الجوع يفتك بالسوريين... والنظام يفجر جحيم الغلاء

الجوع يفتك بالسوريين... والنظام يفجر جحيم الغلاء

05 أكتوبر 2023
2.9 مليون معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع، حسب برنامج الأغذية العالمي (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

قابل نظام بشار الأسد احتجاجات السوريين الغاضبة من تدهور المعيشة والمطالبة برحيله، بمزيد من التجويع والإفقار والغلاء.

ولم يكتف النظام برفع الدعم عن المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية "خبز، أرز وسكر" وزيادة أسعار المحروقات والكهرباء، بل واصل الاعتماد على الجباية من جيوب المواطنين الممزقة، بهدف الحد من الأزمات المالية والاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد. وبات أكثر من 15 مليون سوري في مرمى الفقر والجوع، حسب تقارير أممية حديثة.

"أولادي يتشهون البيض بعد أن نسوا اللحمة" هكذا بدأت زينب. م (48 عاماً) من حي دمر بالعاصمة السورية دمشق شرح ظروف معيشتها، بعد أن أنهكها وأسرتها الغلاء والعوز، بواقع مسدودة كل آفاقه، حسب تعبيرها.
تضيف زينب: "نحن من سيئ إلى أسوأ ولا شيء يتبدل، فسعر البيضة الواحدة بأسواق العاصمة السورية اليوم، نحو ألفي ليرة سورية، في حين راتب تقاعد زوجي المتوفى لا يتجاوز ثمانين ألف ليرة"، ما يضطرها للعمل بطهو الطعام وتحضير المؤونة للأسر الميسورة. وتتابع: "تكاليف المدارس لطفلين، زادت عن مئتي ألف ليرة رغم أني تدبرت الملابس والأدوات المدرسية والحقائب من سوق المستعمل".

زينب التي تشتري الغاز المنزلي من السوق السوداء، بعد شح المشتقات النفطية وارتفاع سعرها، تكشف لـ"العربي الجديد" عن حلم "تسفير" أحد أطفالها عبر البحر إلى أوروبا "لأنه الحل الوحيد بإنقاذنا"، لكن هذا الحلم برأيها، مكلف مالياً، من دون أن تتطرق للمخاطر التي قد تصل إلى حد الموت.

ولعلّ حال مدن الساحل السوري، المؤيدة لنظام الأسد، هي الأكثر معاناة، بحسب المواطنة تيزيز (اسم مستعار) التي قالت لـ"العربي الجديد" إن أبناء الساحل هم الأقل هجرة، وبالتالي هم الأقل تحويلاً لذويهم، كما أن الغلاء والفساد بمدن الساحل (اللاذقية وطرطوس) هما الأعلى برأيها، فالناس هنا "فوق القانون ولا يخضعون لرقابة".

حالتا زينب وتيزيز عينة من مناطق سيطرة الأسد، تنسحب على عموم مدن سورية، بما فيها مناطق سيطرة المعارضة، فقلة فرص العمل وغلاء الأسعار، حولا "الحياة جحيماً" كما يروي المواطن مأمون متعب من ريف إدلب الشرقي، فأجر العامل الزراعي لا يزيد عن 200 ليرة تركية يومياً، في حين الأسعار ترتفع باستمرار، ما يزيد تكاليف معيشة الأسرة، بحسب المتعب، لنحو 15 ألف ليرة تركية، قائلا: "أعمل أنا وأولادي وبالكاد نسد تكاليف الحياة".
ويشير متعب (55 عاماً) إلى أن ما يحوله ابنه من تركيا، هو ما يوازن الأمور، بعد أن توقفت المساعدات الإنسانية والسلل الغذائية التي كانت توزع على مناطق المعارضة، خلال سني الثورة الأولى، واقتصرت اليوم على بعض المخيمات وبكميات أقل، بعد التشديد على إدخال المساعدات وتراجع حصص الدول المانحة لمساعدة السوريين.

تراجع الدعم وانهيار الليرة
يرى المستشار الاقتصادي، أسامة القاضي، أن العام الماضي، منذ أن بدأ نظام الأسد في شباط/ فبراير، رفع الدعم عن المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية "خبز، أرز وسكر" ورفع أسعار المحروقات والكهرباء، بدأت حالات الفقر المدقع تتزايد، إذ تم إخراج 600 ألف عائلة من قائمة الدعم، ومن ثم تبعتها شرائح المهندسين والمحامين والصيادلة والأطباء، مشيرا إلى تبدل بنية المجتمع وارتفاع نسبة الجوع، إلى أكثر من 90% من السكان.
ويضيف القاضي لـ"العربي الجديد" أن ما وصفه بإفلاس حكومة بشار الأسد وتلاشي موارد الخزينة، دفعا النظام للاستمرار بالجباية من "جيوب السوريين الممزقة"، فرفعت حكومته في 17 آب/ أغسطس الماضي أسعار المحروقات بنحو 150%، ورفعت بعدها سعر الكهرباء بنحو 100%، رغم خروج محافظة السويداء بمظاهرات إثر رفع أسعار المحروقات التي انعكست على جميع أسعار المنتجات والسلع بالأسواق.
ويلفت الاقتصادي السوري إلى "تجاهل نظام الأسد" مظاهرات السويداء كما تجاهل أثر رفع حوامل الطاقة على الصناعة، أو ما تبقى منها، قائلا: "لا هم لديهم سوى الاستمرار على الكرسي، حتى لو حولوا سورية لخراب والشعب لمتسولين".
وفي المقابل، تستمر العملة السورية بالتراجع، التي تقترب حاليا من 13.500 ليرة للدولار في السوق السوداء، ليأكل التضخم رفع الأجور التي أقرها رئيس النظام، بشار الأسد بنسبة 100% الشهر الماضي.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وتأتي قرارات المصرف المركزي، منذ فبراير/شباط الماضي، برفع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، بذريعة جذب التحويلات الخارجية التي تذهب للدول المجاورة وتعود للداخل السوري بالليرة، سببا إضافيا، لتهاوي سعر العملة المحلية حاليا، مقارنة بعام الثورة 2011 الذي لم يزد فيه الدولار عن 50 ليرة.
ورفع مصرف سورية المركزي قبل أيام سعر العملة السورية بنحو 300 ليرة مقابل الدولار الواحد، ليصل سعر العملة الأميركية للحوالات إلى نحو 11500 ليرة ويزيد سعر العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، عن 12157 ليرة سورية، ما سرّع بتهاوي سعر الصرف في السوق السوداء. وانعكس تدهور العملة المحلية على أسعار السلع التي زاد بعضها بنحو 350% خلال العام الجاري، حسب مراقبين.

فجوة الإنفاق والدخل
حوّلت ارتفاعات الأسعار المتتالية، بواقع استمرار تراجع سعر صرف الليرة السورية، أكثر من 95% من السوريين إلى ما دون خط الفقر، بحسب الاقتصادي السوري، عماد الدين المصبح.
ويرى الاقتصادي السوري في حديثه لـ"العربي الجديد" أن تكاليف المعيشة سترتفع خلال الربع الأخير من العام الجاري، بسبب تراجع مواسم الخضر والفواكه ودخول المشتقات النفطية على تكاليف المعيشة "خلال الشتاء"، ما سيزيد الفقر والحاجة، بعد ارتفاع تكاليف المعيشة إلى نحو 9.5 ملايين ليرة شهريا، في حين الأجور بعد الزيادة الأخيرة لا تتجاوز 250 ألف ليرة كما لا يزيد الحد الأدنى للأجور عن 185 ألف ليرة.
وكان مركز "قاسيون" بدمشق (مستقل) قد قدّر الاثنين الماضي تكاليف معيشة الأسرة السورية المكونة من خمسة أفراد، بنحو 9.5 ملايين ليرة شهرياً.
وشهد متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، حتى مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ارتفاعاً بحوالي 2.966.778 ليرة سورية عن متوسط التكاليف التي سجلها "مؤشر قاسيون" في شهر تموز/ يوليو 2023.
ولم تقتصر زيادة تكاليف المعيشة بمناطق سيطرة نظام بشار الأسد على ارتفاع أسعار الغذاء، بل ارتفعت تكاليف الحد الأدنى للحاجات الضرورية الأخرى التي تشكل 40% من مجموع تكاليف المعيشة مثل السكن والمواصلات والتعليم والملابس والصحة والأدوات المنزلية والاتصالات وغيرها، من 1.640.044 في بداية يوليو، إلى 2.381.739 في نهاية أيلول/ سبتمبر، أي أنها ارتفعت بمقدار 67.9% أيضاً خلال ثلاثة شهور، بحسب المصدر نفسه.
وفي هذا السياق، يؤكد المصبح أن الفترة الراهنة "هي الأقسى والأشد فقراً" على السوريين، منذ عام 2011، متوقعاً ارتفاع تكاليف المعيشة والفقر خلال فترة الشتاء، بعد رفع حكومة بشار الأسد الشهر الماضي أسعار المشتقات النفطية، ووصول سعر طن الحطب إلى 4.5 ملايين ليرة ورفع حكومة الأسد، الشهر الماضي، سعر المازوت الحر بنحو 290 ليرة، ليصل الليتر إلى 13290 ليرة ليرتفع سعر المازوت في السوق السوداء إلى 16 ألف ليرة وسط توقعات بارتفاعه كلما ازدادت برودة الطقس وزيادة استهلاك الوقود.

ويشير المصبح إلى أن ما يُبقي السوريين على قيد الحياة هو الحوالات الخارجية، رغم تراجعها برأيه إلى أقل من 4 ملايين دولار يومياً، بعد موجات التضخم بتركيا وأوروبا، حيث يعيش جلّ المهاجرين السوريين.

تصدير غذاء السوريين
لم تردع المظاهرات جنوبي سورية، الممتدة منذ نحو شهرين، نظام بشار الأسد عن مواصلته سياسات وإجراءات تؤدي إلى مزيد من الغلاء، ومنها زيادة وتيرة التصدير حسب عضو لجنة تجار ومصدري الخضر والفواكه بدمشق، محمد العقاد، الذي أكد سابقاً خلال تصريحات صحافية أن "الصادرات السورية من الخضر والفواكه إلى دول الخليج تعتبر جيدة وبأفضل حالاتها وخصوصاً الفواكه ولا سيما إلى السعودية".
وأضاف العقاد: "رغم أن حركة الأسواق الداخلية بطيئة جداً وتراجعت بأكثر من 50% عن العام الماضي، انتعش التصدير". وقال: "لدينا 40 برادا يومياً تذهب إلى الخليج وخاصة السعودية"، مقدراً حجم الصادرات خلال الأسبوع الواحد بنحو 5 آلاف طن من الخضر والفواكه.

وفي ظل هذه الإجراءات ارتفعت أسعار الخضروات والفواكه بالسوق المحلية إلى ما يفوق قدرة السوريين الشرائية، بعد أن سجلت زيادة بأكثر من 60% خلال شهر، حسب مصادر من دمشق لـ"العربي الجديد"، فبلغ سعر كيلو البطاطا 5 آلاف ليرة والباذنجان 4 آلاف ليرة والبندورة "طماطم" أكثر من 5000 آلاف ليرة، وسجل سعر كيلو التفاح 6 آلاف ليرة.
في المقابل، ارتفعت أسعار المنتجات الحيوانية بنحو 50% ليسجل سعر البيضة 2000 ليرة سورية وكيلو الدجاج 30 ألف ليرة.

تبعات تسويق النظام
يحمّل الاقتصادي، عبد الناصر الجاسم، دولا عربية عاودت التطبيع وتسويق الأسد، جزءا من معاناة السوريين، كما يصف التقارير الدولة بالمكرورة والتوصيفية، "فبدلا من موقف صارم تجاه نظام يجوّع ويذل الشعب، نرى محاولات ترضية النظام ليخفف من تهريب السموم، عبر فتح سفارات ووعود بمعونات مالية وإعادة إعمار، بعد صفعة دعوته لقمة الجامعة العربية بجدة السعودية".

لم تردع المظاهرات جنوبي سورية، الممتدة منذ نحو شهرين، نظام بشار الأسد عن مواصلته سياسات وإجراءات تؤدي إلى مزيد من الغلاء


ويضيف الجاسم لـ"العربي الجديد" أن المجتمع الدولي (منظمات وحكومات)، صار يكتفي بإصدار تقارير دورية توصّف الفقر والجوع، ويتعالى الصوت كلما زاد تهريب المخدرات أو ارتفعت وتيرة المهاجرين، من دون أي إجراء على الأرض، بما في ذلك تطبيق العقوبات الأوروبية والأميركية.
وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، قد حذر من أن معدلات الجوع في سورية بلغت مستويات قياسية في بلد ينهشه نزاع دامٍ ويرافقه انهيار اقتصادي ومالي مزمن.

وقال البرنامج في بيان، إنه بعد نحو 12 عاماً على اندلاع النزاع "لا يعرف 12 مليون شخص من أين ستأتي وجبتهم التالية، فيما 2.9 مليون معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع"، ما يعني أن 70% من السوريين "قد يكونون غير قادرين قريباً على وضع طعام على المائدة لعائلاتهم، حسب البرنامج".

وسبقه إعلان اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في يونيو/حزيران الماضي، أن نحو 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن أكثر من 15 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، مشيرةً إلى أن السوريين يواجهون العديد من التحديات بدءاً من ضعف الاقتصاد وصولاً إلى سوء أوضاع البنى التحتية.

ولم يفت الأمم المتحدة، بالتوازي، أن تدلو بدلوها، عبر بيان قالت خلاله إن تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون تحت خط الفقر. وقال الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريس، في يونيو/حزيران الماضي إن أكثر من 15 مليون سوري، أي 70 في المئة من إجمالي سكان سورية، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.

المساهمون