشعب، ليعيد تاريخ 2014 نفسه بكل التفاصيل، إذ لم تمنع مجزرة الكيميائي التي ارتكبها الأسد عام 2013، وقتله زهاء 1300 مدني سوري بغوطة دمشق، من الترشح، بل وحصد 97.62% من الأصوات.
المصلحة الدولية على ما يبدو، وبمقدمتها مصلحة محتلي الأرض السورية، تقتضي بقاء بشار الأسد لسبع عجاف أخرى
قصارى القول: بمنأى عن هل ستحدث مفاجآت ونرى أفعالاً، أوروبية وأميركية، تمنع المخرج الروسي من عرض هذه المسرحية، أو حدثا مفاجئا يقلب المعادلة داخل سورية لتختلف حسابات السوق عن المتوقع بالصندوق، نسأل وبعيداً عن تلك الأماني التي تتضاءل احتمالات حدوثها.
ترى، ماذا يمكن أن يقدم بشار الأسد للشعب بحملته الانتخابية الذي بدأتها الفرق الحزبية البعثية بدمشق ووجهت بها دوائر التوجيه السياسي والمعنوي بجيش الأسد العقائدي؟
هل سيعد السوريين الجياع بتذليل نسب الفقر التي نافت على 90% وتشغيل العاطلين بعدما تعدت نسبتهم 83%؟
هل سيجسر الهوة بين الدخل الذي لا يزيد على 60 ألف ليرة والإنفاق الذي تجاوز المليون للأسرة الواحدة؟
لمن سيحمّل وزر تكاليف الحرب التي أعلنها على طالبي الحرية والكرامة، بعد أن نافت الخسائر على 1.2 تريليون دولار، وكيف سيبرر تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 60 مليار دولار مطلع الثورة عام 2011 إلى نحو 10 مليارات اليوم؟
وأما إذا قفزنا عن الخسائر الاقتصادية، لنسأل عن القوى البشرية التي سيتطرق لها برنامج الأسد الانتخابي، بعدما زاد عدد المهجرين خارج القطر والنازحين داخله، على نصف السكان، وجلهم من الشباب والكفاءات العلمية؟
وإن وجد الأسد لكل ما سبق، تبريرا ورمى المسؤولية على المعارضة التي تمادت وطلبت العدالة وتداول السلطة، فكيف له أن يحيي أكثر من 400 ألف قتيل ومثلهم ربما، مغيّب ومعتقل ويعيد العافية لضعفهم من المصابين والمعاقين؟
أم يعتقد بشار الأسد، بحركاته البهلوانية الأخيرة، من عزل حاكم المصرف المركزي وتحسين سعر صرف الليرة، عبر القمع الأمني، أو بترؤسه اجتماعا وزاريا للتوجيه بتطبيق مرسوم محاربة الغش والاحتكار...
أم بما تلاه، من الاحتفال بعيد جلاء الفرنسيين عن سورية بمعقل المحتل الروسي بحميميم، ومن ثم توزيعه وزوجته أسماء الأخرس، كيلو برغل على الجياع،
كيف له أن يحيي أكثر من 400 ألف قتيل ومثلهم ربما، مغيّب ومعتقل، ويعيد العافية لضعفهم من المصابين والمعاقين؟
يمكن أن يبدّل قناعات السوريين، كل السوريين الذين أجمعوا على أن وريث أبيه، حولهم إلى أدنى السلالم والتصنيفات العالمية، الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، ووزعهم مهاجرين ومهجّرين، يتقاذفهم اللئام، في دول الأخوة والجوار قبل الغرباء.
نهاية القول: ليس من حول ولا قوة للسوريين، إن الذين يعيشون بمعتقل كبير في الداخل، أو المرتهنين لسياسات مواطنهم الجديدة في الخارج، كما لم يترك العالم المتحضر ومدّعو الدعم، بأيدي المعارضة، سبيلا أو وسيلة، ليردوا بها على نظام قايض بقاءه على كرسي أبيه، بالشعب والاقتصاد ومصير العباد والبلاد، بعد أن استقوى عليهم بجيوش حلفاء تحولوا إلى محتلين.
لكن التاريخ الذي صنّف الحرب على سورية وحلم بنيها، بمأساة العصر، بعد أن تعدت بعمرها وخسائرها نتائج الحربين العالميتين مجتمعتين، لا يمكن أن يسقط العار عن جبين العالم المتحضر ودعاة حقوق الإنسانية والديمقراطية، ليس فقط إن مرروا الأسد لسبع عجاف جديدة، بل إن لم يُسق إلى محاكم جرائم الحرب ليبدأ السوريون عدهم التصاعدي، بالأمل والتنمية، بعد زوال صفر سورية المعيق.