أضرار كورونا على الريال اليمني توازي خسائر الحرب

أضرار كورونا على الريال اليمني توازي خسائر الحرب

28 يونيو 2021
تهاوي العملة اليمنية يفاقم معيشة المواطنين (عبد الناصر الصديق/الأناضول)
+ الخط -

بينما تستعد الحكومة اليمنية للعمل على ضخّ دفعة جديدة من العملة الوطنية المطبوعة لتغطية رواتب الموظفين المدنيين، تضرب تبعات فيروس كورونا القطاع المصرفي، وقد بدأت آثارها بالظهور تباعاً منذ مطلع العام الحالي.
مؤشرات عديدة تحملها تقارير رسمية وآراء خبراء اقتصاد، تؤكد أنّ أبرز تأثير تعرضت له العملة الوطنية في اليمن كان بسبب فيروس كورونا والذي توازي أضراره تبعات الحرب الدائرة في البلاد منذ ست سنوات. فقد ضاعف وباء كورونا من التحديات أمام الاقتصاد اليمني وتجلت بصورة واضحة في الأزمة الخانقة التي تواجه الحكومة في الموارد نتيجة لتراجع أسعار النفط عالمياً وتأثير الأزمة على المانحين الدوليين لليمن.
كما أنّ تعثر تدفق موارد النقد الأجنبي إلى اليمن انعكس سلباً على حجم الاحتياطات الخارجية الذاتية للبنك المركزي، إذ تآكلت إلى أدنى مستوياتها، وشكل ذلك أزمة خانقة في النقد الأجنبي ما ساهم في تدهور سعر الصرف وانخفاض شديد في قيمة الريال أمام العملات الأجنبية، ما أسفر عن قفزة كبيرة في ارتفاع أسعار السلع الغذائية وموجة تضخم هائلة.
وبسبب فيروس كورونا، يقدر تراجع تحويلات المغتربين اليمنيين بنسبة قد تصل إلى 70% منها خلال الأشهر الأولى للجائحة، وهو ما فاقم من حدة الأزمة الاقتصادية وتعمقها في المجتمع.

يرى الخبير المصرفي، أحمد السهمي، أنّ الأزمة الحقيقية للفيروس تتركز بشكل أوضح في القطاع المصرفي وتدهور سعر صرف العملة، وهذا ما لم يدركه أحد على المستوى الرسمي والقطاع الخاص المالي والنقدي، إذ إنّ انهيار سعر صرف الريال مقابل الدولار والعملات الأجنبية ووصوله لمستويات قياسية تزامن مع بدء انتشار فيروس كورونا عالمياً ومحلياً. يضيف السهمي لـ"العربي الجديد" أنّ كورونا تسبب في فقدان المؤسسات النقدية الحكومية أدواتها في إدارة السياسية النقدية، وسرع ذلك في دفع ما تبقى من العملة الوطنية إلى خارج القطاع المصرفي مع إحكام الصرافين قبضتهم على إدارة السوق المصرفية والمضاربة بالعملة بصورة ساهمت إلى جانب عوامل أخرى في تهاويها وعدم القدرة على إيجاد الحلول المناسبة لتلافي تبعات الفيروس وتهاوي العملة.
واتجه العرض النقدي في اليمن وفق تقارير اقتصادية ومصرفية إلى التزايد بشكل مستمر إذ وصل إلى 5814.8 مليار ريال مقارنة بحوالي 3106 مليار ريال في آخر عام قبل الحرب 2014 (الدولار = 600 ريال في صنعاء) فيما يتضح الارتفاع المستمر لحجم التداول النقدي خارج النظام المصرفي والذي زاد من 811 مليار ريال عام 2014 إلى 2962 مليار ريال عام 2019.
وبحسب خبراء اقتصاد ومصرفيين، فإنّ نسبة العملة المتداولة خارج الجهاز المصرفي إلى إجمالي العرض النقدي أحد أهم المؤشرات التي تقيس كفاءة الجهاز المصرفي والسياسة النقدية، فانخفاض هذه النسبة يشير إلى ارتفاع كفاءة الجهاز المصرفي وقدرته في حشد الموارد المالية وإمكانية تسخيرها بصورة إيجابية والعكس صحيح. وشهد اليمن ارتفاع هذه النسبة بصورة تصاعدية من 26% قبل الحرب إلى 51% بعد مرور ست سنوات منها، بحسب بيانات رسمية.
ويؤكد أستاذ الاقتصاد بجامعة "عدن" أمين علي حسن، لـ"العربي الجديد" أنّ الأرقام المتداولة للانهيار الاقتصادي والمعيشي والأزمة الإنسانية والعملة الوطنية مرشحة للارتفاع مع استمرار الحرب في اليمن والتي بدأت فصولها في عام 2015. ويدعم ذلك وفق حديثة، تأزيم الأوضاع من قبل أطراف الصراع التي حالت دون التوصل إلى حلول سياسية والتفرغ لإيجاد أدوات لوقف الانهيار الاقتصادي، والذي في تقديره سوف يزيد الأوضاع المعيشية سوءا في ظل وجود التدخلات الخارجية، أضف إلى ذلك تفضيل الرهان العسكري لحلّ الأزمة اليمنية بديلاً للحلّ السياسي.

وتوسعت الآثار لتطاول نشاط الودائع المالية الذي يعد أحد أهم النشاطات المصرفية التي تقوم بها مختلف البنوك التجارية على وجه الخصوص، إذ تراجعت من 2225.7 مليار ريال عام 2014 إلى 2150 مليار ريال عام 2015، نظراً إلى قيام العديد من المودعين بسحب مدخراتهم وودائعهم من البنوك والاحتفاظ بها في المنازل تخوفاً من تكرار أزمة السيولة المصرفية أو اهتزاز المراكز المالية للبنوك. لكنّها عاودت الارتفاع بشكل مستمر لتصل إلى 2774 مليار ريال في العام 2019، محققة متوسط معدل نمو سنوي قدره 6.6%، إذ حصلت الودائع بالعملات الأجنبية على الأهمية النسبية الأولى إلى إجمالي الودائع المصرفية بمتوسط بلغ 36.1%، بنسبة قريبة من المحققة في العام 2014، نحو 37%.

وهذا يعكس إجمالاً انعدام الثقة بالعملة المحلية نتيجة تدهور قيمتها مقابل العملات الأجنبية، بحسب مراقبين.
وبشكل عام، فإنّ هيكل الودائع يعكس ضعف قدرة البنك المركزي على إدارة السياسة النقدية بكفاءة وفاعلية، خصوصاً في ظلّ انقسام المؤسسات المالية والسوق النقدية ذاتها وعدم توحيد عملية إدارتها وتفعيل أدوات السياسة النقدية والذي من شأنه أن يرفع درجة المخاطر النقدية والمصرفية، ولعلّ التباين في أسعار الصرف الأجنبي بين صنعاء وعدن يعطي مؤشراً سلبياً عن الحالة غير الصحية للجهاز المصرفي وتبعاته على تعميق الأوضاع المعيشية والإنسانية في اليمن.

المساهمون