احتجاجات السويداء السورية: حراك شعبي أبعد من الوضع المعيشي

احتجاجات السويداء السورية: حراك شعبي أبعد من الوضع المعيشي

17 يناير 2023
من تظاهرات سابقة في السويداء العام الماضي (العربي الجديد)
+ الخط -

لم يعد التدهور الاقتصادي وتردي الحالة المعيشية العنوان الأبرز لاحتجاجات محافظة السويداء، جنوبي سورية، والمستمرة منذ أكثر من شهر، بل ارتفع سقف هذه الاحتجاجات ليصل إلى حد وصف النظام السوري بـ"نظام الكبتاغون" الذي "يتاجر بحليب الأطفال".

وجدّد المئات من أبناء محافظة السويداء، أمس الإثنين، اعتصامهم في ساحة الكرامة داخل مركز المحافظة، استجابة لدعوة موجهة من ناشطي الحراك السلمي تحت عنوان: تخلي الدولة عن مسؤولياتها.

وواجه النظام هذه الاحتجاجات بدفع عدد من مواليه من أعضاء حزب البعث الحاكم، الذين سيطروا على جانب من ساحة الاحتجاج، في محاولة لاستفزاز محتجي الحراك الشعبي المتواصل للأسبوع الخامس على التوالي. كما نشرت الأجهزة الأمنية عدداً من عناصرها في شوارع مدينة السويداء وفي محيط مبنى قيادة الشرطة.

احتجاجات السويداء... عناوين تتخطى الهمّ المعيشي

وصبغت احتجاجات أمس في مدينة السويداء بعناوين مختلفة، تذكر بما كان يحصل أيام الجمعة في غالبية المناطق السورية، منذ انطلاق الثورة في ربيع عام 2011. ورفع المحتجون لافتات طالبت بالحرية للمعتقلين، وتطبيق القرار الأممي 2254، وفضح الفساد، ووحدة الأراضي السورية.

ووُصف النظام في إحدى اللافتات بـ"نظام الكبتاغون الذي يتاجر بحليب الأطفال"، في إشارة واضحة إلى اتهامات إقليمية ودولية للنظام بتصنيع المخدرات وتهريبها إلى العديد من الدول المجاورة. وحمّل المحتجون في السويداء النظام مسؤولية دخول "المحتلين" إلى سورية، مؤكدين وحدة الأراضي السورية.

وأعادت احتجاجات أمس محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية من السكّان، إلى واجهة المشهد السوري، بخاصة أنّ أهالي المحافظة يستفيدون من خصوصيتهم الطائفية لتنظيم احتجاجات تصل إلى حد قطع الطرق الرئيسية وإغلاق دوائر حكومية. ويتعمّد النظام عدم التدخل أمنياً وعسكرياً لردع المتظاهرين كي يُبقي الدروز السوريين على هامش الصراع في سورية، خصوصاً أن هذا النظام لطالما حاول تصدير صورة للخارج على أنه "حامي الأقليات في سورية".

رفعت لافتات خلال الاحتجاج وصفت النظام بنظام الكبتاغون

وأشار سامي العبد الله، وهو ناشط سياسي يشارك في الاعتصام الأسبوعي بالسويداء، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "وقفة اليوم (أمس الإثنين) اتسمت بوجود وجوه جديدة في الحراك، على الرغم من التجييش الأمني، والتضييق المتعمد الذي يمارسه حزب البعث على الناس".

وتابع: "يريد النظام التشويش على الحراك السلمي وتخريبه من خلال زجّ مناصريه في الوقت ذاته، للتنديد بالحصار الاقتصادي وقانون قيصر المفروض على النظام، نظير جرائمه بحق الشعب ورفضه المضي في طريق الحل السياسي للأزمة السورية".

ولفت العبد الله إلى أن النظام "بات عاجزاً حتى عن إقناع مواليه بالنزول إلى الشوارع والساحات لنصرته"، مضيفاً: "تخلى النظام عن كل مسؤولياته إذ انعدمت الخدمات أو كادت. النظام معني بالبقاء بالسلطة فقط ولا تعنيه معاناة السوريين".

من جهته، قال أحد الموظفين في دوائر النظام الحكومية، طالباً عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "نزلنا إلى الشارع غصباً، وهذا ليس سرّاً، فجميع الموظفين محكومون بلقمة العيش أو الفصل من الوظائف، أو منع السفر. كان يجب أن أكون في الطرف المقابل. نحن نحمي الفاسدين بوقوفنا في صف النظام، ولكن للأسف نحن مضطرون لذلك في ظل الأوضاع الصعبة التي نمر بها".

مؤشرات على إعادة تفعيل العصابات النائمة في المحافظة

محاولات لإفشال الاعتصام

وكانت قد انتشرت الأحد دعوة من أسماء وهمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، تخاطب الفعاليات النقابية والعمالية والجمعيات ومناصري النظام السوري، للتظاهر في ساحة "السير" رفضاً لما سُمّي بـ"الاحتلال الأميركي"، في خطوة الهدف منها إفشال اعتصام الإثنين ضد النظام. وليس من المتوقع أن يستجيب النظام لمطالب المحتجين في السويداء، وهو ما يبقي المحافظة على حافة الانفجار الشعبي بشكل دائم.

وتعيش السويداء، في جنوب سورية، واقعاً أمنياً سيئاً، ما يوحي بعودة العصابات المسلحة التابعة لأجهزة النظام، بعد انكفاء نسبي، إذ شهدت الأيام الماضية عودة عمليات الخطف على طريق دمشق السويداء، خصوصاً للسيارات المحملة بالخضار. فيما برزت عصابات سرقة السيارات من جديد، حيث أثبتت تحريات المواطنين، الذين سرقت سياراتهم وعادت إليهم بعد دفع فدية مالية، أنها لم تتحرك خارج مدينة السويداء، وهو مؤشر على إعادة تفعيل العصابات النائمة من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، لتخويف المواطنين وردعهم عن الخروج كلّ إثنين احتجاجاً على الأوضاع المعيشية الصعبة.

من جهته، وصف مدير تحرير شبكة "الراصد" المحلية سليمان فخر، في حديث مع "العربي الجديد"، استمرار الاحتجاجات السلمية للأسبوع الخامس على التوالي بأنه "أمر مهم للغاية"، مضيفاً أنه "بتصاعد".

وأشار فخر إلى أن "عدد المحتجين يتزايد أسبوعاً بعد آخر، مع وجود النساء والأطفال وكبار السن الذين ضاقت بهم الأحوال المعيشية الصعبة". وأضاف: "تخلت حكومة النظام السوري عن مسؤولياتها تجاه محافظة السويداء، ولم تفعل شيئاً حتى اللحظة لتحسين واقع الخدمات من ماء وكهرباء ومحروقات، وحتى اتصالات، ما أدى إلى سقوط أي عذر لها حتى في عيون الموالين لها والصامتين".

وأشار فخر إلى أن "هناك فوضى وفلتاناً أمنياً متعمدين في المحافظة"، موضحاً أن "أجهزة النظام الأمنية تريد إرهاب السكان وجعلهم في حالة قلق على أرواحهم وأرزاقهم". وتابع: "أنصار النظام السوري أخذوا جرعة تفاؤل من التقارب السوري التركي، ويحاولون فرض إرادتهم بالقوة على الشارع، لكن استمرار الاحتجاجات السلمية سوف يسقطهم حتماً".

ولفت مدير تحرير شبكة "الراصد" إلى أن الاحتجاجات مستمرة في المحافظة منذ عام 2014، مشيراً إلى أن "النظام يعتمد عادة على فعاليات دينية واجتماعية مرتبطة بالأجهزة الأمنية لإفشال الاحتجاجات، ولكنه لم يستطع هذه المرة تطويق الحراك السلمي في المحافظة، حيث بلغت الأوضاع المعيشية مستوى من التردي يكاد يصل إلى حدود الكارثة".

وتعد السويداء أهم مركز سكني للمكون الدرزي في سورية، ولكنهم ينتشرون أيضاً في حي جرمانا الدمشقي وفي ضاحية صحنايا جنوب دمشق، إضافة إلى ريف القنيطرة وقرى في ريف إدلب، شمال غربي سورية، فضلاً عن وجود عدد كبير منهم في الجولان السوري المحتل.