أجواء انقسام في ألمانيا... حظر النفط الروسي يثير غضب الشرق

أجواء انقسام في ألمانيا... حظر النفط الروسي يثير غضب الشرق الأقل حظاً

19 مايو 2022
مصفاة نفط في شويدت شرقي ألمانيا (فرانس برس)
+ الخط -

يرفض سكان شرقي ألمانيا خطوات الحكومة الاتحادية نحو تأييد الموقف الأوروبي الرامي إلى فرض حظر على النفط الروسي، على عكس الجزء الغربي من البلاد تماماً، إذ يحذر الشرقيون من أنهم سيكونون الأكثر تضرراً من تداعيات انعكاس العقوبات على موسكو بينما يكسبون أقل في المتوسط ولديهم مدخرات أقل من السكان الغربيين، ما يعيد نبرات التفرقة إلى الظهور، بينما كانت قد انحسرت كثيراً منذ إعادة توحيد شطري البلاد قبل نحو 32 عاماً.

ورغم فشل وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين الماضي، في التوصل لاتفاق بشأن حزمة سادسة من العقوبات على روسيا، بما في ذلك الحظر النفطي، فإنّ موقف الحكومة الاتحادية في ألمانيا شهد تبدلاً في الأيام الأخيرة من معارضة هذا الحظر إلى تأييده وسط خطوات فعلية لتقليص اعتمادها على النفط الروسي من 35% إلى 12%.

وأثارت هذه الخطوات مخاوف سكان الشرق الألماني من تداعياتها عليهم بشكل كبير، إذ أفادت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية، قبل يومين، بأن الحظر المفروض على النفط الروسي يهدد شرق ألمانيا بعواقب اقتصادية.

وفي مقال بالصحيفة، قالت الخبيرة الاقتصادية ساببينا رينيفانتس، إن "مستقبل الشرق على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي يتقرر في شويدت (مدينة في ولاية براندنبورغ)، حيث توجد مصفاة نفط هناك تتلقى المواد الخام حصرياً من روسيا عبر خط أنابيب دروجبا المعرض للخطر بسبب خطط فرض حظر نفطي".

عواقب وجودية

وأضافت رينيفانتس: "كان الأمر قبل ذلك يدور حول كيفية مساعدة الحكومة الألمانية لأوكرانيا، في حين أن تأثير الأزمة على الحياة اليومية للألمان كان يمكن التحكم فيه نسبياً... لكنّ الوضع مختلف الآن، حيث يمكن أن يكون للأزمة الأوكرانية عواقب وجودية على مدينة يبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة، وهنا تبدأ نقطة تحول أخرى في الشرق مرة أخرى".

ولفتت إلى أنّ "9 سيارات من بين كلّ 10 في برلين وبراندنبورغ تعمل بالبنزين ووقود الديزل من مصفاة شويدت، التي توفر الوقود أيضاً للمطار المحلي" مشيرة إلى أنّه "كان من المحتمل أن يتخذ زعماء المناطق الشرقية من ألمانيا قراراً مختلفاً حيال فرض الحظر المحتمل على النفط الروسي لو كان الأمر بأيديهم".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وأوضحت رينيفانتس أنّ "هناك عدم تأييد لخطوات الحكومة تجاه أوكرانيا في الشرق، على عكس الجزء الغربي من البلاد تماماً، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أنّ غالبية الألمان الشرقيين لا يؤيدون توريد الأسلحة إلى كييف".

وأكدت أن "السكان الشرقيين تأثروا بارتفاع الأسعار الناجم عن الأزمة الأوكرانية، لأنّ سكان هذه المناطق يكسبون أقل في المتوسط ولديهم مدخرات أقل من السكان الغربيين".

وقبل نحو أسبوعين، طالب حزب اليسار الألماني، استثناء شرقي ألمانيا من فرض حظر على واردات النفط الروسي. وفي تصريحات لشبكة دويتشلاند الصحافية، قال مفوض شؤون الشرق في الكتلة البرلمانية لليسار، زورن بيلمان إنّ "هذا الحظر متعجل ولا يمكن احتماله بالنسبة لشرق ألمانيا".

انفجار الأسعار

وحذر بيلمان، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية، من وقوع اضطرابات اقتصادية واجتماعية بالنسبة لشرق ألمانيا في حال عدم وضع قواعد انتقالية له "فالأسعار ستنفجر كما أنّ اقتصاد شرقي ألمانيا سيتراجع إلى الوراء عشرات السنين".

واتهم السياسي عن حزب اليسار الحكومة الاتحادية بدعم الحظر النفطي المخطط له على حساب الولايات الشرقية، معتبراً أنّ حظر الاستيراد بمثابة "برميل بارود اجتماعي" بالنسبة للولايات الشرقية.

ويعتمد شرقي ألمانيا بشكل كبير على خط أنابيب دروجبا الروسي لإمدادات النفط. ويُجرى حتى الآن إمداد مصفاتي التكرير الكبيرتين لوينا وشفيت بالنفط الروسي من خط الأنابيب. وبينما تم توفير بدائل لمصفاة "لوينا"، فإن شركة "روسنفت" الروسية المشغلة لمصفاة شفيت غير مهتمة حتى الآن بإيجاد بديل، حسبما ذكر هابيك.

وفي مقابل الانتقادات المتزايدة للحكومة الاتحادية بعدم الاكتراث للشرق الألماني بشكل كاف، وعد وزير الاقتصاد روبرت هابيك، بدعم الشرق عبر توفير فرص استيراد جديدة كبديل لمصادر الطاقة الروسية.

وقال هابيك، يوم الاثنين الماضي، خلال زيارة لمدينة ماغديبورغ، عاصمة ولاية سكسونيا-أنهالت، شرقي ألمانيا: "سنحرص بشدة على ضمان أن فرص الاستيراد الجديدة التي سيُجرى توفيرها ستضع في الاعتبار أيضاً ألمانيا الشرقية على قدم المساواة".

لكنّ رئيس حكومة ولاية سكسونيا-أنهالت، راينر هاسلوف، قال في تصريحات صحافية أخيراً، إنّ لديه انطباعاً بأنّ العقوبات ضد روسيا تُطبق حالياً بطريقة لا يوجد بها رابحون من جهة وخاسرون من جهة أخرى، بل إنّ الاقتصاد الوطني بأكمله يتأثر بها.

تخلص تدريجي من النفط الروسي

وذكر هاسلهوف أنه خلال الأشهر المقبلة سيتعين التوصل إلى إمدادات بديلة للمواد الخام، مضيفاً أنّ من غير المقبول أن يتزعزع الاقتصاد، وبالتالي دعم أهداف بوتين بشكل مباشر وغير مباشر.

كانت ألمانيا قد خفضت بالفعل حصة النفط الروسي في وارداتها إلى 12% مقابل 35% قبل غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، لكنها قالت سابقاً إنها بحاجة إلى أشهر عدة للتخلص التدريجي من الخام الروسي لتقليل التأثير الاقتصادي في الداخل.

وحتى مع تقليص الاعتماد الألماني على النفط الروسي، تبرز التقارير الاقتصادية أنه ليس من السهل استبدال الواردات الحالية بإمدادات أخرى لتصبح ألمانيا مستقلة تماماً عن روسيا.

وفي السياق، حذر يورغ شتاينباخ وزير الاقتصاد والطاقة في ولاية براندنبورغ (شرق)، في تصريحات لصحيفة راينشه بوست، من عواقب وخيمة في حالة مقاطعة النفط الروسي، وأن الحظر النفطي سيتسبب بجمود كبير، وستتأثر العديد من الوظائف بشدة.

ورغم تحذيرات المسؤولين في الشرق من أنّ ولاياتهم ستكون أكثر تضرراً من حظر النفط الروسي واستمرار الحكومة الاتحادية في اتباع نهج الغرب في فرض المزيد من العقوبات على روسيا، فإنّ القلق من الأضرار يطاول باقي المناطق الألمانية.

تكاليف إضافية وتحديات لوجستية

وعما إذا كان الاقتصاد الألماني برمته قادراً على مواجهة حظر النفط الروسي، قال الخبير في أمن الطاقة فرانك أومباخ في تصريحات لصحيفة بيلد في وقت سابق من مايو/ أيار الجاري، إن لديه قناعة بأن الاقتصاد الألماني لا يمكنه التعامل مع الحظر، إذا ما تم اعتماده على وجه السرعة.

وحذر أومباخ من الخسائر التي ستلحق بالإنتاج والصادرات مع ارتفاع أسعار الطاقة، مضيفاً أنّ هناك قناعة لدى الصناعيين الألمان بأنه لا يمكن استبدال النفط الروسي إلا بتكاليف إضافية وتحديات لوجستية.

وفي السياق، قال رئيس اتحاد الصناعات سيغفريد روسفورم، إنه من المحتمل أن تستمر أسعار الطاقة في الارتفاع، وهذا ما سينسحب على تكلفة الإنتاج في جميع القطاعات.

وفي إبريل/ نيسان الماضي حذرت خمسة معاهد اقتصادية تقدم المشورة للحكومة الألمانية، في تقرير مشترك، من تكبّد ألمانيا خسائر تقدر بنحو 220 مليار يورو (240 مليار دولار) على مدى العامين المقبلين في حالة الوقف الفوري لإمدادات الطاقة الروسية.

ومن بين هذه المعاهد، معهد البحوث الاقتصادية إيفو، في ميونخ، ومعهد الاقتصاد العالمي إي أف دبليو في جامعة كيل، والمعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية دي آي دبليو، في برلين.

وبحسب التقرير، فإن توقف الإمدادات الروسية سيؤدي إلى انكماش في بلد يعتبر قاطرة الاقتصاد الأوروبي، وعندها من المرجح أن يدخل الاقتصاد الألماني في ركود حاد العام المقبل 2023.

وأعرب الكثير من الألمان عن اعتقادهم بأن حرب أوكرانيا تسببت في تأثيرات اقتصادية ملموسة بالنسبة لهم، إذ قال 68% من المشاركين في استطلاع أجراه معهد ديموسكوبي آلنسباخ لصالح صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ الألمانية في الفترة بين 25 مارس/آذار الماضي حتى السادس من إبريل/نيسان الجاري، إن هذه التأثيرات تتمثل في ارتفاع تكاليف التدفئة، فيما قال 51% إن هذه التأثيرات تمثلت في أسعار الوقود المرتفعة.

وواصل معدل التضخم ارتفاعه، مسجلا 7.4% على أساس سنوي في إبريل/نيسان، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ إعادة توحيد شطري ألمانيا في عام 1990.

أسعارالتدفئة والنقل والغذاء

ووفق البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الاتحادي، في العاشر من مايو/ أيار الجاري، قفزت أسعار المواد الغذائية بنسبة 8.6%، وأسعار الطاقة بنسبة 35.3%، وتضاعفت تقريباً أسعار زيت التدفئة، حيث زادت بنسبة 98.6%، فيما ارتفعت أسعار البنزين 38.5% والغاز الطبيعي بنسبة 47.5%. وكان معدل التضخم السنوي في مارس/ آذار الماضي قد ارتفع إلى 7.3%.

وذكرت محطة دويتشلاند فونك التلفزيونية أخيراً، إنه مع الحظر النفطي فان أسعارالتدفئة والنقل والغذاء ستصبح أكثر تكلفة، كما أن العديد من الصناعات تعتمد على الخام منها البلاستيك ومستحضرات التجميل، فضلا عن التكاليف الإضافية التي ستتحملها شركات الطيران والشحن.

وتعد روسيا ثالث أكبر منتج للنفط في العالم، وثاني أكبر مصدر له، وتوفر 5% من الاستهلاك العالمي للخام و10% من المنتجات المكررة أي البنزين والديزل.

المساهمون