الخصخصة السورية لإرضاء الجميع

الخصخصة السورية لإرضاء الجميع

18 أكتوبر 2021
مصنع منسوجات في سورية (فرانس برس)
+ الخط -

سرب من العصافير، يريد أن يصيبها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، من إعلان الخصخصة، لا سيما أن "المجتمع الدولي" يشترط الشروع في الحل السياسي قبل إعادة الإعمار وتمويل المؤسسات الدولية والدول الكبرى، لترميم ما هدمته الحرب على حرية وحلم السوريين.

لدى النظام حلول آنية، ربما كعكتها صغيرة، لكنها سترضي الجميع، على الأقل لجهة تثبيت القدم للحجز المستقبلي على حصة بكعكة خراب السوريين الكبرى، بعد أن زادت توقعات مبالغ إعادة الإعمار عن 400 مليار دولار.

فأمام سؤال، ماذا يمكن أن تقدم سورية، عدا الجغرافيا والسياسة وضرورة التحالفات الجديدة، للدول المتهافتة على النظام، بعد كل جرائم القتل والتهجير؟ تأتي إجابة سورية عبر وزير الصناعة في حكومة الأسد، زياد صباغ بإعداد "خريطة متكاملة" لكل المنشآت الصناعية المتوقفة عن العمل، للتشاركية بين القطاعين العام والخاص.

والخريطة المتكاملة الموعودة، ستأتي لاحقة لـ 38 منشأة، طرحها النظام السوري في 28 سبتمبر/ أيلول الماضي للاستثمار، معلناً وبمنتهى الفجاجة والصراحة، أن للدول الصديقة الأولوية في الاستثمار وإعادة التشغيل.

ليكون السؤال الأول الذي يتوثب على الشفاه، تُرى من هي الدول الصديقة لبشار الأسد التي عناها بهذا الإغراء، بعد أن باتت إيران وروسيا أصدقاء نمطيين وحلفاء قدامى نالوا حصتهم من خراب سورية؟

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

في محاولة البحث عن إجابة، تأتي مصر ضمن الدول الصديقة، ليس فقط لأنها لم تنقطع عن الأسد، بل لأن سورية بوابة مناكفة تركيا الأوسع، وتحرص مصر على كسبها بالعودة لحلم "قاطرة العرب".

فاليوم، كشفت مصادر مصرية عن ترتيبات من جانب المسؤولين في القاهرة لتنسيق اتصال بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس النظام السوري بشار الأسد، خلال الأيام القليلة المقبلة، بهدف توسيع دور القاهرة في الملف السوري، خلال الفترة المقبلة، في ظل محاولات من جانب مصر لمجاراة تركيا في ملفات المنطقة.

والإمارات أيضاً من الدول الصديقة، فهي لم تنقطع عن نظام الأسد، إن بإيواء الأموال والاستثمارات، أو بالدعم العلني والمباشر، المالي والتقني والسلعي، حتى في عز تطبيل واشنطن لويلات من يخترق قانون "قيصر"، فوزير الاقتصاد عبد الله بن طوق، أعلن بعد لقائه وزير الاقتصاد في حكومة الأسد، سامر خليل، قبل أيام، عن خطط لتعزيز التعاون الاقتصادي واستكشاف قطاعات جديدة في سورية و"التهيئة لإعادة الإعمار والاستثمار".

وهكذا دواليك لجهة الدول العربية، التي تتطلع دمشق إلى استعادة صداقتهم خلال قمة الجامعة العربية المقبلة في الجزائر، التي لم تحل عرى صداقتها بالأسد، ولم تكف عن مساعيها لعودة سورية إلى حظيرة الجامعة العربية.

قصارى القول: ماذا يستفيد نظام بشار الأسد من طرح الشركات الحكومية للاستثمار والخصخصة هذه الآونة؟ بينما ظلت خسائر الاقتصاد آخر هموم النظام بدليلين اثنين.

الأول طرح منشآت هامة وحيوية، منها صناعة الجرارات والأدوية للاستثمار والبيع، والإبقاء على صناعة المعكرونة وربّ البندورة (معجون الطماطم) ضمن القطاع الحكومي الريادي.

والثاني أن وزارة الصناعة لم تطلب أية شروط وتفاصيل بعروضها الاستثمارية، وكأن "الدول الصديقة" هي المنطلق والغاية وجميع الشروط.

لكن الفوائد التي تتجاهل بناء اقتصاد متين، ربما أكثر من أن تحصى، منها تأمين سيولة وبالقطع الأجنبي، لنظام أعلن إفلاسه مرات ومرات، وابتعد عن جلسات التدخل لدعم الليرة وكلف القطاع الخاص، باستجرار القمح والمشتقات النفطية.

وأما حول تساؤل من سيأتي ليستثمر في الخراب وببلد لم تزل مرشحة على الخراب؟ فربما لفترة الحلحلة وغض النظر عن العقوبات، بعد موافقة الأسد على مرور الغاز، من مصر إلى لبنان، وتهافت الدول للمساعدة في إعادة إنتاج النظام وتدويره، خاصة بعد تسريب "اللاورقة الأردنية" ومساهمة عمان بتسويق الأسد، هي كلمة السر والعامل الأهم لإقبال الدول والمستثمرين، طبعاً إن لم نشر إلى السخاء والبيع بشبه المجان، التي شرعنها قانون الاستثمار الجديد، الذي خرج بعد عام من النقاش، بحلة عصرية وسخاء.

كما من الفوائد التي سيجنيها النظام السوري، من بيع ممتلكات السوريين، هو كسب رضى صندوق النقد الدولي، تحت عنوان "تنفيذ سياسات تصحيحية منظمة تستعيد بها الظروف الملائمة لاقتصاد مستقر ونمو مستدام" والتعويل على قروض من البنك الدولي، ما دام الشعار تمويل مشروعات التعمير والتنمية والانتقال من نظام اشتراكي رث إلى ليبرالي عصري وحديث.

نهاية القول: ليس من موقف سلبي مسبق من خصخصة بعض شركات القطاع الحكومي السوري، التي وجدت أيام المد الاشتراكي، فدخلت الدولة بصناعة البسكويت والعلكة ومقرمشات الأطفال، بيد أن الموقف من توقيت الطرح، إذ ونتيجة عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، سيتم تبديد ممتلكات السوريين بأبخس الأثمان، كما السلبية أيضاً، من استخدام مال السوريين ومصير العمالة، لرشى "الأصدقاء" القدامى والجدد، ليساعدوا الأسد على السوريين، فيجهض تطلعاتهم ويخرج من معركة الثورة منتصراً منزهاً من جرائمه، كيوم ولدته أمه.