أردوغان وبوتين يبحثان اليوم مصير اتفاقية الحبوب وسط شكوك روسية

أردوغان وبوتين يبحثان اليوم مصير اتفاقية الحبوب وسط شكوك روسية

04 سبتمبر 2023
تسعى أنقرة إلى إقناع موسكو بالعودة إلى اتفاقية الحبوب (Getty)
+ الخط -

في أول لقاء بينهما منذ انسحاب روسيا من "اتفاقية الحبوب" يوم 18 يوليو/تموز الماضي، يجتمع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود جنوبي روسيا، اليوم الاثنين، وسط توقعات بأن تهيمن ملفات إعادة تفعيل الصفقة التي كان يجرى من خلالها توفير وسائل آمنه لتصدير القمح الأوكراني عبر موانئ البحر الأسود ومواصلة الدفع بالتعاون بين البلدين وعدة قضايا للأجندة الدولية، بما فيها آفاق التسوية في أوكرانيا، على جدول أعمال المحادثات.

وقال المكتب الصحافي للكرملين في بيان عشية القمة: "من المخطط له مناقشة قضايا مواصلة الدفع بالتعاون الثنائي متبادل المنفعة، وكذلك القضايا الدولية الملحة".

وتوقف تنفيذ اتفاقية توريد الحبوب عبر البحر الأسود، الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وتركيا في عام 2022، بعد انسحاب روسيا في يوليو الماضي.

تصدر ملف "صفقة الحبوب" عناوين الصحافة العالمية نظراً لما تشكله من أهمية للأمن الغذائي وسوق الحبوب في العالم

وتسعى أنقرة منذ ذلك الحين إلى إقناع موسكو بالعودة إلى الاتفاقية. وقال مصدران تركيان، يوم الخميس، إنّ أردوغان سيلتقي نظيره الروسي في سوتشي لمناقشة صادرات الحبوب عبر البحر الأسود، وتبعات الحرب في أوكرانيا، فضلاً عن اتفاقية تسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية بأمان عبر البحر الأسود.

لكن مصادر روسية تشكك في أن يسفر الاجتماع عن إعادة إحياء اتفاقية الحبوب بشكلها القديم مع عدم استجابة الغرب للمطالب الروسية المتعلقة بالعقوبات.

وعلى الرغم من تصدر ملف "صفقة الحبوب" عناوين الصحافة العالمية نظراً لما تشكله من أهمية للأمن الغذائي العالمي وسوق الحبوب، ثمة شكوك في واقعية إعادة تفعيلها بصورتها السابقة، وسط تمسك موسكو بشروطها، وفي مقدمتها فتح الأسواق العالمية أمام الحبوب والأسمدة الروسية، وإعادة توصيل مصرف "روس سلخوز بنك" الزراعي بمنظومة "سويفت" العالمية للتحويلات المالية.

ويعتبر مدير مكتب التحليل في مركز "سونار-2050" لدراسات قضايا تكامل الدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، إيفان ليزان، أنه يمكن الإقرار بأن "صفقة الحبوب" لم تعد قابلة للإنعاش، من دون أن يستبعد في الوقت نفسه احتمال التوصل إلى اتفاقية حبوب جديدة في إطار ثنائي بين روسيا وتركيا أو برعاية دولة قطر.

ويقول ليزان لـ"العربي الجديد": "لا أرى أفقا لإعادة تفعيل الصفقة بصيغتها السابقة، لأن روسيا كانت تفي بالتزاماتها في إطارها من جهة السماح بالخروج الآمن للحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود، لكن الاتحاد الأوروبي لم يفِ بتعهداته. يمكن الإقرار بأن الصفقة قد ماتت ودفنت".

مع ذلك، لا يستبعد احتمال التوصل إلى اتفاقية حبوب جديدة، مضيفاً: "تجرى محادثات مع سلطنة عمان بشأن استحواذ شركة تابعة للصندوق السيادي العماني على حصة في شركة ديميترا الروسية القابضة لتجارة الحبوب، وهناك محاولات مع تركيا وقطر.كما أن الأمم المتحدة تبذل جهوداً كبيرة، لكن ليس بمقدورها التأثير على أطراف الصفقة تأثيراً كبيراً".

ويقلل من أهمية المزاعم من أن انسحاب روسيا من اتفاقية "صفقة الحبوب" ينذر بمجاعة في أفريقيا والدول المستوردة للغذاء، قائلاً: "فعلياً، أسفر تعليق صفقة الحبوب عن إعادة توزيع الأسواق، إذ تكاد أوكرانيا توجه جميع صادراتها الزراعية إلى الاتحاد الأوروبي، بينما تستحوذ روسيا على حصة كييف في أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا والهند".

خبير روسي: تحقيق الأمن الغذائي لأفريقيا لا يعتمد على صفقة الحبوب بل مرهون بتزويدها بالتكنولوجيا الزراعية والأسمدة والبذور

ويخلص إلى أن تحقيق الأمن الغذائي للدول الأفريقية لا يعتمد على "صفقة الحبوب" بقدر ما هو مرهون بتزويدها بالمعدات والتكنولوجيا الزراعية والأسمدة والبذور.

بدوره، يعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية المستشرق كيريل سيميونوف أن محادثات سوتشي لن تقتصر على ملف الحبوب، بل ستتناول أيضاً مبادرات للسلام في أوكرانيا والوساطة التركية نظراً لما يتمتع به أردوغان من علاقات وطيدة مع كلٍّ من بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

ويقول سيميونوف في حديث لـ"العربي الجديد": "بالطبع، القضية الرئيسية هي محاولة إنعاش اتفاقية الحبوب، وربما سيجرى الحديث عن نوع من رؤية جديدة للحل، وقد تكون اتفاقية جديدة لا تمت إلى سابقتها بصلة مباشرة، وقد تكون ثنائية بين روسيا وتركيا".

وحول رؤيته لقضايا أخرى قد تتناولها القمة، يضيف: "على الأرجح، ستناقش مبادرات سلام ما، تسعى تركيا لتنسيقها مع كييف لأداء دور الوساطة والدبلوماسية المكوكية بين روسيا وأوكرانيا".

وتعد قمة اليوم هي أول لقاء شخصي بين بوتين وأردوغان منذ لقائهما على هامش الدورة السادسة لمؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا في أستانة، في منتصف أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

كما تعد هذه أول زيارة للرئيس التركي إلى روسيا منذ أكثر من عام، حيث زار سوتشي في بداية أغسطس/آب 2022. ومع ذلك، أجرى الرئيسان الروسي والتركي مجموعة من الاتصالات الهاتفية خلال هذه الفترة، وكان آخرها في 2 أغسطس الماضي.

ويأتي اجتماع اليوم بين بوتين وأردوغان وسط شكوك روسية، حيث قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يوم الخميس، إن موسكو لا ترى أي علامة على أنها ستحصل على الضمانات التي اشترطتها لاستئناف اتفاقية تسمح لأوكرانيا بشحن حبوبها عبر البحر الأسود، لكن بلاده قد تعود إلى الاتفاقية إذا أوفى الغرب بوعوده لموسكو. وأكد لافروف حجة روسيا بأن العقوبات الاقتصادية الغربية تعرقل صادرات الحبوب والأسمدة الروسية.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وأضاف أن الخطة التي تُناقش حاليا لتوريد مليون طن من الحبوب الروسية إلى تركيا بسعر مخفض ستكون إضافة إلى إمدادات الحبوب التي وعدت روسيا بمنحها لدول أفريقية مجانا.

ورغم ضعف الآمال في إعادة تفعيل "صفقة الحبوب"، فإنّ أطرافاً عدة في المجتمع الدولي لا تزال تراهن عليها، إذ نقلت وكالة "نوفوستي" الحكومية الروسية قبل انعقاد القمة بأيام عدة، عن مصدر تركي مشارك في التفاوض، أن المحادثات المرتقبة ستوضح بشكل كبير مصير الصفقة، وستتابع الأمم المتحدة العملية.

وقال المصدر: "هناك آمال كبيرة تتعلق بهذه المفاوضات، وتعمل كافة الجهات المعنية (التركية) على هذا الاتجاه. يجرى تنسيق العملية مع الأمم المتحدة، وهي ستتابع هذه المفاوضات أيضاً".

وأعرب عن أمله أن تجرى المفاوضات بشكل بناء وتفتح فرصاً لاستئناف عمل مبادرة حبوب البحر الأسود، وهي التسمية الرسمية لـ"صفقة الحبوب".

بوتين اعتبر أن هناك تعمداً لوضع عراقيل أمام روسيا في مسألة إمدادات الحبوب والأسمدة إلى الخارج

وسبق لروسيا أن جددت موقفها من إعادة تفعيل "صفقة الحبوب" خلال قمة مجموعة "بريكس" التي انعقدت في جوهانسبرغ خلال الفترة من 22 إلى 24 أغسطس الماضي، إذ أكد بوتين، خلال كلمة له بنظام مؤتمر الفيديو، استعداد روسيا للعودة إلى الصفقة، ولكن فقط في حالة الوفاء الفعلي بكافة الالتزامات أمامها.

وقال بوتين: "منذ 18 يوليو الماضي، عزفنا عن مواصلة ما يسمى الصفقة، وسنكون مستعدين للعودة، ولكن فقط في حالة الوفاء الفعلي بجميع الالتزامات أمام الجانب الروسي".

واعتبر أن هناك تعمداً لوضع عراقيل أمام روسيا في مسألة إمدادات الحبوب والأسمدة إلى الخارج، مع اتهامها هي بالوضع الراهن المتأزم في السوق العالمية.

واستشهد بتقديرات تفيد بأنه خلال عام من الصفقة مع أوكرانيا، جرى تصدير ما مجموعه 32.8 مليون طن من الشحن، ذهب أكثر من 70% منها إلى الدول ذات مستوى دخل مرتفع أو فوق متوسط، وفي مقدمتها بلدان الاتحاد الأوروبي، بينما بلغت حصة الدول الأقل تنمية نحو 3% فقط، أي أقل من مليون طن، على حد زعمه.

وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، هو الآخر، خلال لقاء مع أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، على هامش قمة "بريكس"، استعداد موسكو للعودة إلى "صفقة الحبوب" فقط في حالة الوفاء الفعلي بجميع الالتزامات أمام روسيا.

وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان صدر حينها في ختام اللقاء: "ردا على سؤال أمين عام الأمم المتحدة حول آفاق استئناف مبادرة البحر الأسود، استعرض لافروف مرة أخرى موقف موسكو الذي نطق به الرئيس الروسي بشأن الاستعداد للعودة إليها، فقط في حالة التحقيق الفعلي لجميع الالتزامات أمام الجانب الروسي".

وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في موسكو، الخميس الماضي، إنّ الاتفاقية التي توسطت فيها الأمم المتحدة وسمحت بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود مهمة، لكن روسيا لديها مطالب في ما يتعلق بتصدير منتجاتها حتى يتعافى اقتصادها.

المساهمون