اتحاد الشغل التونسي إلى الشارع: الحق النقابي مهدد والمؤسسات بالمزاد

اتحاد الشغل التونسي إلى الشارع: الحق النقابي مهدد والمؤسسات بالمزاد

18 فبراير 2023
خلال تحرك نقابي في تونس (Getty)
+ الخط -

أطلق الاتحاد العام التونسي للشغل، السبت، سلسلة من التحركات الاحتجاجية في عدد من محافظات البلاد احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ودفاعا عن الحق النقابي، وذلك على أثر سلسلة من التوقيفات والمحاكمات التي طاولت مسؤولين في نقابات عمالية وازنة.

ودعت المركزية النقابية إلى تجمعات عمالية متزامنة في 8 محافظات، من بينها صفاقس ونابل والقصرين، قادها أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل نحو المقار المركزية للمحافظات، رافعين شعارات ''نرفض تكريس الاستبداد وعودته'' وتنادي ''بتكريس العدالة الاجتماعية والمحافظة على دولة اجتماعية ديمقراطية'' .

ويعارض الاتحاد العام التونسي للشغل بقوة خطة السلطة للإصلاح الاقتصادي، التي انطلقت حكومة نجلاء بودن في تنفيذيها استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، داعيا إلى تقاسم التضحيات بين مختلف الطبقات الاجتماعية والتشارك حول خطة إصلاح تراعي الخصوصية التونسية.

وقال الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل سمير الشفي، لـ"العربي الجديد"، إن المنظمة النقابية ماضية في تحركات احتجاجية دفاعا عن الحريات النقابية وعن حق التونسيين في العيش الكريم. وأكد الشفي الاعتراض الشامل للمنظمة على تطبيق إملاءات صندوق النقد الدولي، التي تستهدف قوت التونسيين بعد تضمين قانون الموازنة إجراءات سيُرفع بمقتضاها الدعم عن المواد الأساسية بنحو 30 بالمائة.

تضييق واعتقالات

وتسعى سلطة تونس إلى التضييق على العمل النقابي، حيث شهدت الأسابيع الأخيرة إحالة نحو 16 ناشطا نقابيا في قطاعات النقل والعدل على القضاء على خلفية دعوتهم للإضرابات في مؤسساتهم.

كذلك، أرسلت السلطات مجموعة من الرسائل المشفرة لاتحاد الشغل، عبر دعم تعددية المنظمات النقابية، حيث وجهت حكومة نجلاء بودن، ولأول مرة، في منشور يتعلّق باستخلاص معلوم الانخراط للأعوان العموميين لعدد من المنظمات النقابية بعنوان سنة 2023 والمتمثلة في الكونفيدرالية العامة التونسية للشغل واتحاد عمال تونس والمنظمة التونسية للشغل واتحاد نقابات النقل والنقابة الوطنية لأعوان وإطارات العدلية والاتحاد التونسي للمربين.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وقال المتحدث الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري إن التحرك في الجهات يهدف إلى الدفاع العمل النقابي، مؤكدا تعمّد السلطة التضييق على هذا الحق الدستوري استعدادا لتنفيذ خطة رفع الدعم ووقف الانتدابات وتفقير الشعب وإثقال كاهله بالضرائب، إلى جانب بيع المؤسسات الحكومية التي يعتبرها الاتحاد خطا أحمر. 

وأضاف الطاهري في تصريح لـ “العربي الجديد": "إن الاتحاد العام التونسي للشغل لم يطلع على النسخة النهائية للقانون، مؤكدا انطلاق السلطات في ما وصفه بـ"تخريب المؤسسات" استعدادا لبيع الأصول لمشترين أجانب أو محليين". 

وأكد المتحدث اعتراض الاتحاد على النسخة الأولى من هيكلة المؤسسات الحكومية التي صادق عليها مجلس الوزراء مؤخرا، مشيرا إلى تقديم المنظمة النقابية حزمة من المقترحات تفضي إلى إصلاح المؤسسات الحكومية من دون اللجوء إلى التفويت فيها وبيع أصولها، كما تخطط لذلك السلطات، وفق قوله.

وقال أيضا: "الاتحاد العام التونسي للشغل لن يقف صامتا أمام مخطط تصفية أصول المؤسسات الحكومة، وعلى السلطة أن تتحمل مسؤولياتها في ذلك".

وتحاول سلطات تونس تسريع الإصلاحات من أجل ضمان عرض ملف تونس مجددا على مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، لتوفير قروض خارجية تحتاجها الموازنة لا تقل عن 4 مليارات دولار.

إقصاء النقابات

أطلقت حكومة نجلاء بودن قطار إصلاح المؤسسات الحكومية، بعد مصادقة مجلس الوزراء على قانون لهيكلة 111 شركة حكومية تديرها الدولة وسط رفض نقابي، للتمهيد لبيع أصول الشركات أو فتح رأس مالها للمساهمة الخاصة.

ويعد إصلاح حوكمة الشركات الحكومية بنداً أساسياً ضمن وصفة الإصلاح الاقتصادي، التي يطالب بها صندوق النقد منذ توقيعه الاتفاق المالي السابق سنة 2016، غير أن توتر الأوضاع السياسية في البلاد وثقل النقابات العمالية في المؤسسات العمومية حالا دون تمرير سيناريو الخصخصة في الفترات الماضية.

ورغم تشبث الاتحاد العام التونسي للشغل بمشاركة واسعة في إصلاح المؤسسات الحكومية، فإن حكومة نجلاء بودن اختارت إقصاء الطرف النقابي والانطلاق في إصلاحات أحادية لم تنشر تفاصيلها بعد.

ويرى الخبير المالي والباحث الاقتصادي آرام بالحاج أن تنقيح القانون المتعلق بالمساهمات في المنشآت والمؤسسات العمومية، يذلل جزءاً من العقبات التي تواجهها الحكومة من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي في الأجل القريب 
وقال بالحاج، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن حكومة نجلاء بودن انطلقت فعلا في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة منذ بداية العام الحالي، وفق ما يطلبه صندوق النقد الدولي، وذلك عبر الرفع التدريجي للدعم عن المحروقات والتحكم في كتلة الأجور، وأخيرا تنقيح قانون هيكلة المؤسسات الحكومية.

ورجّح المتحدث أن يؤدي تنقيح قانون المؤسسات الحكومية إلى مزيد من توتير الأوضاع بين السلطة والاتحاد العام التونسي للشغل، خاصة إذا ما تضمن القانون المصادق عليه بنودا تتعلق بالتفويت الجزئي أو الكلي لأصول المؤسسات والمنشآت العمومية.

ويرصد تقرير حول المنشآت العمومية المرافق لقانون المالية لسنة 2022 أن هناك انخفاضاً مهماً في حجم سيولة المنشآت العمومية، نتيجة تراجع نشاطها وتدني حجم مداخيلها، إضافة إلى الصعوبات التي تواجهها في استخلاص مستحقاتها لدى الحرفاء (المتعاملين).

سجلت الـ81 منشأة عمومية خلال 2020 نتائج صافية مجمعة سلبية بنحو 2,5 مليار دينار، مقابل نتائج سلبية بنحو 178 مليون دينار سنة 2019، وفق أحدث تقرير حول وضعية المنشآت العمومية في تونس نشرته وزارة المالية على موقعها الرسمي.

وقال التقرير إن خسائر المؤسسات الحكومية ارتفعت بنسبة 1280 بالمائة خلال الفترة المتراوحة ما بين 2019 و2020.
وتسابق سلطات تونس عقارب الزمن لإطلاق قطار الإصلاحات الاقتصادية بالسرعة القصوى، بهدف الحصول على الدعم المالي من صندوق النقد الدولي وتفادي الذهاب إلى حلول نادي باريس وجدولة الدين الخارجي.

لكن مؤسسات التمويل الدولية تعتبر التوافق حول خطة الإصلاح الاقتصادي شرطا أساسيا لإنجاحها، مطالبة بإيجاد أرضية تفاهمات تجنّب البلاد الاحتجاجات الاجتماعية والتصادم بين الحكومة والنقابات.

وأكد نائب رئيس البنك الدولي المكلف بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا فريد بلحاج، في تصريحات إعلامية، وجود مشاكل تتعلّق بالإصلاحات التي يجب إنجازها، وكلّ تأخير في تنفيذها سيرفع في التكلفة. وقال: "إنّ العديد من شركاء تونس يرغبون في مساعدتها، ولكن على تونس قبل ذلك (مساعدة نفسها)، من خلال الشروع في تنفيذ الإصلاحات المتعلّقة بالمؤسّسات العمومية والتحكّم في كتلة الأجور".

وأكّد فريد بلحاج أنّه لا يوجد أمام الحكومة العديد من السناريوهات، وإنّما حل واحد يتمثل في الشروع في تتفيد الإصلاحات الضرورية. ويشترط صندوق النقد الدولي، الذي أرجأ البت في مصير القرض الموعود لتونس في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن يكون هناك إجماع بين السلطة والشركاء الاجتماعيين حول خطط الإصلاح، بينما يعترض الاتحاد العام التونسي للشغل ذو النفوذ القوي على الاتفاق المبدئي بين الحكومة والصندوق.

وفي مقابل ذلك، يسعى إلى طرح "مبادرة إنقاذ" مع باقي المنظمات الوطنية مستفيدا من نفوذه التاريخي، ووصل الأمر إلى حد التلويح بخوض "معركة وطنية". لكن الرئيس التونسي قيس سعيّد اتهم، خلال زيارة قام بها قبل أيام إلى ثكنة العوينة التابعة للحرس الوطني، اتحاد الشغل باستغلال الحق النقابي لتحقيق "مآرب سياسية"، كما قامت السلطات التونسية لاحقا باعتقال المسؤول النقابي أنيس الكعبي، وهو ما أثار جدلا واسعا في البلاد.

لكن الخلاف بين السلطة واتحاد الشغل حول خطة إصلاح الاقتصادي وهيكلة المؤسسات الحكومية يعود إلى أكثر من ثلاث سنوات، حيث عارض اتحاد الشغل في ديسمبر/ كانون الأول 2019 مشروع قانون يقضي بإحداث هيئة لحوكمة المنشآت والمؤسسات العمومية، صادقت عليه الحكومة حينها، معتبرا أن الصيغة الواردة بمشروع القانون تُشرّع للبيع الكلي أو الجزئي للمؤسسات الحكومية. 

المساهمون