المضاربة بالعملة اليمنية تصنع قلة من الأثرياء وتعمّق فقر الملايين

المضاربة بالعملة اليمنية تصنع قلة من الأثرياء وتعمّق فقر الملايين

28 يناير 2021
تَواصل تراجع سعر العملة الوطنية مقابل الدولار (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد عدن وصنعاء وعديد المدن اليمنية استفحال عملية المضاربة في العملة الوطنية، ما يبقيها في وضعية تدهور متواصل في ظل عجز السلطات المالية عن كبح جماح هذه العمليات غير المشروعة وتنفيذ قراراتها في هذا الشأن لربط مؤسسات وشركات الصرافة بالنظام المالي للبنك المركزي اليمني
وتخضع السوق المصرفية في البلاد لعمليات مضاربة واسعة بالدولار، وازدهار التربح والإثراء من خلال التلاعب بالعملة الوطنية، وهو ما انعكس في تحكم الصرافين وشركات ومؤسسات الصرافة بالنقد الأجنبي المتداول في سوق الصرف، في ظل عدم توفر احتياطي من النقد الأجنبي في البنك المركزي اليمني. ما أدى إلى ارتفاع ثروات قلة من المضاربين، في مقابل زيادة الأزمات المعيشية واتساع الفقر ليطاول ملايين اليمنيين.
وكشف مصدر مسؤول في البنك المركزي اليمني، فضل عدم ذكر اسمه، عن خطة يعتزم البنك تنفيذها خلال الشهر المقبل تتضمن تدشين العمل بنظام الصرافة الشامل الذي يستند لقرار مصرفي تم بموجبه إنشاء شبكة موحدة للحوالات المالية الداخلية، والتي ستخضع لإدارة شركة الأنظمة الذهبية المتكاملة السعودية وإشراف مباشر من البنك اليمني في عدن. 
وحذر المصدر المصرفي المسؤول في حديثه لـ"العربي الجديد"، مما يحصل في سوق الصرف من تلاعب واسع في العملة الوطنية عن طريق عمليات المضاربة التي اتضح، كما توصل إليه خبراء ماليون ومصرفيون في البنك المركزي، أنها السبب الرئيسي في تدهور الريال اليمني وتهاوي سعر صرفه أمام الدولار. 
وشدد المسؤول على أن هناك تجاوزا لسعر الصرف بمستويات قياسية، وهو ما يعد مضاربة في العملة الوطنية وإضراراً بالمصلحة العامة ومخالفة للقوانين المالية المتبعة في اليمن.

ويوضح الخبير المالي والمصرفي، عمار مهدي، أن هناك انفلاتا واسعا في سوق الصرف الخاضع بشكل رئيسي للشركات الصرافة والمضاربين بالعملة التي تعتبر من أهم أدوات التكسب والإثراء غير المشروع في اليمن منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد وما رافقها من تقويض المؤسسات الحكومية ورفع يدها عن إدارة القطاعات المالية والمصرفية في معظم المحافظات والمدن الرئيسية.
ويذكر مهدي لـ"العربي الجديد"، أن عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الأمنية تمثل الأسباب الحقيقية للتدهور المالي والاقتصادي الراهن في اليمن والتراجع المتواصل في العملة الوطنية التي كانت تخضع عملية إدارتها وتحريكها لقرار سياسي خلال الفترات السابقة، وهي سياسة كما يفيد مهدي، لم تكن مجدية على الإطلاق كما كشفت عن ذلك تبعات الحرب والصراع الدائر في اليمن منذ العام 2015.
وكان البنك المركزي اليمني في عدن قد أصدر في هذا السياق، تعميمين موجهين إلى كل البنوك التجارية والإسلامية، وشركات ومنشآت الصرافة العاملة في اليمن، وذلك للحد من عمليات المضاربة والتلاعب بسعر صرف العملة الوطنية.
كما أكد البنك المركزي، على ضرورة التزام البنوك وشركات الصرافة، في تعاملاتها اليومية بسعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية وفقاً لسعر السوق.
وتم الإعلان أول من أمس، في عدن العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية، عن إيقاف 60 شركة صرافة بشبهة المضاربة بالعملات والتأثير على أسعار الصرف. 

وسجل الريال اليمني، أول من أمس، انهياراً هو الأكبر منذ تشكيل حكومة المناصفة الجديدة في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إذ بلغت أسعار الصرف، 855 ريالا أمام الدولار، بعدما استقرت عند 630 ريالا، قبل 5 أسابيع.  
بدوره، يرى الباحث الاقتصادي إبراهيم المياس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن ما يتم تنفيذه من إجراءات حكومية لإدارة وتنظيم السياسة النقدية في اليمن لا يؤتي أي ثمار على أرض الواقع لاختلال المنظومة المصرفية والقانونية، الأمر الذي أدى إلى تشكّل نظام اقتصادي ومالي ومصرفي موازٍ في الأسواق اليمنية، وهو ما يعد بمثابة واقع جديد وغريب لأن السلطات الحكومية قضت معظم فتراتها خلال الحرب الدائرة في اليمن خارج البلاد.
وأكّد خبراء أمميّون مكلّفون بمراقبة العقوبات الدولية المفروضة على اليمن، في تقرير اطّلعت عليه وكالة "فرانس برس" أول من أمس، أنّ الحوثيين حقّقوا خلال العام الماضي مكاسب ميدانية في حين انخرط مسؤولون حكوميون في عمليات فساد بما في ذلك تبييض أموال.
وأوضح خبراء الأمم المتّحدة في تقريرهم أنّ "الحوثيين يؤدّون وظائف تقع حصرياً ضمن سلطة الحكومة اليمنية، إذ إنّهم يجمعون ضرائب وإيرادات عمومية أخرى، والتي يُستخدم جزء كبير منها لتمويل مجهودهم الحربي". 
ووفقاً لتقديرات الخبراء، فقد حوّل الحوثيون ما لا يقلّ عن 1.8 مليار دولار في 2019، كانت مخصّصة في الأصل لملء خزائن الحكومة اليمنية ودفع الرواتب وتقديم خدمات أساسية للمواطنين، لتمويل عملياتهم". 
ويسيطر الحوثيون على صنعاء ومناطق شاسعة في اليمن منذ 2014، ويخوضون معارك يومية في مواجهة قوات موالية للسلطة المعترف بها دولياً يدعمها منذ مارس/ آذار 2015 تحالف عسكري تقوده السعودية.

المساهمون