الجنيه المصري والليرة اللبنانية... ما الفرق؟

الجنيه المصري والليرة اللبنانية... ما الفرق؟

10 مارس 2024
سورية تشهد قفزات في معدل الفقر بسبب تهاوي الليرة
+ الخط -

من الطبيعي أن تشهد أسعار العملات المحلية انهيارات في الدول التي تمر بحروب أهلية واضطرابات عرقية وقلاقل سياسية عنيفة، يزيد الوضع تأزما عندما يصاحب تلك القلاقل والمخاطر الجيوسياسية انهيارات اقتصادية غير مسبوقة.

سورية ولبنان واليمن والسودان وليبيا أحدث الأمثلة في المنطقة، وقبلها العراق والصومال وغيرها.

سورية مثلاً تمر بحرب أهلية طاحنة منذ عام 2011 دفعت بعملتها إلى القاع السحيق والتهاوي المتواصل، فسعر الدولار الذي كان يساوي 45 ليرة سورية في عام 2010 بات الآن يساوي 13.4 ألف ليرة في البنوك والصرافات و14.4 ألفاً في السوق السوداء.

لبنان أيضا شهد اضطرابات سياسية وانهيارات اقتصادية وفراغاً رئاسياً طويلاً وعمليات إرهابية قادت إلى حدوث إفلاس وتعثر وتوقف عن سداد الديون الخارجية.

سورية ولبنان واليمن والسودان وليبيا أحدث الأمثلة التي تشهد عملاتها انهيارات بسبب الحروب، وقبلها العراق والصومال وغيرها

والنتيجة حدوث قفزة في سعر الدولار ليتجاوز 90 ألف ليرة حالياً مقابل 1500 ليرة في صيف 2019، علماً بأن السعر قفز إلى 140 ألفاً في بعض الأوقات كما حدث في الفصل الأوّل من عام 2023.

هذا التهاوي لليرة اللبنانية كان طبيعياً لأنه جاء في ظلّ انهيار اقتصادي ومالي صنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، وتزامن مع أزمة سيولة حادة وتوقّف البنوك عن تزويد المودعين بمدخراتهم الدولارية، بل ومصادرتها على مدى سنوات.

اليمن يشهد حرباً أهلية منذ عام 2015، وقبلها اضطرابات عنيفة منذ عام 2011، صاحب ذلك انقسام سياسي حاد وتشكيل حكومتين متصارعتين وبنكين مركزيين، ومحاولة بعض الدول السطو على مقدرات الدولة اليمنية وإغراقها في صراع دموي طويل لا تزال فيه حتى اللحظة.

وكلنا نعرف الأحداث الجسام التي مرّ بها العراق منذ الاحتلال الأميركي في عام 2003، وما تلاه من انهيار الدولة عسكريا واقتصاديا ومجتمعيا وتكريس الطائفية وتفشي الفساد المنظم من قبل النخبة السياسية وعلى أعلى مستوى، مع تمكين دول الجوار من التدخل في الشؤون الداخلية حتى فقد العراق استقلاله وسيادته، بل وصلنا في حالة العراق إلى مستوى انهيار الدولة ومؤسساتها وبنيتها التحتية وسيطرة بعض الجماعات المسلحة على أجزاء واسعة منها.

عالميا شهدنا تهاوي العملات في دول كثيرة تشهد حروبا كما هو الحال في أوكرانيا، وهذا الأمر ينطبق وبدرجة أقل على عملات دول أخرى منها الليرة التركية والريال الإيراني والبيزو الكوبي والشلن الأوغندي وفرنك غينيا، وكذا بيزو الأرجنتين.

لولا الدعم الخارجي الأخير من الإمارات وصندوق النقد والبنك الدوليين لواصل الجنيه المصري تراجعه مقابل الدولار

في تلك الدول وغيرها من الطبيعي أن تتهاوى قيمة عملاتها المحلية أمام الدولار، فالعملة هي الوجه الآخر لحالة الاستقرار السياسي والاقتصادي والمالي، وقوتها تعبر عما تتمتع به الدولة من حالة استقرار على كل المستويات.

فالاستقرار يوفر المناخ لجذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة موارد النقد الأجنبي وتطوير آلة الإنتاج بحيث تلبي احتياجات السوق المحلية وتحد من الواردات بل وتزيد الصادرات.

موقف
التحديثات الحية

لكن أن يشهد الجنيه المصري ذلك الانهيار الذي أصاب عملات دول بها حروب وقلاقل عنيفة وذلك على مدى فترة 10 سنوات وبتراجع غير مسبوق بلغت نسبته 600% مقابل الدولار، فالأمر يحتاج إلى تحليل ودراسة معمقة لمعرفة الأسباب التي جعلت قيمة الدولار ترتفع من 7.15 جنيهات في نهاية عام 2014 إلى 50 جنيها حالياً، بل تجاوز حاجز السبعين في السوق السوداء قبل تعويم الجنيه الأخير.

ولولا الدعم الخارجي الأخير من الإمارات وصندوق النقد والبنك الدوليين لواصل الجنيه التراجع بسبب نقص السيولة الدولارية وضخامة الأعباء الخارجية من أقساط ديون وتمويل واردات.

علينا البحث عن أسباب هذا التهاوي للعملة المصرية، بخاصة مع تلال القروض الخارجية والتي تجاوزت 160 مليار دولار، ودعم خليجي ودولي غير مسبوق للاقتصاد المصري، وحديث النخب الحاكمة وبشكل متواصل عن حدوث استقرار سياسي وأمني مشهود في البلاد، وتمتع الدولة بفرص استثمارية ضخمة في كل القطاعات والأنشطة الاقتصادية.

إذا وضعنا أيدينا على أسباب تهاوي الجنيه وسر تعويمه 5 مرات خلال 7 سنوات، هنا يمكن وضع حلول جذرية لأزمة سوق الصرف حتى لا يتواصل مسلسل الانهيار

وتطبيق برنامج اقتصادي تتسابق دول العالم على تطبيقه والاستفادة منه كما يروج كبار المسؤولين، وتجاوز إيرادات الدولة 100 مليار دولار سنوياً، وهو مبلغ كان يكفي في سنوات سابقة لتغطية احتياجات الدولة الخارجية من سداد أعباء الديون وتمويل الواردات، بل الدفاع عن العملة المحلية.

بالطبع، إذا وضعنا أيدينا على أسباب تهاوي الجنيه المصري وسر تعويمه 5 مرات خلال فترة لا تتجاوز 7 سنوات، هنا يمكن وضع حلول جذرية لأزمة سوق الصرف حتى لا يتواصل مسلسل الانهيار والذي يتحمله المواطن وحده في شكل زيادات قياسية في أسعار السلع والخدمات من غذاء وكهرباء ومياه ومواصلات وبنزين وسولار وغاز ورسوم حكومية وضرائب وغيرها.

المساهمون