العمال يمشون على بطونهم أيضاً

العمال يمشون على بطونهم أيضاً

25 يوليو 2021
العمال يزدادون فقراً في سورية (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

كما الإيديولوجيات الكبرى التي تضع شعاراً صعب التحقيق، لتضمن بقاءها بالسلطة والمتاجرة بزعم السعي لتحقيق المستحيل، يضع نظام بشار الأسد، ذو شعار "أمة عربية واحدة"، تحسين وزيادة الإنتاج شرطاً لتحسين واقع المعيشة.

ولعل ذريعة وزير المال السوري الأقرب للأحجية "إن أي زيادة على رواتب الموظفين، تتطلب تأمين السيولة اللازمة لها، وأن تأمين السيولة لزيادة الرواتب، هو الهدف الذي تسعى إليه الوزارة وتضعه على رأس أولوياتها" هي الخطة العامة لحكومة الأسد.

فما إن يقال عن تحسين واقع المعيشة بعد أن نافت نسبة الفقر التسعين بالمائة، حتى يرمى السوريون بمنّة دعم خبزهم ومحروقاتهم، رغم رفع أسعارها المستمر والانسحاب من الدعم، وليتتالى القصف بنغمات سيمفونية الممانعة والمقاومة، وأن الإرهابيين عطلوا موارد الدولة.

والحل الوحيد للخروج من عنق الزجاجة، هو زيادة وتحسين الإنتاج لكفاية الطلب بالسوق المحلية لتنكسر الأسعار، ومن ثم التصدير لتأمين القطع الأجنبي، فيتحسن سعر صرف الليرة المنهارة وتتوفر السيولة لاستيراد الضروريات، وربما ليهنأ السوريون ويخلّفوا صبياناً وبنات.

عدا شح المشتقات النفطية وأسعارها المرتفعة فيما لو توفرت، لا يوجد مواد أولية للإنتاج بالداخل، وإن فتحت أبواب الاستيراد، فثمة معوقات ومطبات

هذه المعادلة البديهية صحيحة ولا شك، ولكن بظروف ومناخات مواتية لزيادة الإنتاج. وببلد غير سورية التي تهدمت بناها الإنتاجية وهياكلها وباتت الشركات عبئاً على ملاكها، إن حكومية أو بالقطاع الخاص.

بمعنى، يمكن للإنتاج والتصدير أن يقودا عملية النمو وتحسين الدخول وسعر الصرف، بيد أن زيادة الإنتاج هي نتيجة وليست منطلقاً. فلكي تتحقق، لا بد من تأمين شروط العمل للمنشأة، من عمالة ومواد أولية وحوامل الطاقة بأسعار منافسة، ومن ثم تأمين سوق لتصريف الإنتاج، بالداخل والخارج.

وبنظرة سريعة على ألف باء شروط الإنتاج بالنسبة لجميع المواقع السورية، نرى أن جلّ الشركات، تستمر فقط لئلا تصدأ الآلات، أو يجدها "جنود الأسد" غنائم داشرة، كما "عفّشوا" من ذي قبل منشآت حلب وبيوت وشركات حمص وعاثوا تخريباً وأذى، بجميع المناطق التي دخلوها فاتحين.

فعدا شح المشتقات النفطية وأسعارها المرتفعة فيما لو توفرت، لا يوجد مواد أولية للإنتاج بالداخل، وإن فتحت أبواب الاستيراد، فثمة معوقات ومطبات، إن بدأت من عدم توفر القطع الأجنبي وانسحاب المصرف المركزي من تمويل التجارة، قد لا تنتهي بالعقوبات المفروضة على سورية.

وهنا، لم نأت على القدرة الشرائية للسوريين التي وضعت، حتى الضروريات بخانة الكماليات أو نشير إلى ما تفتقت به حكومة الأسد أخيراً، من مضاعفة الضرائب وملاحقة الصناعيين بمفاعيل رجعية عن سنوات خلت.

خارطة العمالة بسورية، تشوهت بعد 10 سنوات على حرب أعلنها النظام أولاً على الإنسان المتطلع للعدالة بتوزيع الدخل، فتحولت نسبة البطالة من نحو 11% إلى أكثر من 83%

ولكن جدلاً، لنفرض أن أصحاب المنشآت والصناعيين السوريين غلّبوا الحس الوطني وتعالوا على جميع أسباب التخسير التي يُدفعون إليها من حكومة الأسد دفعاً، لنسأل عن حامل التنمية. أي الإنسان الواقف وراء الآلة التي يرى نظام الأسد بتحسين وزيادة إنتاجها، خلاصه ونجاة الشعب العنيد.

يعرف نظام الأسد يقيناً وبالأرقام الصادرة عن اتحاد العمال ومكتب الاحصاء بدمشق، أن خارطة العمالة بسورية، تشوهت بعد عشر سنوات على حرب أعلنها أولاً على الإنسان المتطلع للعدالة بتوزيع الدخل، فتحولت نسبة البطالة من نحو 11% إلى أكثر من 83% بحسب منظمات ومراكز من داخل سورية وخارجها، وتراجع دخل العامل، بعد التضخم الهائل بالليرة السورية، من نحو 400 دولار "20 ألف ليرة" إلى 72 ألفاً، ما يعادل 24 دولاراً اليوم.

كما يعرف النظام الممانع، وبحسب إحصاءات رسمية هو نفسه يصدرها، أن قوة العمل بسورية، قبل عام 2011 كانت تزيد عن 3.5 ملايين عامل، منها نحو 1.8 مليون عامل بالقطاع الحكومي، لكنها اليوم وبالقطاعين العام والخاص، لا تقترب من مليون عامل، بعد التهجير والقتل والفصل من العمل.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

نهاية القول: ليست الجيوش وحدها من تمشي على بطونها، بل والعمال الذين يعول على إنتاجهم بالخلاص، يحتاجون لما يسد رمقهم ويمنحهم القدرة على العمل والوقوف وراء الآلات أو تحت أشعة الشمس.

فإن كانت تكاليف المعيشة، وفق آخر إحصاء شبه رسمي من دمشق "مركز قاسيون"، قفزت إلى مليون و240 ألف ليرة "330 دولاراً"، ومتوسط دخل العامل السوري 72 ألف ليرة "نحو 24 دولاراً"، فكيف يمكن لحصان الإنتاج إسكات قرقرة بطنه وتخطي عربة المعوقات التي تؤثر حكومة الأسد إبقاءها أمامه؟

المساهمون