انتعاشة الجنيه المصري هل هي حقيقية؟

انتعاشة الجنيه المصري هل هي حقيقية؟

20 مارس 2024
الأسابيع الثلاثة الأخيرة شهدت عودة للثقة في الجنيه (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الجنيه المصري شهد انتعاشة مؤقتة وسط تساؤلات حول استدامتها، خاصة بعد صفقة "رأس الحكمة" مع صندوق أبوظبي السيادي التي أثارت تساؤلات حول تأثيرها الحقيقي على الاقتصاد المصري.
- الاستثمارات الأجنبية، بما فيها الصفقة مع الإمارات، تحمل تبعات اقتصادية واجتماعية، مثل زيادة الضغوط على الموارد المصرية وارتفاع أسعار السلع، لكنها أيضًا ساهمت في زيادة موارد مصر من العملة الأجنبية وتحسين الوضع الاقتصادي.
- تحسن الوضع الاقتصادي والمالي في مصر بفضل تدفقات العملة الأجنبية من الإمارات والدعم الدولي، مما أدى إلى تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه وتوقعات بتحسن تدريجي لأحوال المصريين، مع التركيز على أهمية تعزيز الاقتصاد الحقيقي.

لم تتوقف الأسئلة في مصر، على مدار الأسبوعين الماضيين، عما إذا كانت انتعاشة الجنيه حقيقية ويمكن أن تدوم أم أنها مصطنعة ومؤقتة. والحقيقة أن السؤال في محله، خاصة بعد التراجع السريع الذي شهدته العملة المصرية خلال أول شهرين من العام بتأثير ضغوط حقيقية، حتى تجاوز سعر الدولار في السوق الموازية 70 جنيهاً مصرياً. لكن الإجابة عن السؤال تستدعي أولاً الإشارة إلى عدة حقائق.

أول تلك الحقائق هو أن الصفقة التي فتحت الباب لكل هذه المليارات للتدفق على مصر كانت صفقة "رأس الحكمة"، مع صندوق أبوظبي السيادي للثروة، والتي ما زلنا لا نعرف على وجه اليقين إن كانت تشمل بيعاً للأرض للصندوق الإماراتي أم تأجيرها له، أم منحه إياها بحق الانتفاع لعدة سنوات، أم كانت صفقة سياسية في المقام الأول.

وفي حين أن تصنيف الصفقة، كسياسية أو اقتصادية أو حتى رياضية، لن يؤثر على آليات تحرك سعر الجنيه، إلا أن كونها سياسية يعني أن المقابل الذي تتحمله مصر قد لا يكون "مجرد" التنازل عن بعض الأصول، وإنما يمكن أن تكون له أبعاد أهم، داخل أو خارج البلاد.

ومن ناحية أخرى، فلا يمكن تجاهل تبعات مثل هذه الصفقات على النواحي الاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية في مصر على المدى البعيد. فالصفقة تمكن الإمارات العربية المتحدة، متزايدة الثقل والنفوذ في الاقتصاد والسياسة المصريين، من السيطرة على مساحة شاسعة من الأراضي، وتمنحها الكثير من التسهيلات والإعفاءات بصورة غير مسبوقة في التاريخ المصري، اللهم إلا في الفترات التي تعرضت فيها مصر للاحتلال.

أيضاً لم يخبرنا أحد بسعر البيع أو الإيجار الذي سنحصل عليه، أو المبالغ التي ستدفع للسكان لإخلاء المنطقة، لكن الشيء المؤكد هو أن مثل هذا المشروع، وكل ما يشبهه من مشروعات، سيزيد الضغوط على الموارد المستخدمة، بما فيها الكهرباء والوقود والغاز والإسمنت والحديد، وهو ما سيرفع أسعارها بالتأكيد، في دولة كانت حتى الشهر الماضي، وربما الآن أيضاً، تقطع الكهرباء عن المواطنين بصفة يومية لتوفير الدولارات.

أيضاً يجب ألا ننسى أن هذا الشريك الأجنبي سيطالبنا بتحويل أرباحه في بداية كل عام، وهو ما قد يمثل ضغوطا إضافية، شبيهة بالتي تسببت في الأزمة الأخيرة، بالإضافة طبعاً إلى الارتفاع المتوقع في حجم الديون الخارجية، خاصة ما يخص صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والاتحاد الأوروبي.

أما وقد ذكرنا هذه التحفظات على تلك النوعية من الاستثمارات القادمة للبلاد، فيمكننا الآن تأكيد أن هناك تغييراً حقيقياً حدث للحالة الاقتصادية والمالية في مصر على مدار الأسابيع الثلاثة الأخيرة، أحدث ما يمكن تسميته بطفرة في موارد مصر من العملة الأجنبية، ما تسبب، وسيتسبب، في معالجة الكثير من مواطن الضعف في الاقتصاد، وفي مقدمتها ضعف الثقة في العملة المصرية.

وشهدت الأسابيع الثلاثة الأخيرة عودة للثقة في الجنيه، كانت أبرز ملامحها أولا توقف انهياره في السوقين الرسمية وغير الرسمية، قبل أن يأتي التراجع في سعر الدولار بالبنوك من أكثر من 50 جنيهاً إلى نحو 47 جنيهاً للدولار الواحد. أيضاً كان هناك تراجع ملموس في الفارق بين السعر في السوقين الرسمية والموازية.

وظهر إقبال المستثمرين الأجانب، أصحاب الأموال الساخنة، على أذون الخزانة المصرية، التي كانت تدفع عائداً يتجاوز %33، والذي تراجع لأقل من %30 في العطاء التالي مباشرة، بسبب الإقبال الكبير على شراء تلك الأدوات، ورغم قبول أكثر من سبعة أضعاف الكمية المطلوبة في عطاء السنة.

ومع عدم الإعلان الرسمي من البنك المركزي، قالت بعض المصادر المصرفية إن أكثر من ملياري دولار من الأموال الساخنة تدفقت على البلاد، خلال الأسبوعين الأخيرين، في إشارة إلى ثقة أصحاب هذه الأموال، ومنهم بنوك استثمارية كبرى، في توقف انهيار الجنيه، بل وبدء موجة جديدة لارتفاعه (القوي) مقابل الدولار.

وبالفعل كانت هناك انفراجة للاقتصاد المصري، حيث وصلت إلى البنك المركزي 10 مليارات دولار من الإمارات، ضمن الأموال المحولة تحت حساب صفقة "رأس الحكمة"، من أصل 24 مليارا يتوقع اكتمالها خلال أقل من شهرين. وتم تحويل 5 مليارات دولار من ودائع الإمارات لدى البنك المركزي المصري إلى استثمار في بعض الشركات، وينتظر أن يحدث الأمر نفسه مع 6 مليارات دولار أخرى. وقرر صندوق النقد الدولي منح مصر أكثر من 9 مليارات دولار، وقرر البنك الدولي إقراض مصر 6 مليارات دولار، بينما يتجاوز المبلغ الذي ينتظر حالياً التصويت الرمزي في الاتحاد الأوروبي 8 مليارات دولار تمنح لمصر على مدار سنوات قليلة.

هذا ما تم الإعلان عنه خلال الفترة الماضية، بينما أكدت مصادر رسمية وجود مباحثات مع السعودية على مشروع تطوير منطقة رأس جميلة بقيمة لن تقل عن 15 مليار دولار، بالإضافة إلى ظهور اهتمام من العديد من المستثمرين بشراء مساحات شاسعة من الأراضي المصرية، لتطويرها أو لبناء مشروعات سياحية أو سكنية، الأمر الذي يؤكد وجود تدفقات أخرى من العملة الأجنبية، بخلاف ما تم ذكره.

ولو وضعت هذه المبالغ في جدول في ناحية، ووضعت في الناحية الأخرى المبالغ المطلوب سدادها حتى نهاية العام الحالي، فيمكن التأكيد على وجود فائض يسمح بتراجع الدولار ربما لأقل من 40 جنيهاً، ويمنح البنك المركزي المصري الفرصة لإعادة بناء الاحتياطي، ليتجاوز 50 مليار دولار، قبل نهاية العام.

هذا هو الحال في ما يخص الأشهر العشرة القادمة، وهو حال يدعو للاطمئنان، ويبشر بتحسن أحوال المصريين تدريجياً، حتى نهاية العام. أما ما يحدث بعدها فسيتوقف على ما تختاره "الإدارة" المصرية، سواء كان ذلك استغلال الفترة الحالية لبناء "الاقتصاد الحقيقي" وزيادة التصدير، أو العودة للفكر الذي لا يهتم إلا ببناء الأكبر والأعلى والأطول، والذي ربما يرى "ضرورة" لبناء "تلفريك" يصل بين "العين السخنة" و"رأس الحكمة الجديدة".

المساهمون