أزمة ديون وتضخم وتهاوي الجنيه.. هل ينهار اقتصاد مصر؟

أزمة ديون وتضخم وتهاوي الجنيه.. هل ينهار اقتصاد مصر؟

21 يناير 2023
سيسعى السيسي إلى الالتفاف على وعده للصندوق بتقليل دور الجيش الاقتصادي (Getty)
+ الخط -

أدى تقييد الواردات والتعويم الثالث للجنيه المصري أوائل العام الجاري، وهو الثالث خلال 10 أشهر، إلى أزمة مزدوجة لنسبة كبيرة من الشعب المصري، حيث اختفت السلع، ما أدى لارتفاع أسعارها، بينما أدى ارتفاع الدولار مقابل الجنيه إلى الضعف لانخفاض القيمة الحقيقية للأجور إلى النصف تقريباً.

وفقاً لتقرير لموقع دويتشه فيله الألماني بنسخته الإنكليزية السبت، فإنّ "المشاكل التي يعاني منها المصريون حالياً هي ذاتها التي يعاني منها اللبنانيون. ولكن إذا ساءت الأمور هنا، فستكون التداعيات أكثر ضرراً".

ووفقاً للموقع ذاته، فإنّ "معدل التضخم الحقيقي الذي يقدّره بعض الاقتصاديين ليس كما هو معلن في آخر إحصاء بنحو 21%، بل أسوأ من ذلك. حيث قدّر اقتصاديون أنّ النسبة غير الرسمية، التي تشمل الاقتصاد غير الرسمي الضخم في مصر، تصل إلى 101٪".

أزمات متشابهة

ورسم الموقع معالم الأزمة التي تحدث في مصر الآن، معتبراً أنّ ذاتها التي مر بها اللبنانيون منذ 2019 وهي تضاعفت أسعار المواد الغذائية، وانخفاض الرواتب إلى النصف، وتقييد البنوك مقدار السيولة النقدية التي يمكن سحبها، مشيراً إلى أنّ "السقوط المالي الذي يعاني منه العديد من الأشخاص العاديين في مصر اليوم مشابه جداً للأزمة الاقتصادية الكارثية التي واجهها اللبنانيون".

في لبنان، كما يشير الموقع، ذهب المواطنون اليائسون إلى حد "سرقة" بنوكهم الخاصة ببساطة لسحب مدخراتهم، وغرقت المدن في الظلام مع نفاد الوقود في محطات الطاقة، واضطرت الطبقة الوسطى في البلاد إلى سلك طريق الديون.

وذكّر الموقع بتقرير صادر عام 2022 للأكاديمي الكندي روبرت سبرينغبورغ، والذي جاء فيه أنّ "عواقب انهيار الثقة بلبنان كانت مدمرة لكنها ستصبح شبه تافهة إذا تكررت على نطاق مصري".

أسباب متشابكة

ويرى الموقع ذاته أنّ أسباب الأزمة المصرية متراكة ومتشابكة بين عوامل داخلية، على رأسها الفساد والمشروعات الضخمة التي ينفذها الجيش ولا حاجة للشعب بها، وخارجية تتمثل في جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا وارتفاع أسعار السلع الغذائية والطاقة.

ونقل الموقع عن تقرير حديث كتبه رباح أرزقي، كبير الاقتصاديين السابق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي، أكد فيه أنّ "كل هذه العوامل اجتمعت في الآونة الأخيرة لوضع مصر على شفا هاوية مالية واقتصادية".

وأضاف أنّ "السبب وراء هذا التأثير الكبير للوباء وحرب أوكرانيا هو استراتيجية الاستثمار التي قادها الرئيس عبد الفتاح السيسي على مدى تسع سنوات: الإنفاق الهائل على المشاريع الضخمة، التي كان بعضها غير ضروري تماماً أو نتاج تصور سيئ".

بينما حمّل يزيد صايغ، كبير الباحثين بمركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، الحكومات الدولية، بما في ذلك حكومتا ألمانيا والولايات المتحدة، المسؤولية "جزئياً"، مضيفاً، للموقع ذاته، أنّ "السيسي لم يكن ليتمكّن من زيادة ديون مصر بنسبة 400% من دون مشاركتها المباشرة".

من جهته، يشير تقرير لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الجمعة، إلى أنّ الدين الإجمالي لمصر يزيد عن 220 مليار دولار (نحو 6.6 تريليونات جنيه)، منها حوالي 155 مليار دولار خارجية.

أوجه الاختلاف

ورغم أوجه التشابه بين مصر ولبنان، حيث تبلغ نسبة الفقر في كليهما 60% من الشعب، إلا أنّ مقومات الدولة والاقتصاد أكثر رسوخاً في مصر.

وقال تيموثي كالداس، الخبير في الاقتصاد السياسي المصري، لـ"دويتشه فيله"، إنّ "مصر ليست على وشك الانهيار التام بالطريقة التي كان عليها لبنان"، مشيراً إلى أنّ "ما يجعل مصر محظوظة هو أنّ الداعمين الخارجيين يولون أهمية أكبر لاستمرارية الدولة فيها، بغض النظر عن مدى سوء إدارتها". 

لكن كالداس قال إنه حتى إذا تم استيفاء جميع الشروط الواردة في حزمة صندوق النقد الدولي، فإنّ تعافي البلاد لن يتحقق بسرعة، موضحاً أنّ "المصريين الذين يعانون بالفعل، سيزدادون فقراً خلال العام المقبل". وخلص إلى أنه من غير المرجح أن تصبح مصر لبنان المقبل، "لكن لا شيء سيمنع تزايد المصاعب الاقتصادية للمصريين"، بحسب قوله.

براغماتية مقابل الاستثمارات

بدورها، تشير صحيفة "ذا هيندو" الهندية، الجمعة، إلى أنّ السيسي الذي سيزور الهند، الثلاثاء المقبل، نال بسبب استجابة حكومته الحذرة لمساعي باكستان إثارة قضية كشمير في منظمة التعاون الإسلامي، وصمتها المدروس على تصريحات الزعيم الهندوسي المتطرف نوبور شارما المثيرة للجدل، تقديراً من الهند. 

كما ساعد السيسي، بحسب الصحيفة، على التقارب المتزايد بين مصر والهند، وإظهار القاهرة "براغماتية هادئة" بشأن القضايا الحساسة لدى نيودلهي، مرجحة إبرام الهند ومصر نحو ستة اتفاقات خلال زيارة الرئيس المصري إلى العاصمة الهندية. 

ونقلت الصحيفة عن مصادر أنه من المتوقع توفير المزيد من إمدادات القمح الهندي لمصر، رغم الحظر الهندي المفروض على أساس "كل حالة على حدة".

كما أنّ الشركات الهندية مهتمة، وفق الصحيفة، بالاستثمار في مصر حيث تعمل شركة "رينيو باور" (ReNew Power) الهندية، على إنشاء مصنع هيدروجين أخضر بقيمة 8 مليارات دولار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

شركات للجيش من الباطن

قدّمت مصر عدداً من التنازلات للحصول على القرض الثالث من صندوق النقد الدولي؛ أبرزها جعل سعر صرف الجنيه أكثر مرونة، وإرسال تحويلات نقدية مباشرة (برنامج تكافل وكرامة) إلى 5 ملايين أسرة مصرية فقيرة بحلول نهاية الشهر الجاري، وكبح جماح "الإمبراطورية الاقتصادية" الشاسعة للجيش المصري. 

يتفق صايغ وكالداس على أنّ مصر يمكن أن تسعى لتحقيق وعد مرونة الجنيه وتقديم مساعدات للفقراء حتى لا تصل إلى حافة الهاوية، لكن سيكون من الصعب تحقيق وعد بتحجيم "الإمبراطورية الاقتصادية" للجيش.

وقال كالداس لـ"دويتشه فيله" إنّ الحكومة والنخب في مصر ستحاول الاحتفاظ بمزاياها وثروتها، مع السعي دائماً للتخلّص من التنازلات حول تقليل القوة الاقتصادية للجيش.

وفقاً لتقرير "هآرتس"، فإنّ مصر ستحتاج إلى بيع المزيد من الشركات المربحة، رغم أنّ معظم تلك الشركات يسيطر عليها الجيش، والذي أكد السيسي، العام الماضي، أنه لا ينوي التخلّي عن أصوله.

ومن ثم، وفقاً للصحيفة ذاتها، فإنّ السيسي "يبحث عن طريقة لتهدئة صندوق النقد الدولي من دون إثارة غضب الجيش في الوقت ذاته، ويبدو أنّ الحل الأفضل هو إنشاء شركات مصرية خاصة لشراء الأصول من الجيش على الورق، مع السماح للجنرالات بالاستمرار في إدارتها".

وتشير الصحيفة إلى أنّ "السيسي سيسعى إلى الضغط على الحكومة والمواطنين عبر سياسة شد الحزام، لخفض الميزانية، وخفض التضخم"، مضيفة أنّ "منتقدي السيسي يعتبرون ترشيد الإنفاق ستاراً من الدخان، حيث يواصل هو نفسه الإنفاق ببذخ لاستكمال بناء العاصمة الإدارية الجديدة".

وترى "هآرتس" أنّ "أي تصعيد في الأراضي الفلسطينية من جانب حكومة بنيامين نتنياهو ربما يؤدي لاندلاع احتجاجات في مصر رافضة للخطوات الإسرائيلية، والتي يمكن أن تتطور حتى إسقاط نظام السيسي ذاته"، وهو ما تحذر منه الصحيفة.